اسباب الشعور الدائم بالذنب وأضراره
تعريف الشعور بالذنب
الشعور بالذنب هو الشعور السلبي الذي يظهر عندما نقوم بفعل شيء خاطئ ويساعد في إدراك الأضرار المحتملة، ويمكن اتخاذ إجراءات لحل تلك المشكلة. فالشعور بالذنب على الرغم من كونه مزعجا، إلا أنه ضروري للتكيف مع البيئة الاجتماعية والبيئة.
مع ذلك، في بعض الأحيان، يمكن أن نشعر بالذنب دون سبب، وفي هذه الحالات، يتوقف الشعور بالذنب عن أداء وظيفة معينة ويؤثر على صحتنا العامة وقد يصبح شيئًا ضارًا يحبسنا ويعيقنا.
الشعور بالذنب
هناك نوعان من الشعور بالذنب:
الشعور بالذنب المرضي
ينشأ هذا من الأخلاق وهو الشعور المتعلق بالرسائل الغير مباشرة التي وصلت إلينا منذ سن مبكرة جدا، والتي لا يمكننا تفهمها تماما، فقد تمت برمجتنا على سلسلة من القواعد والمحظورات والأوامر التي تأتي من البيئة الخارجية.
يؤدي هذا الشعور إلى قمع احتياجاتنا وأنفسنا، وإذا تجاوزنا حدودنا الداخلية فإننا نخاف بشكل فوري من حكم سلبي على أنفسنا، ليس فقط من الآخرين ولكن حتى من أنفسنا، ويظل الصوت الداخلي يلومنا حتى نصل إلى مرحلة اللوم الكبير الذي يؤدي إلى تدمير الذات.
تعطينا الشعور بالذنب أصوات متنوعة تدور في داخلنا، تقول `أنت مذنب وستحاكم وتعاقب`، أو `أنت لا تستحق موافقة الآخرين`، وهذا ما شعرت به في الماضي، أنك لم تعد تستحق حب والدتك بسبب خرقك لحظر ما أو عدم احترام أمر معين.
يعاني معظم الأشخاص الذين يشعرون بالذنب بطريقة ما من الخوف من الهجر أو الخوف من فقدان الحب أو قبول الآخرين، حيث يعتبر اتخاذ قرار خارج المجموعة أمرا مخيفا، ولذلك يكون من المغري البقاء مخلصا للمجموعة من خلال التخلي عن الذات والهوية الحقيقية للفرد.
الشعور بالذنب الصحي
وهو الشعور بالذنب بمعنى إيجابي ينبع من داخلنا ويخبرنا أننا لا نعمل بشكل جيد وأننا خارجين عن المسار الصحيح، وهذا يجعلنا نشعر بعدم الرضا وعدم الكفاية لأننا لا ندرك إمكاناتنا.
عامل آخر مهم للغاية يجب مراعاته هو “الأنا المثالية” الخاصة بالفرد، وهي ما نرغب في أن نصبح عليه أو ما نتطلع إليه ونواجهه باستمرار. غالبا ما يكون هذا “النموذج الذاتي” غير متناسب مع قدراتنا الحقيقية، وإذا لم يتم تقليله فقد يؤدي إلى شعور بالذنب.
الشعور بالذنب المستمر مرض
هو شعور يميل الشخص إلى رفض شيء ما لأنه يسبب له الإحراج والسوء، وهذا الشعور يمكن أن يكون شائعًا جدًا حسب الثقافة، ويمكن أن يسبب الشلل السلوكي للشخص الذي يعاني منه.
عندما يكون الشخص يشعر بالذنب بشدة أو استمرارية، يمكن للأفكار والذكريات السلبية حول أفعاله التي أضرت بالآخرين أو الأمور التي لم يتمكن من القيام بها وتسببت في إيذاء شخص ما أن تحتجزه، وبالتالي يشعر الشخص بأنه ضحية وجلاد لنفسه.
يساعدنا الشعور الطبيعي بالذنب على التعرف على أنفسنا، وعلى الأفعال أو المواقف التي كانت ضارة ولا نرغب في تكرارها، فيراجع نفسه ويبحث عن الحلول.
أسباب الشعور بالذنب المستمر
يمكن أن تكون أسباب تكون مشاكل الذنب المرضي العالي كالتالي:
- أسلوب الأبوة والأمومة
ينبغي علينا جعل الجميع يشعرون بأنهم محبوبون، ونحن نسعى جاهدين للحصول على موافقة الدائرة الأقرب لنا منذ الطفولة، فعندما نكون أطفالا، يتم تعليمنا التفريق بين الصحيح والخاطئ، وكيفية التكيف مع العادات الاجتماعية.
عندما ننظر إلى التربية الخاصة بكل أسرة بعمق، ندرك أن تأثير أفعالنا على الأطفال يتمثل في الرسائل التي يتلقونها بشأن أفعالهم، لأن هذه الرسائل يمكن أن تؤدي إلى تنمية شعور الذنب بشكل غير طبيعي من خلال مقارنتهم بالآخرين، وتوبيخهم لأفعالهم وتضخيم عواقبها وغيرها من سلوكيات التربية.
- الدين
بعض الأشخاص يأخذون من الدين أن الله شديد العقاب فقط وينسون رحمة الله ومعرفته بإنسانيتنا، وهناك من يعتقد أنه طالما نشعر بالذنب فإن الله سيغفر لنا وطالما نشعر بالذنب فلن نعود لارتكاب ذنوبنا وعلينا أن نتواضع ونقلل من أنفسنا كدعوة للتواضع.
يتعاملون بهذه اللهجة مع أنفسهم ومع الآخرين، حيث يعظمون شعورهم بالذنب عندما يرتكبون المحرمات، فيحملون ذنوبهم كالجبال على أكتافهم، ولكن الله ذاته غفور رحيم يغفر للتائبين.
- المدرسة
هي البيئة الاجتماعية الثانوية وحيث يقضي الطفل معظم أيامه، ولذلك من الضروري أن تكون حذرا جدا في الرسائل التي يتم إرسالها إلى الطفل حول سلوكه من قبل أقرانه أو معلمه.
يجب تعلم قواعد التعايش والسلوك مع الأقران، ويجب تنفيذها مع الاهتمام بأن الأطفال يتعلمون ويصنعون صورة عن أنفسهم من خلال الرسائل والسلوكيات التي يشاهدونها في الآخرين.
قد يتعرض الطفل في المدرسة لتوبيخ ومعاقبة على أفعاله بطريقة مؤذية، دون تناسب لغة العقاب وحجمه مع السلوك، ودون تعديل حتى يتمكنوا من الاستمرار في التعبير عن أنفسهم والتصرف بحرية،والاعتناء بالآخرين وأنفسهم.
- التجارب المؤلمة
مشاعر الذنب المرضية إنها تستند دائمًا إلى التجارب المؤلمة وتجارب العلاقات السلبية، وهنا يلعب عنصر في الأنا العليا دورًا سلبيًا دون قصد فيقيد وظائف الأنا لدينا التي تكمن فيها ذواتنا، ينتج عن هذا تدني الثقة بالنفس يتخللها العداء تجاه الذات، يمكن أن تكون هذه المشاعر عنيدة جدًا وترافق الشخص طوال حياته.
أضرار الشعور بالذنب بدون سبب
الأعراض الرئيسية للذنب المرضي هي:
- عدم الاستقرار العاطفي
يميل الأشخاص الذين يعانون من الشعور بالذنب المفرط إلى الوصول إلى أقصى درجات مشاعرهم والمبالغة فيها، ويولد الشعور بالذنب الكثير من مشاعر عدم الأمان، ويكونون متقبلين للغاية للرد على أي تقييم خارجي.
يقومون بتدمير أنفسهم دون أن يدركوا ذلك، وتكون عواطفهم متقلبة للغاية طوال اليوم، وفي الحالات الأكثر خطورة، يمكن أن ترتبط بالاضطرابات المزاجية.
- قلة المبادرة
ربما يكون هؤلاء الأشخاص ذوو ذكاء عالٍ، ولكنهم لن يكونوا مبادرين خوفًا من الوقوع في الأخطاء، وسيبقون مشلولين في منطقة الراحة الخاصة بهم.
- صعوبة قول لا
إنهم أشخاص بحاجة ماسة إلى الإرضاء وقليل من الحزم ،فعندما يتعين عليهم رفض فعل شيء ما يكون الأمر صعب لأنهم سيشعرون بالذنب إذا لم يفعلوا ذلك، وإذا رفضوا بسبب ما فإنهم يحتاجون إلى الاعتذار مرات عديدة وأن يعيد الشخص الآخر تأكيد مغفرته لهم عندما لا يستطيعون فعل شيء ما لأنهم سيفعلون ذلك إن أمكن (بحاجة للاعتذار)
- الخوف من الرفض
يمكن أن يؤدي الشعور بالذنب إلى احترام الناس لذواتهم وعدم الشعور بأنهم يستحقون الحب في العديد من المواقف.
- آلام جسدية
قد يظهر الشعور بالذنب جسديا من خلال آلام في الجسم مثل الصداع وآلام المعدة والقيء والتوتر العضلي وغيرها، وفي الحالات الأكثر خطورة، يظهر الاكتئاب في الشخص.
- النقد الذاتي
سيكون اللوم على الأشخاص الذين يقارنون أنفسهم بالآخرين باستمرار، وسوف يتحلَّون بالتفكير الناقد والذاتي، مما يؤدي إلى الإضرار بصورتهم الذاتية.
- تدني احترام الذات
النقد الذاتي يرتبط بشكل وثيق بالشعور بالذنب المرضي، ويمكن أن يتسبب في الانزعاج الذي يشعر به الشخص نفسه، فعدم القدرة على تقدير الذات يؤدي تدريجيًا إلى توليد مشاعرسلبية تجاه الشخص نفسه، مما يؤثر سلبًا على العلاقة مع الذات وقيمتها.
- العزلة
التحدث بشكل سلبي عن الذات وتأثيرها على الآخرين والبيئة المحيطة بها يؤدي إلى مستويات عالية من التوتر لدى الشخص، مما يتسبب في تقليل آرائهم وأنشطتهم تدريجيًا والابتعاد عن العمل بشكل شخصي وعن الآخرين.
- تأملات
سوف تجد أن هناك أولئك الذين يعانون من شعور مرضي بالذنب يهوسون بالتأمل في أفكارهم، في حين يجب أن يكون التأمل العقلي استكشافا لتعلم الدروس من الأحداث التي تحدث من حولنا. ومع ذلك، فإنهم يوبخون أنفسهم لأنهم يعبرون عن أنفسهم بطريقة خاطئة، سواء بسبب فشلهم في فعل شيء ما أو لأي سبب آخر. ومع مرور الوقت، ستبدأ رسائل سلبية تتكرر في نشاط عقلك وتكون ضارة للغاية في تطوير أنشطتك اليومية، حتى تصبح جزءا من قلب حياتك وتؤثر عليها سلبا.
لماذا يصعب التعامل مع مشاعر الذنب المرضية
يقول المعالج النفسي إن لدينا مشاعر خاصة تجاه الأشخاص الذين كانوا مهمين جدًا بالنسبة لنا في طفولتنا وشبابنا، ولذلك فهي عميقة الجذور في الذات وتنتج عن علاقات متضاربة للغاية مع الأشخاص الذين يشعر المرء أنهم ضحية لهم وفي نفس الوقت يحبهم.
تتعثر هذه المشاعر في الأنا العليا لدينا، وفي الحالات القصوى ينشأ ما يُسمى “مقدمة صادمة”، ووفقًا لمعالجي الصدمات، يشير ذلك إلى “مقدمة الجاني”، وهو الشخص الذي تسبب في تلك المشاعر التي يعاني منها الفرد.
لذلك، فإن الشخص الذي يشعر بالذنب المرضي يعتقد أن الجاني لديه الحق في الاستمرار في أفعاله، وهذا ما يجعل الجاني قوياً جداً في عنفه ويترك أثراً يستمر حتى بعد وفاته.
يتعلق العلاج هنا بالتعامل مع النقص المرتبط بتقدير الذات، وهذا يمكن التعبير عنه حتى في حالة انتحار الشخص، فهؤلاء الناس يظلون يشعرون بالألم الذي تسبب فيه الجاني أو العامل في ذلك الوقت حتى بعد فترة زمنية طويلة، وذلك بسبب تدني احترام الذات بشكل محدد.
يواجه الضحية صعوبة في الفصل عن الروابط التي تربطها بنظام الجاني الأسري والتحول إلى شخص آخر، بسبب شعورها بالذنب الغير منطقي، ويجب على العميل أن يصبح واضحًا أثناء العلاج حول كيفية تحديد حقيقة العلاقة الأصلية.