احترام الرأي الأخر
ليس من الغريب أن يتباين آراء الناس وأفكارهم ونظرتهم، فالتباين جزء من طبيعة الإنسان، بل يمكننا القول إن التباين هو علامة من علامات الله سبحانه وتعالى، فنجد الناس متنوعين في ألسنتهم وأعراقهم وأخلاقهم وفهمهم، حيث يدل على ذلك قوله تعالى: `ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم ۚ إن في ذٰلك لآيات للعالمين` صدق الله العظيم، ولا يمكن توحيد الناس على رأي واحد، ولذلك قال سبحانه وتعالى: `ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ۚ ولذٰلك خلقهم` صدق الله العظيم.
التحدث بروح الحوار يعني تقبل الآخر واحترام حريته، ولا يعني هذا الصمت والقبول الأعمى برأي الآخر، بل يهدف إلى تعزيز قيمة التسامح بين الناس، وفي عصرنا الحالي يتزايد احتياجنا للتعايش الإيجابي بين الثقافات، بسبب التقارب الذي يحدث بينها يوما بعد يوم بفضل التكنولوجيا.
لكي نتعلم كيف نحترم آراء الآخرين، لسنا بحاجة إلى مدرسة أو معلم، بل نحتاج إلى الأخلاق الحميدة التي أصبحت شبه منعدمة في يومنا هذا.
كيف تحترم الرأي الأخر
الاختلاف في الرأي قد يكون علمياً وقد يكون فكرياً، وقد يكون اجتماعياً ودينيا، ولكل واحد أدبه الخاص في كيفية التعامل مع الطرف المخالف في الرأي، واحترام الرأي الآخر من دون ضغينة أو اسائة، جزء لا يتجزأ من الثقافة العامة، تبدأ من مراحل سنيّة صغيرة، وتكرّس بالتربية الأسريّة، ولا يمكن اكتسابها بين يوم وليلة.
لكن لم يتجاوز البعض مسألة تقبّل الرأي الآخر، و هذا أمر مؤسف للغاية، فما زال البعض يجهل ثقافة الحوار، و يبقى متشبّثاً برأيه بشتى الطرق، وفي الوقت ذاته لا يتوانى عن الانتقاص من آي رأي مخالف، لإثبات انه على صواب، بناءً على ما نراه على مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك أو تويتر وغيرها، حيث يبدو كما لو أن المستخدمين يزدادون عدائية مع بعضهم البعض عندما يواجهون آراء ووجهات نظر تختلف عن آرائهم.
ومع ذلك، لا أعتقد أن هذا هو النهج الأكثر إنتاجية الذي يجب اتخاذه عندما تواجه شخصًا يختلف معك، لأنه ليس من الضروري أن تكون عدوانيًا وعدائيًا عندما تقرر الدخول في حوار، لذلك، لماذا لا تستخدم هذا الحوار لصالحك وتتعلم وتفهم بعضًا من وجهات النظر الجديدة؟
بدلا من محاولة السيطرة بقوة على رأي الآخر ورفضه بشكل تعسفي، حاول فهم وجهة نظره ورؤيته في المسألة. فالنمو والتطور لا يأتيان من خلال الجدال مع الآخرين، بل يأتيان من خلال الحصول على آراء ورؤى ووجهات نظر جديدة. فكل شخص لديه مجموعة فريدة من تجارب الحياة التي تدفعه للتفكير والإدراك بطريقة معينة، لذا لماذا لا تستفيد من ذلك؟ فتشجع على الحوار مع أولئك الذين لا تتفق معهم، ولو بكلمات بسيطة.
عندما تستمع لشخص آخر يشرح وجهة نظره، فذلك لا يعني أن عليك أن تتفق معه، ولا يعني أنك تقبل الهزيمة أمامه، بل يعني فقط أنك مستعد لاستماع رأيه، فقد يكون للطرف الآخر شيء يمكنك تعلمه منه، فعادة لا يختلف الناس معك فقط للمناقشة أو إثارة المشاكل، وبالطبع قد يحدث ذلك في بعض الأحيان، ولكن بشكل عام ليس هذا هو سبب اختلاف الآخرين، لذا لا تشعر بالحاجة للرد بشدة عندما تجد شخصا لديه رأي ومنظور مختلف عنك، وإليك بعض النصائح التي تساعدك في احترام وجهة نظر الآخر بسلاسة.
- يمكن أن تطرح على الشخص أسئلة، مثل: هذا ما يثير الاهتمام، ولكن لماذا تفكر بهذه الطريقة؟ كن مثالًا.
- يشجع الحوار الذي يتميز بالتحضر والاحترام، ويجب أن تكون مستعدًا لشرح أفكارك والاستماع إلى وجهات نظر الآخرين وشرح وجهة نظرهم بكل احترام.
- يجب استخدام الحقائق الموضوعية وليس العواطف أو الآراء الشخصية في الجدال مع أي شخص، وينبغي الحرص على التعبير عن الرأي بشكل هادئ.
- تذكر أنه عندما تختلف مع شخص ما حول موضوع ما، فأنت لا تحاول الدخول في معركة معه.
- يجب البحث عن حل وسط حتى لو لم تتفق مع الطرف الآخر، حيث من الممكن أن تجد أجزاء من الموضوع التي تتفق عليها، ويتم تحديدها لبناء علاقة حوارية مع الطرف الآخر، وبعد ذلك، تشرح بهدوء سبب عدم موافقتك على الجوانب الأخرى.
- يجب الاستماع للطرف الآخر بعناية، حيث يعتبر عدم الاستماع الجيد إلى ما يقوله مزعجًا، ويجب التركيز على جوهر الحديث الفعلي الذي يقدمه الطرف الآخر، وليس ملخصًا أو جزءًا من كلامه.
- كن مستعدًا للانسحاب إذا كان الشخص الآخر عدوانيًا وشعرت بأنك على وشك أن تصبح مثله، فالتصرف بطريقة عدوانية لن يجبر الشخص الآخر على الانصياع لرأيك، بل سيؤدي فقط إلى تصعيد الخلاف .
أشياء يجب تجنبها في الحوار
انتشرت عدم احترام الرأي الآخر في جميع الفئات وعلى مختلف المستويات، وتم استخدام جميع وسائل القدح والتنقيص والتحقير به، وأصبح بعض الأشخاص يستولون على أفكار الآخرين ويقمعونها في بعض الأحيان. وأمام هذا الوضع، نحن في حاجة ماسة إلى تنمية ثقافة احترام الرأي الآخر والاستماع إليه ومناقشته في أجواء يسود فيها الاحترام والهدوء وسعة الصدر، لأن هذه الثقافة هي الوحيدة التي يمكنها أن تفتح آفاقا جديدة للجميع في قبول واحترام الآراء الأخرى والاستفادة منها فيما لا يتعارض مع ديننا الإسلامي الحنيف. وبهذه الطريقة، ستكون المناقشات ذات فائدة وتحقق نتائج إيجابية، ولتحقيق ذلك يجب أخذ بعض الأمور في الاعتبار، ونذكر منها بعض الأمور
- لا ينبغي لشخص ما أن يخبر شخصًا آخر بطريقة تعسفية بأنه مخطئ لأن رأيه يختلف عن رأيه، فقد يكون الشخص الذي يتحدث بطريقة تعسفية هو الشخص `الخاطئ`، وبالتالي يمكن أن تكون `الحقيقة` موجودة بين الرأيين.
- لا تكن عدوانيًا مع الشخص الآخر، لأن هذا سيزيد الأمور سوءا، لا تكن منغلق الذهن، لأنك تخسر الكثير بعدم الدخول في حوار مثمر، حيث يمكن أن يكون لديك شيئًا تتعلمه، يمكن لأي شخص، بما في ذلك أولئك الذين تعتقد أنك لا تتفق معهم أن يعلمك شيئًا، لذا كن على استعداد للاستماع إلى آرائهم.
- لا ينبغي لك محاولة إجبار كل شخص تواجهه على الموافقة معك أو النظر إلى الأشياء من وجهة نظرك، لأنهذا يضيع الوقت والطاقة، عليك فقط تشجيع الحوار، وإذا لم يكن ذلك ممكناً، فعليك تجاهل الأمر.
- تعد الخلافات فرصة رائعة للتعاون وتطوير نفسك كشخص، وهناك الكثير من الطرق المثمرة لجعل الحوار يصب لصالحك، ابحث عن المجالات التي تتفق عليها من أجل بناء أرضية مشتركة، ثم اكتسب فهمًا إضافيًا للنقط التي تختلف فيها أنت والطرف الآخر، شجع الحوار ، لأن حقيقة عدم موافقتك في البداية لا تعني أنه يجب عليك الرد بالعنف و العدائية. بالتالي تجنب ذلك.
رسولنا الكريم و احترامه للرأي الأخر
قال تعالى:لقد كان في رسول الله أسوة حسنة لمن يرجو الله واليوم الآخر ويذكر الله كثيرا، صدق الله العظيم. رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم قد أعطانا أروع الأمثلة في احترام رأي الآخرين والتعامل برقي وتحضر، حتى لو كانوا من ديانات مختلفة أو كانت أخلاقهم وعاداتهم وتقاليدهم مختلفة عنه. عندما عاش مع اليهود في المدينة المنورة، عاش بسلام ولم يتمسك برأيه عندما تعارض مع رأي أحد المسلمين. وقد ألهمه الله بالحكمة والرؤية الصائبة والصبر. كان يأخذ المشورة من المسلمين والصحابة وينفذها طالما كانت في صالح المسلمين، وكان يحترم رأيهم ويشيد به. وقد وضع قاعدة أساسية في الحكم، وهي التشاور والحوار للوصول إلى الرأي السديد. ويحذر الرسول من الالتزام بالحوار الفارغ والتمسك بالرأي الذي لا جدوى منه، كما قال: “إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك نفسك.” رواه أبو داود.
و كان رسولنا الكريم ينهانا عن الاختلاف وذلك من خلال قوله: لا تختلفوا فإن الذين كانوا قبلكم اختلفوا وهلكوا.
بالتالي، يعلمنا رسولنا أهمية احترام آراء الآخرين والحوار معهم وفتح أذهاننا للثقافات المختلفة وعدم التعصب، والتعايش مع الآخرين وقبول تقاليدهم، طالما أنها لا تتعارض مع مبادئ ديننا. إن أخلاق الرسول الكريم تحتاج إلى العديد من المقالات لتشرحها بشكل صحيح، وإننا بحاجة ماسة لتطبيق تعاليم الإسلام واتباع نموذجنا النبوي في زماننا الحالي. عندما نشهد انحراف المناقشات عن المسار المناسب وتحول الاختلاف إلى صراع وعدم احترام وقبول آراء الآخرين، تنشأ العديد من المشاكل والأزمات والحروب، وربما كان غياب هذه الثقافة هو السبب الرئيسي وراء اندلاع بعض الثورات العربية والعالمية الأخرى.
احترام الرأي الأخر لدى الصحابة الكرام
آمن الصحابة رضي الله عنهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعاشوا معه في زمن الوحي، ومع ذلك اختلفوا في فهم بعض الأمور، ولكن اختلافهم لم يؤثر على صلابة الود ولم يؤثر على محبتهم وعلاقتهم الجيدة، فقد كان الصحابة يذهبون مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغزوات، وكان بينهم من يصوم ومن لا يصوم، ولكن لم ينتقد أي منهم الآخر، وهذا يشير إلى احترام الصحابة لآراء بعضهم البعض، حتى لو كانت مخالفة، وكان هناك اختلاف في قراءة القرآن، والدليل على ذلك ما رواه جندب بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “اقرؤوا القرآن ما اختلفت قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه.
بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، حدث خلاف بين المهاجرين والأنصار حول خلافته وسلطات الخليفة الجديد، وخلاف بشأن قتال من يمنعون الزكاة وقراءة البسملة. ومع توسع الخلافات في عهد الصحابة بعد انقطاع الوحي، وقوع الأحداث الكثيرة، لم يصل الخلاف بينهم إلى التطاول والتجريح، بل كانوا إخوة متحابين متعاونين، يتقبلون الاختلاف ويتجنبون الألفاظ الجارحة، ويستمع كل منهم للآخر. ومن أمثلة ذلك الخلاف بين أبي بكر وعمر، وما حدث بين عمر وعبد الله بن مسعود، حيث لم تؤدي الاختلافات إلى البغض بينهم، بل زادت المودة والتقدير والاحترام المتبادل بينهم، بسبب وحدة القلوب والأهداف. ويجب على المسلمين في العصر الحاضر أن يتحلى بمثل تلك الأخلاق الكريمة التي كانت للصحابة الكرام
يجب أن يكون هناك اختلاف في الآراء فقط وليس في القلوب، وهذا أمر مؤسف. إن ثقافة احترام الآخر تنمو مع الفرد، ولكي تنمو، تحتاج إلى من يروج لها داخل الأسرة والمدرسة والمجتمع، وحتى وسائل الإعلام لها دور كبير في تعزيز ثقافة احترام وجهات النظر المختلفة. يجب علينا أن نغرس في عقول أبنائنا أن الاختلاف يؤدي إلى التكامل والتطور فقط، وليس إلى الخلافات وتبادل الألفاظ النابية. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر احترام وجهة نظر الآخر فرصة لاكتساب الخبرة وتوسيع الأفق العقلي. على سبيل المثال، قد نختلف في الاتجاهات السياسية من أجل بناء الوطن وليس لتدميره.