اثر الحضارة الاسلامية على اوروبا
تعتبر علوم العرب وأثارهم وأدابهم أساس يقظة أوروبا، حيث انتشرت الحضارة العربية من الأندلس وصقلية إلى أوروبا، ونتيجة لحركة الاتصال بين صقلية وأسبانيا باللغة العربية، ازدهرت حركة الترجمة. ومنذ القرن الحادي عشر، انتشرت أفكار هذين البلدين في أوروبا، مما دفع رجال العلم في طليطلة إلى تعلم اللغة العربية ودراسة العلوم العربية.
البحث العلمي عند العلماء المسلمين
استخدم المسلمون العرب المنهج العلمي في بحوثهم، حيث يرون أن العلم هو اعتقاد الشيء كما هو محسوس بالحواس، وإن كان منطقيا، حيث يعتبر العقل والحواس هما أساس العلوم التي تنطلق منه، وتم تصنيف الفيلسوف العربي جابر بن حيان باعتباره أول عالم في الكيمياء، ويعتبر ابن البيطار من بين العلماء العرب المؤثرين في الحضارة الأوروبية، حيث كتب كتاب “الجامع لمفردات الأدوية والأغذية” وترجم إلى العديد من اللغات، منها اللاتينية والألمانية والفرنسية، واعتمد عليه العلماء الغربيون في الكثير من أبحاثهم. كما أن هناك ابن العوام صاحب كتاب “الفلاحة” الذي نشر في عام 1802 وترجم في أوروبا، وكذلك ثابت بن قرة الذي قام العالم الإيطالي جيرولامو كاردان بتبني طريقته المميزة في حل المعادلات التكعيبية من الدرجة الثالثة.
انتقال صناعة الورق من الشرق إلى الغرب
– يعرف العرب صناعة الورق في الأندلس، ثم انتقلت إلى ألمانيا وإيطاليا في القرن الرابع عشر، وظهرت فيما بعد في بريطانيا وفرنسا، وتعلم الأوروبيون صناعة الزجاج والسكر والورق من المسلمين في إسبانيا ونقلوها إلى بلادهم.
– ويقول سيد أمير علي: تعتبر الكنوز الأدبية العربية المسلمة، والتي تمثل نتاج نبوغهم العلمي واختراعاتهم الثمينة، دليلا على نشاطهم الفكري، وتؤيد الرأي القائل بأن العرب هم أساتذة أوروبا في كل شيء، أو أنهم قد زودوها بمواد ذات قيمة جليلة في تاريخ العصور الوسطى، وتركوا فنا معماريا آسرا في الجمال والروعة، واكتشافات هامة في الفنون والصناعات.
– ويعد الحسن بن الهيثم إحدى العلماء العرب المؤثرين في أوروبا بشدة، حيث كان مستقل التفكير، ويعتمد في أسلوبه العلمي على التجربة والمشاهدة حيث تتفق النتائج الخاصة بهذه التجارب مع الواقع الملموس للإختبار والمشاهدة، ويرى أن أساس العلم هو الشك حتى يتحول إلى اليقين عن طريق التجربة، وقد وصل في كتابه “المناظر” إلى بحوث دقيقة في تشريح العين والضوء، وكيف تتكون الصور على شبكية العين، واستفاد من هذه الأبحاث كبار العلماء في أوروبا، مثل كبلر وروجر بيكون الذين نسبوا هذه الأبحاث لنفسهم.
تطور العلم عند العرب المسلمين
من حب العرب للعلم، تحفزوا على تطوير مختلف فروع المعرفة لبحث الحقيقة فقط. وقد أرسلوا الأدب والفنون إلى أوروبا بفضل جهودهم، وتأثر الفكر الأوروبي بشكل كبير بالعلوم الإسلامية، خاصة بعد انتقال التعليم من الأديرة إلى الجامعات. انتشرت العلوم الإسلامية بشكل واسع في أوروبا وأثرت في الفكر الأوروبي. قام الإدريسي بصنع نموذج كروي فضي يصور العالم بكل تفاصيله من الجبال والبحار والسهول والمدن والممالك والأنهار والبحيرات. حقق العرب تقدما كبيرا في المجال الطبي في الفترة من القرن الثامن حتى القرن الخامس عشر الميلادي، واكتسبوا معرفة شاملة في جميع المجالات. تمت طباعة شرح الجزء التاسع من الرازي في أوروبا، حيث قام فيبراري دي غرادو بترجمته وتم نشر كتاب القانون لابن سينا في عام ١٤٧٥ م، وتمت طباعته ١٦ مرة حتى عام ١٥٠٠ م.
يتميز أسلوب جابر بن حيان في مجال البحث العلمي بوضع الفروض أولا ثم إجراء التجارب ومن ثم تحليل النتائج التي يمكن قبولها أو رفضها، وعندما تتفق النتائج مع الظاهرة تؤدي ذلك إلى وضع قانون علمي، ويطلق على هذه الطريقة مصطلح الاستقراء أو الاستنباط من قبل رجال المنطق.
– وتم ترجمة العديد من الكتب العربية الأصل مما أثر على الأداب العالمية مثل: ألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، ورسالة الغفران للمعري التي اعتمد عليها دانتي (1265- 1320م) في كتابه الكوميديا الإلهية واعتمد بوكاشيو الإيطالي (1313- 1375م) على كتاب ألف ليلة وليلة في كتابة الديكاميرون، واعتمد ترفنتس الأسباني (1547- 1616م) الذي عاش جزء من حياته في الجزائر على وثائق عربية في كتابه (دون كيشوت) المليء بالعبارات والأمثال العربية، بينما تأثر شكسبير في روايته روميو وجولييت بحكايات الشرق.
تأثر أوروبا بالدراسات العربية والإسلامية
الأوروبيون استفادوا من العمارة الإسلامية واستوحوا منها في بناء الجامعات في إنجلترا، وتأثرت فرنسا بالفن العربي المعماري، واكتشف العرب أمريكا قبل كولومبوس بقرون عديدة حيث عثر على نقود أندلسية على شواطئ أمريكا، فالحضارة الإسلامية العربية ساهمت بشكل كبير في تقدم أوروبا.
– وتأثرت الدراسات الأوروبية بالدراسات العربية بشكل كبير في مجال الطب، فيعتبر كتاب الحاوي للرازي هو المرجع الوحيد المعترف به في الجامعات الأوروبية، وحفظ العرب التراث اليوناني والروماني بينما تخلى عنه الأوروبيون، واعترف العرب بكروية الأرض قبل الأوروبيين بفترة بعيدة، وأعادوا إحياء الفلسفة اليونانية، ولعب جابر بن حيان دورا كبيرا في نشأة علم الكيمياء، حيث قام الأوروبيون بترجمة كتب الكيمياء العربية إلى اللاتينية، وكان جابر بن حيان المنظم للعديد من أساليب التحليل والبحث وقام بتجميع العديد من المواد الكيميائية، وتعتبر بحوثه هي المراجع الأولى في أوروبا حتى القرن الثامن عشر.