مال واعمال

أول بلد استخدم عبارة “صنع في”

الثورة الصناعية في أوروبا

شهدت أوروبا الغربية خلال القرن الثامن عشر تقدما علميا شاملا أدى إلى اختراعات واكتشافات هامة، والتي ساهمت في المجمل في حدوث الثورة الصناعية خلال القرن التاسع عشر. وكان لهذه الثورة الرائدة تأثير كبير على جوانب الحياة جميعها سواء في أوروبا أو خارجها.

قصة صنع في

في الفترة الممتدة بين أواخر القرن الثامن عشر وأواخر القرن التاسع عشر، لم يتم تضمين اسم البلد المنتج في تفاصيل البضائع والمنتجات. كانت البضائع تنتقل بين البلدان عن طريق التجار، وكانوا فقط هم من يعرفون أسماء البلدان المنتجة لبضائعهم. في تلك الفترة، بدأت الدول الأوروبية تتبع نهج بريطانيا في الثورة الصناعية، وكانت ألمانيا تشهد ازدهارا كبيرا في صناعتها، وبدأت منتجاتها تغزو بريطانيا وتحظى بشعبية كبيرة بين البريطانيين بسبب جودتها العالية وأسعارها المنخفضة.

في البداية كانت المنتجات بسيطة مثل بعض أنواع السكاكين والمقصات وبعدها تطورت إلى منتجات أكثر تعقيداً, ومع مرور الوقت بدأت المنتجات الألمانية تطغى على الأذواق البريطانية فتنال إعجابها أكثر وأكثر. وأصبحت هذه المنتجات الألمانية تؤثر على الاقتصاد البريطاني مما دفع المسؤولين البريطانيين إلى التفكير في حلّ يضع حدّاً لهذه المنتجات الألمانية. وبعد تفكير وبحث طويلين عن الحل السحري لهذه المعضلة الاقتصادية , جاءت فكرة ” صُنِعَ في” , التي حسبها البريطانيون نافعة , فقرروا في 23 أغسطس من عام 1887م طباعة عبارة “صُنِعَ في ألمانيا” على المنتجات الألمانية التي كانت تدخل بريطانيا وكان الهدف أن يعرف البريطانيون أنّ هذه المنتجات ليست بريطانية فيمتنعوا عن شرائها كونها لا تصل لجودة المنتجات البريطانية. وهنا كانت المفاجأة الكبرى فازداد الطلب على المنتجات الألمانية في بريطانيا حتى وصل حدّاً غير مسبوق. وبذلك أصبح عبارة “صُنِعَ في ألمانيا” علامة على الجودة العالية والثمن المنافس.

وبعد ذلك بدأ بقية الدول تستعمل عبارة ” صُنِعَ في” على منتجاتها لتميزها عن غيرها من المنتجات. وكان لهذه العبارة تأثير بالغ في قرار الشراء لدى الزبائن , فبعض المنتجات لا يتردد الزبون بشرائها فقط لأنها مصنوعة في دولة ما وبعضها الآخر لا يفكر أبدا في شرائها كونها مصنوعة في بلد آخر.

الصناعة في بريطانيا

خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كان لبريطانيا السبق والريادة في تحقيق النهضة الصناعية وتمثّل ذلك من خلال اختراعات جديدة غيّرت معالم الحياة في وقتها. وكانت الآلة البخارية من أهم الاختراعات التي أثرت وبشكل جليّ وقويّ على مكننة الصناعة بشكل كبير , مما أدى إلى ازدياد قوّة بريطانيا الاقتصاديّة وتوسّع تجارتها في مستعمراتها المترامية الأطراف.

صنع في ألمانيا

تسببت الحرب في انخفاض العمالة الصناعية في ألمانيا الغربية، لكن صناعة ألمانيا الغربية استفادت من رغبة البنوك في الاستثمار في تطوير صناعتها. تحتل الصناعات الألمانية مكانة عالمية بارزة وهي مطلوبة بشكل كبير في الأسواق العالمية، حيث تعد ألمانيا واحدة من أكبر منتجي الصلب في العالم، كما تضم الصناعات الكبيرة الأخرى مثل الهندسة والسيارات والإلكترونيات والكيماويات.

ظلت ألمانيا واحدة من مصنعي المعدات الكهربائية منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. وساعد اكتشاف الأصباغ الصناعية في نهاية القرن التاسع عشر على جعل ألمانيا واحدة من الدول الرائدة في إنتاج المواد الكيميائية، وتتركز معظم الصناعات الكيميائية في غرب ألمانيا على طول نهر الراين والمصانع ما زالت نشطة. كما كانت صناعة البصريات والنسيج مهمة، ولكن تم إغلاق العديد من مصانع المنسوجات في ألمانيا الشرقية بعد التقسيم الألماني، حيث انخفض التوظيف في هذا القطاع بنحو تسعة أعشار. وعلى الرغم من تأخر الثورة الصناعية في وصولها إلى ألمانيا، إلا أنها غيرت الاقتصاد بسرعة مذهلة بمجرد وقوعها.

أكبر الصناعات الألمانية

وفي هذه الأيام تعتبر صناعة الهندسة والسيارات والملاحة الجوية واحدة من أكبر الصناعات الألمانية ، حيث يوفر هذا القطاع العمل لأكثر من 6419 موظفًا. في عام 2015 ، وصلت الأرباح في هذا القطاع إلى ما يقرب من 267 مليار دولار ، وفي هذا الصدد ، تم الاعتراف بألمانيا كرائدة في قطاع تصنيع السيارات الأوروبي.

يتعرف الكثيرون في جميع أنحاء العالم على الطبيعة المبتكرة والدقيقة لمصنعي وموردي السيارات الألمان، ويقدرون منتجاتهم الرائعة مثل BMW وDaimler-Benz وVolkswagen للتصميم الممتاز والابتكار والسلامة والأناقة. على مدار 133 عاما الماضية، قامت ألمانيا بتطوير أبحاث عالية الجودة واستثمرت في القوى العاملة المؤهلة والبنية التحتية المسؤولة عن صناعة السيارات الفريدة.

فيما يخص الصناعات الكيميائية، تمتلك ألمانيا بنية تحتية متطورة لتطوير وتحسين المواد الكيميائية، وينتج نظام التعليم في البلاد خريجين مؤهلين وجاهزين للعمل، مما يوفر بيئة مواتية وجاذبة للاستثمار في مجال الصناعات الكيميائية. وفي عام 2016، كانت ألمانيا ثالث أكبر دولة من حيث الشركات الكيميائية بعد الصين والولايات المتحدة بقيمة 168 مليار دولار.

فيما يتعلق بصناعة المعدات الطبية والمستحضرات الصيدلانية، تعد هذه الصناعة في ألمانيا أهم صادراتها وتقدم للبلاد سنويا مليارات الدولارات. وتشمل هذه المنتجات: الإمدادات الطبية ومعدات الإنقاذ ومعدات المستشفيات الأخرى.

كما تتميز ألمانيا بالقيادة في إنتاج الطاقة الخضراء والتكنولوجيا البيئية. بالإضافة إلى ذلك ، يتم تحويل الطاقة التقليدية باستمرار إلى طاقة متجددة. وبحلول عام 2050 ، تهدف ألمانيا إلى تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 80٪ وزيادة استخدام الطاقة المتجددة بنسبة 60٪. كما تستثمر الدولة في الرياح البحرية والطاقة الشمسية والطاقة الحيوية والطاقة الضوئية الشمسية وشبكات الطاقة ومشاريع تخزين الطاقة. كما تمتلك ألمانيا حاليا أكبر سعة لتوليد الكهرباء في أوروبا ، تبلغ حوالي 200 جيجاواط. موقع ألمانيا المركزي في أوروبا يجعلها مكانا مثاليا لتجميع طاقة الرياح على البر والبحر ، وبالتالي توفر فرصا كبيرة لشركات طاقة الرياح في جميع أنحاء العالم. بلغ إجمالي طاقة الرياح في عام 2016 حوالي 45 جيجاواط. تلعب الطاقة الشمسية أيضا دورا مهما في توفير الطاقة المستدامة. تدعم الطاقة الشمسية في ألمانيا إنتاج الكهرباء والتدفئة. توفر الدولة الحوافز والبنية التحتية وبيئة جيدة للاستثمار في الخلايا الكهروضوئية وتخزين الطاقة. في عام 2014 ، استثمرت ألمانيا 2.3 مليار يورو في المعدات الكهروضوئية الجديدة. كما تستثمر ألمانيا بشكل كبير في السيارات الكهربائية وبنية التحتية للشحن ضمن قطاع الطاقة المتجددة.

أكبر صناعة إلكترونية في العالم

تمتلك ألمانيا صناعة إلكترونية كبيرة وهي الخامسة في العالم من حيث الحجم السوقي السنوي الذي يبلغ حوالي 142.7 مليار دولار. تشمل هذه الصناعة مجموعة واسعة من المنتجات مثل الأجهزة المنزلية ومنتجات تكنولوجيا النانو والإضاءة التجارية وأنظمة الأتمتة والتركيبات الأخرى. وتوظف هذه الصناعة 29% من جميع موظفي البحث والتطوير في ألمانيا، وتمتلك أكثر من 12000 براءة اختراع جديدة سنويا. كما تمتلك ألمانيا أكبر سوق لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أوروبا، ويستمر الشباب الألماني، وخاصة الخريجون الجدد، في قيادة هذه الصناعة وتقديم حلول مبتكرة لدعم الدولة وتحسين الخدمات المقدمة.

وهكذا نرى اليوم كيف أصبحت عبارة `صنع في ألمانيا`، منذ ولادتها، دليلا على الجودة العالية والأداء المتميز بعد أن وضعتها البريطانيون للتقليل من أهمية الصناعات الألمانية، وذلك لأكثر من 130 عاما من الإرادة الفولاذية لتحقيق التميز والفخامة الألمانية العريقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى