أنواع الصور الفنية في اللغة العربية
مفهوم الصورة الفنية في اللغة العربية
وصف ابن منظور الصورة الفنية في اللغة، حيث قال إنها تأتي بصورة مفردة على لسان العرب، لتعبر عن حقيقة المعنى وهيئته وصفاته، ومنها يستخدم الأمر لصفة الأمر وهكذا .
تصور الأمر بهذه الطريقة، أي وصف الشيء أو الفعل بطريقة تفصيلية للهيئة والصفة، هي الصورة الجمالية في اللغة العربية .
بالنسبة لتعريف الصورة الفنية، يمكننا اعتبارها ابنة الخيال، حيث تعبر عن المشاعر والانفعالات بشكل محسوس للمتلقي، وتعتبر أداةً شعريةً تعزز أسلوب الشاعر وطريقته المبتكرة في الوصف .
وأوضح الدكتور منير سلطان أن الصورة الفنية هي الطريقة التي يتم بها تسجيل وضع الموضوع، سواء كانت لظاهرة طبيعية أو كائن حي .
إذا تحدثنا عن مدلول اللفظ والصورة الفنية المستخرجة من القرآن، فسنجد أن النصوص القرآنية تظهر اللفظ في صيغ اشتقاقية، ولذلك فإن توظيف اللفظ، سواء كان بالجمع أو الأفراد، لا يخرج عن الدلالة الأساسية للمعنى .
أنماط الصورة الفنية بالامثلة
الصورة الفنية تتسم بتدرجها بين السهولة والتعقيد. في بعض الأحيان نراها بشكل بسيط لا يتعدى فكرة التشابه أو الإشارة .
يمكن رؤيتها في مواضع أخرى معقدة للغاية، حيث تحتوي على العديد من الرموز والاستعارات التي تحاول إظهار الأمور المتناقضة والمتباعدة. وتأتي بأشكال جمالية متنوعة ومتفاوتة لتضفي رؤية فنية ومتعة على نص القصيدة .
سنتعرف من خلال ديوان “طيف أميرة” للشاعر سامي أبو بدر على أنماط الصور الفنية التي استخدمها الشعر في ديوانه، فالديوان يحتوي على العديد من الأنماط، مثل الصور الوصفية والصور المشهدية والصور الاستعارية .
الصور الوصفية
ديوان “طيف أميرة” يأتي بصور وصفية متنوعة، سواء كانت ثابتة أو متحركة، ليثبت لنا أن الصور الوصفية ليست ثابتة في تصوير الأحاسيس والمشاعر، بل تتجاوز العناصر الحوارية وتعطي النص بنية درامية .
من بين الصور الفنية التي استخدمها أبو بدر لوصف حالته الحزينة بعد فراقه لوطنه، وكيف دمج الحركة مع وجعه لفراق وطنه، قال:
الشعر ليلى والهوى..
وطنٌ مختطَفٌ بالأحزان، وأنا الذي يحاصَرني الحزنُ على حدودِه
ودمعي اليوم يفضح حاليه
من سوف يؤنس وحشتي؟
فالأرض قاحلة، ونهري غاضب
والأمنيات تناثرت
في أول الليل الكئيب
الصور المشهدية
تعتمد الصور الوصفية على وصف حالة معينة في وقت معين أو حدث خاص في فترة محددة، وتعتمد في الأساس على الزمان والمكان والحوار والحركة والانفعالات الشخصية في هذا الوقت المحدد .
تختلف الصورة الوصفية عن الصورة المشهدية فيما يتعلق بالزمان والمكان، حيث تكون الزمان والمكان في الصورة الوصفية عناصر تجريدية فقط ولا تعبر عن أي شيء آخر، بينما ترتبط الصورة المشهدية بالزمان والمكان الذي تمثله .
يمكن تصنيف الصور المشهدية حسب العنصر الموجود فيها، وذلك لأن الشاعر يستخدم المشاهد الحوارية باستخدام التفصيل والحكاية، كما في قول الشاعر أبو بدر
قلبي تعانقه الجراح
فيصطلي من نارها شوقًا
يؤرق مهجتي
ويزف لي بشرى بأني هالك !
فصرخت ياااااا ليلي
أغيثيني بربك
من عذابات الجوي
إني أحبك فاعلمي
صاغ الشاعر أبو بدر حوارًا بينه وبين قلبه وبين حبيبته ليلى، حيث بدأ قصيدته بالضمير “لي” للتخصيص والتلطيف بينهما، واستخدم كلمات مثل “يزف – صرخت – أغيثيني” لتشكيل حوار درامي وظهور صورة مشهدية
الصورة الاستعارية
جعل الجرجاني التشبيه كأساس للاستعارة حيث عرف الاستعارة على أنها : تُعد الاستعارة من أساليب التشبيه، حيث تُعتبر صورة من صور التشبيه وفقًا للجرجاني، وتعد فرعًا من فروع التشبيه .
تم انعكاس هذا التعريف على النقد الحديث، حيث كانت البلاغة في الماضي تعرف الاستعارة على أنها تشبيه ضمني، لكن البلاغة الحديثة تعتبر التشبيه مجرد استعارة واضحة ومنقوصة .
تعمل الاستعارة على نقل الإحساس بدرجة أعلى، وتفوق التشبيه من حيث القيمة الفنية، حيث يمكن للأستعارة الإشارة إلى عناصر أخرى خارجة عن سياق القصيدة، ومن ذلك يمكن القول إن الاستعارة لها قدرة أكبر على الإيحاء، ونرى ذلك في قول الشاعر
أنا والليل
فوق حطامنا نمضي
نفتش عن السلوى تهدهدنا
وتمسح دمعة ذرفت
أهمية الصورة الفنية
نتحدث أولا عن العلاقة بين الصور البلاغية والمعنى، حيث يتم القول بأن المعاني تأتي أولا ثم تأتي الألفاظ والصور، ويعتبر الجرجاني أن الألفاظ خادمة للمعاني وأنها تسير في سياسة الوصف .
تأتي المعاني أولاً وتترتب في الذهن، ثم تأتي الألفاظ. وإذا تم ترتيب المعاني بطريقة صحيحة، فإن الألفاظ ستخرج بصورة جميلة .
ومن هذا المنطلق، صدر رأي الفخر الرازي بأن اللغة لا تعكس الأشياء الخارجية بقدر ما تعكس الأفكار والصور الذهنية التي نحملها في دواخلنا، وأن الألفاظ لا تأتي للدلالة على الأشياء الخارجية، بل تأتي للدلالة على الصور الذهنية .
الاختلاف في الصور الذهنية لا يدل سوى على أن اللفظ ليس له دلالة إلا على هذه المعاني والتصورات الذهنية، وهذا يظهر مدى براعة الشاعر في تحويل المعاني إلى ألفاظ وتشكيلها وإخراجها بصورة جمالية .
تكمن أهمية الصورة الشعرية في الطريقة التي يتم بها كتابة القصيدة، حيث لا يقوم الشاعر بصياغة صورة لفظية فحسب، بل يسعى إلى خلق صورة ذهنية للمتلقي، لتحفيزه على الاستجابة الحسية للقصيدة .
لن يستمتع المستمع بالمعنى إذا قام الشاعر بإزالته من الصورة الحسية والشعرية، فالتعبير المجرد لن يثير فضول المستقبل، بينما عندما يروي الشاعر قصائده بأسلوب تمثيلي ويخلق صورًا حسية، يمكن للمستمعين الاستمتاع بشكل أفضل .
إذا تم التعبير عن الأشياء بطريقة مباشرة وباستخدام ألفاظ واضحة، فإن ذلك يعكس المعنى بشكل حقيقي ويمنح المتلقي فهمًا كاملاً للشيء، ولكن هذا لا يسمح بالتعامل مع المشاعر والأحاسيس في ذلك الوقت .
عند التعبير عن تلك المعاني بواسطة أساليب خارجية وصور حسية، يكون وقت التعبير ممتعاً مشابهاللدغدغة النفسية، وذلك بالمقارنة مع استخدام الألفاظ الحقيقية في التعبير عن المعنى .
الصورة الفنية هي الأساس في النص الشعري والفن الذي يميز القصيدة، حيث تساعد على فهم الواقع وتمثيل أفكارنا
مشاعرنا الداخلية ترتبط بالأحاسيس الإنسانية التي تنبع من تجارب متعددة، مما يساهم في خلق نسيج شعري رائع. ومن بين الأقوال الشهيرة في هذا الصدد، يقول أرسطو: `من أعظم الأشياء أن تكون قادرًا على الاستعارة، فهذا ما لا يمكن لكاتبين أن يتشاركا فيه` .
وقد قيلت عبارة كثيره تحمل في طياتها الغموض الشديد تخت مسمي الصورة الفنية ، وقد تحدث الكثير من الكتاب والنقاد عن الصور الفنية، فقد جاء على لسان مالارميه ” أن الصورة الفنية هي القوة المطلقة للكاتب ” ، وقال بروست ” أن الصورة الفنية هي وحدها من تستطيع إعطاء نصاً ما الخلود الدائم ” .