نظريات الفلاسفة حول مسألة النوم
ما تقرأه الآن هو نتيجة إلى حد ما لحدث سعيد، وقد حدث بعد مناقشة لمسألة هامة، وهي إذا كان العالم يستحق أن يكون خاليا من الألم أكثر، أم أن الألم يخدم أغراضا إيجابية أكثر من احتياجاتنا البيولوجية التي تدفعنا للتخلص من الأشياء الضارة، وذلك يتضمن كتابا رائعا بعنوان `فلسفة المعيشة… تأملات في الحياة والأخلاق`، ويحتوي على فصل مثير يدعى `الحاجة إلى النوم`، حيث يلاحظ أن الفلاسفة لم يولوا اهتماما كافيا لهذه الظاهرة الاستثنائية .
ملاحظات حول فلسفة النوم
النوم هو شيئ استثنائي إلى حد ما، فإذا قلت لك مثلا أنني أصبت بمرض عصبي، والذي يعني أني أفقد السيطرة على الوعي لمدة 8 ساعات أو أكثر في اليوم أقوم فيه بتوديع العالم الخارجي، وكنت خاضعا فيه للهلوسة المعقدة والأوهام، وإذا زعمت أن الحالة معدية كذلك، فإنك ستتمنى لي الحظ بالتأكيد في التعامل مع مثل هذا المرض الرهيب، وستتمنى أن أودع هذا المرض سريعا .
بالطبع النوم ليس مرضا على الإطلاق، ولكنه الحياة اليومية الليلية بالنسبة لنا جميعا، فالحقيقة أننا نتقبل بدون شك حاجتنا إلى فقدان الوعي لجزء من اليوم، ولا نرى كيف أن حالة النوم غريبة لأننا جميعا ننام، وبالتالي فإن من يعانون من متلازمة الأرق المزمن هم أناس بالطبع يستحقون تعاطفنا .
منذ أن بدأنا نعي أن كل الحيوانات بحاجة إلى النوم، ونحن نفترض وجود غرض بيولوجي لذلك، إلا أننا لا نعرف تحديدا ما هو هذا الغرض، فهناك العديد من النظريات حول ذلك مثل : التجديد والحفاظ على الطاقة، تعزيز النمو، خطورة أن تكون في الخارج في الظلام، تقوية الذكريات، ولكنها جميعا احتمالات واسعة للغاية، إلا أن أحد الباحثين البارزين في القرن الماضي، وهو المكتشف المشارك لحركة نوم العين السريعة ” وليام ديمنت “، قال أن السبب الوحيد الذي يجعلنا بحاجة للنوم هو في الحقيقة أننا نشعر بالنعاس .
الفلاسفة النائمون
من السهل أن نرى لماذا الفلاسفة لذلك تتجنب الحديث عن النوم، ويعتبروه كعدو لهم، كون الفلسفة تحتاج لمزيد من اليقظة، حيث كان رهاب الفلاسفة الأجانب من هذه الظاهرة موضوع لافت في الفكر الوجودي، حيث قال نيتشة في إحدى المناسبات التي كانت تهدف إلى العيش على أربع ساعات فقط من النوم في الليلة لمدة أسبوعين : ” السعداء هم النائمون “، لذا كان يسعى في كثير من الأحيان إلى عدم النوم، والنوم ليس فقط تذكيرا بالعجز في نهاية المطاف، أو حتى شيء مقيد في حياتنا، وإنما هو أيضا بمثابة شيء معدي، كما لو كان الحديث عنه قد يحفز عليه، تماما مثل موضوع التثاؤب، والتي ستجعل 50 % من الأشخاص في نفس المكان يفعلوا نفس الشيء .
وبسبب هذا، عمل الفيزيائيون بجهود متعبة لتوضيح طبيعة هذه المسألة وما يوجد حقا في منطقة النوم والوعي ومعاني الوعي، ولكن الفلاسفة يخشون نوعا معينا من النوم الذي يحدث نتيجة أعمالهم الخاصة. ولهذا، بالنسبة لديكارت، عدم التفكير يعني عدم الوجود، وكان النوم العميق صعبا بالنسبة له. ولكن في النهاية، وجد ديكارت أن العقل لا يتوقف أبدا عن التفكير، حتى في أعمق حالات النوم .
ومع ذلك، فإن لدى جون لوك أفكارًا مختلفة عن ذلك، حيث يشير إلى أننا لا نفكر عندما نكون نائمين، وهذه هي الاختلافات بين الفلاسفة في هذه المسألة، حيث انقسموا بين فكرة ديكارت وجون لوك، وبينهم من يقف في وسط هذه المناقشة، حيث يرون أننا نفكر أثناء النوم من خلال الأحلام، ولكن أفكارنا غير واعية .
مسألة الأحلام
الأحلام بطبيعة الحال قد برزت بشكل أكثر أهمية في الفلسفة، كونها وسيلة للوعي، مما دفع أرسطو إلى القول بأن ” الروح يتأكد وجودها أثناء النوم عن طريق الأحلام “، فالأحلام بمثابة الخطوة الأخيرة للخروج من النوم، بل والأكثر من ذلك، حيث أنها تضع علامة استفهام مثيرة فلسفيا، حول ثقتنا في طبيعة العالم، فالأحلام قد تكون حقيقية بشكل مقنع، كحقيقة أنك تقرأ الآن، حيث لا توجد مؤشرات معينة كما أشار ديكارت في تأملاته، يمكن أن تميز بوضوح اليقظة من النوم، وعليه فإننا لا ينبغي أن نبحث عن مجرد مؤشرات، لأننا لا نعتمد على هذه الأنواع من الأشياء لمعرفة ما إذا كنا مستيقظين أم لا .
اقترح الشاعر والفيلسوف الفرنسي الكبير بول فاليري أن الأحلام قد تكون محاولة لفهم تحولات الجسم من النوم إلى اليقظة، ولم يكن فاليري مقتنعًا بفكرة أن الأحلام يمكن أن تكون نبوية أو أن العقل يتدحرج في دوائر معينة في الوقت المناسب لنرى مستقبل العالم أو إرادة الله .