من هي أم بجير بن الحارث بن عباد
قصة حرب البسوس
اشتهر العرب في أيام الجاهلية بأشعارهم والتي كانت في كثير من الأوقات توثق قصصهم وأيامهم وحروبهم، فلم يكن هناك تاريخ مكتوب في فترة الجاهلية لكن ما وصل إلينا من أخبار كان قد عرف من الحكايات التي يرويها ويتناقلها الناس عن تاريخهم من جيل لجيل وأيضًا من الأشعار التي اتسمت بدقة وبلاغة الوصف، فكانت الأشعار تروي لنا أخبار العرب كأننا نراها تمامًا، لكن هناك بسبب عدم تدوين معظم تلك الأحداث في كتب وحتى ما عثر عليه من نصوص مدونة للعرب في الجاهلية كانت تروي أحداث شخصية وليست أحداث عامة، لذلك فإن بعض القصص تروى بعدة طرق أو نجد اختلافات في تفاصيلها، وكان من القصص التي ورد إلينا العلم الأكبر منها من أيام الجاهلية، هي قصص أيام العرب وهو الاسم الذي أطلق على الحروب التي دارت رحاها بين القبائل العربية قبل الإسلام.
بالنسبة لأنساب العرب، فليس هناك اختلاف كبير فيها. العرب يعرفون أنسابهم حتى قبل عصر سيدنا إسماعيل عليه السلام. وكانت قبيلة بكر وقبيلة تغلب من أشهر القبائل العربية. كلاهما أبناء عمومة وينتميان إلى وائل بن قاسط، ويعود نسبهما إلى عدنان. وعلى الرغم من ذلك، قامت القبيلتان بحرب استمرت لمدة 40 عاما في العديد من المعارك المعروفة باسم حرب البسوس. اشتهرت القبائل العدنانية بأنها أقوام خشنة وشديدة المراس. وسبب تلك الحرب كانت ناقة تعود لامرأة من بني بكر تدعى البسوس. واعتبرت كلمة البسوس رمزا للشؤم بين العرب، حيث يقولون: `أشأم من البسوس`. وكان للإبل أهمية كبيرة بين العرب، فهي تعتبر مصدرا للثروة والمال. كانوا يتعاملون بها في تجارتهم وأسواقهم، وكانت تستخدم أيضا في دفع الديات والمهور. لذا، كان العرب يكرمونها أيضا.
وكان كليب بن ربيعة شخص قوي اختارته قبائل معد ليكون رئيسًا عليها وأسموه الملك، وضربت به الأمثال في القوة والشجاعة، لكنه بغى على قومه فكان يمنع من يشاء أن يرعى في حماه أو يشرب الماء من الآبار التي تقع تحت حمايته إلا بإذنه، ويقال أن جساس بن مرة والذي كان من أبناء بكر كان يشعر بالمهانة مما يفعله كليب مع قومه.
في يوم ما، كان لدى خال جساس بن مرة ناقة تدعى سراب، وحدث أن ضيفته البسوس قدمت إلى أراضيهم وتركت ناقتها ترعى. دخلت البسوس إلى أراض تحت حماية كليب بن ربيعة، الذي كان يمنع الرعي فيها باستثناء إبله. حذر كليب جساس بأنه إذا تركتها تدخل منطقته مرة أخرى، فسيطعن سهمه في ضرعها. وهذا بالفعل ما حدث. بكت وندبت البسوس ورفضت قبول الدية لناقتها. في الوقت نفسه، منع كليب بني بكر من سقي ماء الآبار التي تقع في منطقته، وكادوا أن يموتوا من العطش.
ذهب جساس إلى كليب وقتله، وكان لكليب أخ يدعى عدي بن ربيعة واشتهر باسم المهلل لأنه هلل الشعر، واشتهر أيضا باسم الزير سالم لأنه كان منغمسا في اللهو وشرب الخمر والملذات. فعندما علم بمقتل أخيه، ترك كل شيء وعكف على الانتقام لمقتله، وأسرف في قتل رجال قبيلة بكر، وكان منهم سيدا وشاعرا وفارسا هو الحارث بن عباد، وبالرغم من قوته رفض أن يشارك في تلك الأيام، وقال قولته الشهيرة “هذه حرب لا ناقة لي فيها ولا جمل” حتى استجار به رجال من قبيلته ليتوسطوا لدى المهلل ليكف عن القتال.
فأرسل الحارث وفدًا إلى ابن عمه الملهل، وأرسل معهم ابنه بجير ورسالة تطلب منه قتل ابنه بجير كفداءً لأخيه ولإنهاء الحرب، ولكن الهلهل رفض الطلب وأعلن أنه سيقتل الغلام كفداءً لشسع نعليب (الرباط الذي يربط نعل الكليب)، وفعلها في النهاية وقتل الغلام.
من هي أم بجير بن الحارث بن عباد
تروى بعض الكتب أن أم بجير بن الحارث هي أم الأغر بنت ربيعة التغلبية، وهي أخت كليب بن ربيعة والمهلهل، وأنها كانت تجلس عند أطراف تنتظر عودة ابنها، فلما عاد الوفد بدون بجير فقامت تسألهم بلهفة، عن ابنها فلم يجيبوها ومضوا حتى دخلوا خيمة الحارث، فلما رأت أم الأغر ذلك بدأت في الصياح والعويل فسمعها نساء الحي فأتوا مسرعين، يصرخون ويبكون، فسمعهم الحارث ورأى الرسل عائدون بدون البجير عرف أن المهلهل قد قتله، فنادى على زوجته وقال لها لا أريد من أحد أن يبكي أو يصيح فإن ابني نعم القتيل كافأ خاله وأطفأ ثأره وأنا بقتله راض، فقد أصلح بين ابني وائل يقصد بكر وتغلب.
سأل الحارث الرسل عن ما قاله الحارث بشأن قتل ابنه، فخاف أبو ضبعة من الحارث وبدأ يروي له التفاصيل، لكن الحارث قال له لا تطيل الحديث، فرد عليه الرسول أنه لم يشأ أن يشهد هذا المشهد بعينه، وأنه قد قتله وهو يقول “بؤ بشسع نعل كليب.
سأل الحارث إذا لم يكن هناك رجال يمكنهم التغلب عليه، فرد عليه رسوله، وحاول أمرؤ القيس بن إبان إثناء الزير سالم عن فعلته، لكنه امتنع عن النصح، ثم نادى الحارث عبدين له وقال لهما: `قريبا سيكون مربط النعامة بجواري`، والنعامة هي فرس الحارث، ووقف الحارث أمام الخيمة وركز رمحه في الرمال وهو غاضب ونظر إلى زوجته وقال أبيات من قصيدة الحارث بن عباد: `قريبا سيكون مربط النعامة بجواري`
قل لأم الأغر تبكي بجيرا، فهي حيلة بين الرجال والأموال
لله درك، لو أن الماء يتدفق من رؤوس الجبال، لبكيت حتى أصبحت عمياء
أشعر بالشوق إلى غد أفضل عندما يكون الخير حاضرا في يوم حرب شرسة
قتلوه بنعل حذاء كليب، فإذا قتل الكريم بالنعل فذلك أمر غالٍ.
في قصيدة الحارث بن عباد في رثاء ابنه بجير، يشير البيت “قل لأم الأغر تبك” إلى أم بجير، ولكن يتم نقل البيت بشكل مختلف في مصادر مختلفة
قل لأم الأ عز تبكي جبيرا
ما أتي الماء من رؤوس الجبال
إذا كان البيان الأول صحيحًا، فإن إم بجير هي أخت المهلهل وكليب، ويكون الزير سالم وكليب هما أخوال بجير.
أما الرواية الأخرى عن أم بجير هي أنها لم تكن معروفة وأن بجيرًا كان ابنًا بالتبني أن الحارث بن عباد كان عقيمًا، فتبنى بجير، وأنه لما أرسله إلى الزير سالم ليفتدي به أخاه كليب، قال له المهلهل “من خالك يا غلام” تحقيرًا له لأنه لا يعرف أخواله، وأنه رأى في فداء مثل هذا الغلام تصغير من قدره وقدر أخيه.
بعد أن قتل ابن الحارث بن عباد، وعلم بأن الزير سالم لم يقتله مقابل دم أخيه، ولكنه استحقره وقال إنه يساوي رباط حذاء كليب، قال الحارث بن عباد قصيدة في رثاء ابنه بجير. وبعد ذلك، قرر المشاركة في الحرب التي امتنع عنها في السابق، وبدأت حرب الزير سالم الحقيقية مع ابن عباد. وبعد أن شارك الحارث في الحرب، لم تتمكن تغلب منه بعد ذلك، وقتل الحارث بن عباد العديد منهم، وحدثت أشد معارك حرب البسوس، وكان من أشهرها يوم تحلاق اللمم. ولم يتوقف الحارث عن قتالهم حتى علم أبناء قبيلة تغلب أنه أقسم ألا يتوقف عن قتالهم حتى تحدثه الأرض فيهم، فحفروا سردابا ووضعوا فيه رجلا، وعندما مر به، قال أبيات شعرية ترجوه فيها بالتوقف عن القتال، فوافق الحارث على إنهاء حربه مع تغلب.