اسلامياتشخصيات اسلامية

من هو أسد المرابطين “يوسف بن تشفين”؟

يوسفَان لتلك الأمّة: يوسف المشرق صلاح الدين، يوسف بن أيوب، صاحب القدس، هو الأول، ويوسف المغرب، يوسف بن تاشفين، صاحب الأندلس الذي أرسى فيها وفي أرض المغرب كلمة الحق والدين هو الثاني.

ولد أبو يعقوب يوسف بن تشوفين في قبيلة حاكمة لصنهاجة، حيث تميز بالعز والشرف والتكريم في القبيلة. تعلم العلم من أفواه العلماء والمحدثين على مذهب وتعاليم الفقيه العالم ابن ياسين. وتميز يوسف بأعماله في مجال الحرب والسياسة الشرعية.

تولّي يوسف بن تاشفين الإمارة: عُرِفت حنكته الحربيّة والسياسيّة البارعة في معركة الواحات حيث تقدّم جيش المُرابطين. وبعدها عُيّن واليًا على مدينة سجلماسة، فأظهر من البراعة ما أظهر إداريًّا وتنظيميًّا، ثم امدّ جيوشه غازيًا بلاد جَزولة وفتح ماسة وتارودانت حيث قتلَ المرابطون شيعة هذه البلاد وتحوّل النّاجون منهم إلى السُّنيّة.

ثم تحرَّك إلى أغمات المدينة النّصرانيّة ومقرّ اليهود البربر ودخلها المرابطون وأوسعوها دكًّا. ثم ساروا إلى برغواطة، وهناك تُوفّي ابن ياسين متأثّرًا بجراحه البالغة، ومن هنا كانت دفعةُ يوسف لتولّي الرّئاسة لما رُؤَيَ منه من حُسن التخطيط والضبط العسكري والحركيّ والحزم القياديّ والإنصاف، وذلك بعد تنازل ابن عمّه الأمير أبو بكر له عنها على أعين وشهادة شيوخ المرابطين وكتّابها وشهودها.. قائلًا:

يا يوسف، أنا قد وكلتك بهذا الأمر وأنا مسؤول عنه. فاتق الله فيما يتعلق بالمسلمين، وأعتق نفسك وأعتقني من النار، ولا تفقد أي شيء من أمور رعيتك؛ فأنت مسؤول عنهم. والله سبحانه وتعالى سيصلحك وسيمدك وسيوفقك للعمل الصالح والعدل في رعايتك.

إمارة المُرابطين: كانت أول وجهات يوسف بن تشفين كأمير وقائد للمرابطين في شمال المغرب، حيث تم إرساله لتدمير جيوش أعدائهم ومساعدته في الصراعات السياسية بين قادة المدن. تحالف بعضهم لقتل بعضهم الآخر. وهكذا سيطر على “فاس.” ومع ذلك، تم التمرد عليه من قبل سكانها، وقام بقمع انتفاضتهم من خلال جهاده المستمر حتى استعادة السيطرة على الأرض بأكملها من الريف إلى طنجة في عام 460 هجريا.

تم بعد ذلك تأسيس نظم المساجد والأسواق والمرافق والبيوت، ثم انتقل فاتحًا إلى بلاد ملوى ودخلها.

توحيد المغرب:
غزا يوسف مدينة طنجة وفتح جبل علودان، واستولى على جبل غياثة وبني مكود ويني رهينة، وفصل بينه وبين مدينة زناتة من الجهة الشرقية.

تمكن يوسف من السيطرة على دولة المرابطين وطرد كل من ارتكب فيها العصيان والتخريب، حتى استقرت فيها الدولة وسكانها، ولم يبقَ أي متمرد يريد الثورة عليه.

ولكن لازالت منطقة “تازا” فيصلًا بينه وبين زناتة، فقد بسطَ يديه على كل المغرب الأقصى إلّا طنجة وسبتة. لذلك مدّ يوسف جيشه ذا الاثني وثلاثين فارسًا إلى طنجة وقاتلوا فيها قتالًا عظيمًا قُتل فيه حاجبُ طنجة. ومن بعد طنجة، سار لزناتة وكُسِرت هنالك شوكتها وقُتل أميرها، وبعدها مضى للرّيف وضمّ له مدينة تكرور.

بعدما دخل المدينة، بنى جامعًا يسمى الجامع الكبير حتى اليوم، ثم عاد بجيشه وأرسل يوسف ابنه “المعز” إلى سبتة المتبقية وغزاها بحرًا وبرًّا، ودارت طاحونة الحرب واستقرت الكفة لصالح المرابطين، وبذلك توحد المغرب الأقصى كله بعد جهاد دام ثلاثين عامًا.

يوسف والأندلس وملوك الطّوائف:
بفضل القوة التي بنتها دولة المرابطين في المغرب الأقصى، أصبحت هذه الدولة ملاذاً وحصناً للمسلمين في الأندلس التي كانت تعاني من تشرذم سلطانها بين الملوك الذين كانوا يتناحرون فيما بينهم، ووصل عدد الدويلات فيها إلى 23 دولة.

استغلّ الملك الصليبيّ ألفونسو السادس هذا الشِقاق، فأوسع المسلمين جورًا وسيفًا، حتّى بلغ الأمر أن يبعث المسلمون إليه الجزية كلّ عام. حتى استحال على المسلمين الصّبر على ظلمه فقتل الملك المُعتمد رسل ألفونسو الحاضرة لتحصيل الجزية، فخطّط ألفونوس إثر ذلك على كسر شوكة المعتمد وملوك الطّوائف أجمعين من خلفه.

أرسل ألفونسو الصليبيّ بكتابٍ إلى يوسف بن تشفين ممعنًا في الاستخفاف، قال فيه: فإن كنت لا تستطيعُ الجوازَ إلينا، فابعث إليَّ ما عندك من المراكبِ نجوزَ نحن إليك. أناظرك في أحبّ البقاعِ إليك، فإن أنت غلبتني فتلك نعمةٌ جُلبت إليك، وإن أنا غلبتُك كانت لي اليدُ العُليا عليك، واستكملت الإمارة، والربّ يتمّ الإرادة.

فبعث يوسف بالردّ على ظهر الكتاب: ” الجواب ما ترى لا ما تَسمع “.

انتصار يوسف بن تشفين لملوك الأندلس:
أرسل الملك المعتمد رسالة إلى يوسف بن تشفين يستنجده للمساعدة في مواجهة العدو الصليبي ألفونسو، وبعد ذلك، انتفض علماء المرابطين وأهلها ضد هذه الجريمة في حق إخوانهم في الدين، واتفقوا على تقديم النصرة.

تحركت جيوش المسلمين إلى الأندلس، وأحس ألفونسو بالانزعاج الشديد بسبب ذلك، فقد شعر بأن روح الأندلس تعود إليهم مرة أخرى، وكان قد قام بارتكاب القتل والسبي والازدراء في ذلك البلد من قبل، وكان يرسم خططًا لطرد جميع المسلمين من الأندلس ليفرض النصرانية بعدها.

عندما وصل يوسف إلى الأندلس، قام بإرسال كتاب إلى ألفونسو يعرض فيه الإسلام أو الجزية أو الحرب بلهجة قاسية. وقد ثار ألفونسو على ذلك وقال: `هل يخاطبني هذا الحديث وأنا وأبي ندفع الجزية لملتهم منذ 80 عامًا؟`. وقال لرسول يوسف: `قل للأمير لا تُتعب نفسك، أنا أصل إليك`

موقعة الزّلاقة: أرسل ألفونسو رسالة إلى يوسف بن تشفين بمكر يخبره فيها أن الجمعة القادمة هي يوم الاحتفال بالمسلمين، وأنهم لا يحاربون في أيام الأعياد، كما أن السبت هو عيد اليهود واليهود كثيرون في جيش ألفونسو، وأن يوم الأحد هو عيدهم، ولذلك يجب تأجيل المعركة إلى يوم الاثنين.

لكن تلك الخدعة لم تنطل على عقل يوسف بن تشفين الحنِك، فقد علم أنها مخدعةٌ من مخادعه، فلم يُبلغ جيشه بأمر كتاب ألفونسو. وبعد صلاة الجُمعة، هجمَ ألفونسو على جيوش المسلمين الذين كانوا على أتمّ استعدادٍ لهم، فلم تكن المفاجأةُ حينئذٍ ليوسف بن تشفين، بل لألفونسو الذي توقّع أن يبتلع يوسف طعمَه.

قسَّم يوسف بن تشفين الجيش كما قسمه خالد بن الوليد والنَّعمان بن المقرن من قبله، حيث جعل الجيش الأول 15 ألف مقاتل يقودهم المعتمد، والجيش الثاني 11 مقاتل يقودهم هو نفسه، وفي الخلف فئة بها 3 آلاف رامٍ ومحارب.

أبلغ جيش المسلمين جيش الصليبين بالقتل والطعن والأسر، وأطلق على تلك المعركة اسم `معركة الزلّاقة` لأن الخيول كانت تنزلق على الصخور بسبب كثرة دماء الصليبيين عليها.

فقد ألفونسو إحدى ساقيه، وبقي لديه 500 فارسٍ ناجٍ فقط من أصل 80 ألف فارسٍ و200 ألف راجلٍ، حيث احتمى في إحدى الجبال حيث فقد هناك 400 من الـ 500 فارس المتبقين، ودخل طليطلة بمائة فارسٍ فقط.

موته:
توفي يوسف بن تشفين في أول أيام شهر محرم من العام 500 هجرية، وبلغ من العمر مائة عام، حيث شهد القرن الذي عاش فيه في الأندلس والمغرب الأقصى ذروة عظمتهما وعزتهما، حيث ترك حكمًا لا يترك للظالمين شيئًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى