من غرائب القرون الوسطى محاكمة الحيوانات
شهدت أوروبا خلال القرون الوسطى الكثير من الأحداث الغريبة والمثيرة للدهشة التي تجعل الإنسان لا يصدق أنها حدثت في ذلك الوقت، حيث كان هناك الكثير من الجهل والعنف. وسبق أن تحدثنا عن درجة القذارة في أوروبا في تلك الفترة، حيث كانت الشوارع التي نراها اليوم جميلة ونظيفة مليئة بالأوساخ والروائح الكريهة. ولعل هذا الأمر لا يصدقه الكثيرون، ولكن الأغرب مما تحدثنا عنه هو محاكمة الحيوانات في تلك الفترة .
الحكم على خنزير بالإعدام : في فرنسا في عام (1494)، تم القبض على خنزير وتقديمه للمحاكمة بتهمة قتل طفل. حدثت الواقعة عندما تركت أم الطفل طفلها في مهده خارج الكنيسة، وفي تلك الفترة كانت الحيوانات تتجول في المدينة دون حذر، وهاجم الخنزير الجائع الطفل وحاول أكله. وبعد استدعاء الشهود الذين رأوا ما حدث من قبل الخنزير، أصدرت المحكمة حكم الإعدام بشنق الخنزير في ساحة عامة كرسالة تحذيرية للآخرين
محاكمة الفئران : خلال القرن الخامس عشر، في بلدة “أوتون” بفرنسا، تم اتهام مجموعة من الفئران بالتجمع في شوارع القرية بطريقة تسببت في القلق والإزعاج للمواطنين. ولكن كان هناك محام يختلف عنهم في التفكير، فأراد أن يسخر من جهلهم. فتقدم من أجل الدفاع عن الفئران، وفي المحكمة كان القضاة في انتظار المتهمين من أجل المثول أمامهم. فطلب المحامي تأجيل القضية وألتماس العذر إلى الفئران، لأن الاستدعاء لم يصلهم بعد، لذلك لم يتمكنوا من الحضور. فوافقت المحكمة، وعندما جاء موعد الجلسة الثانية، انتظر القضاة، ولكن الفئران أيضا لم تأت. فقدم المحامي عذرا آخر بأن المكان بعيد، والفئران بهم أطفال وكبار بالسن لم يتمكنوا من الحضور. وفي المحاكمة الثالثة حدث نفس الشيء، فقال المحامي إن الفئران لم تأت بسبب خوفها من القطط المنتشرة في المدينة، ولذلك طلب من القاضي أن يأمر الناس أن يحبسوا قططهم بمنازلهم حتى يتمكن المتهمون من المثول أمام المحكمة. ولكن الأهالي رفضوا أن يلتزموا بهذا الأمر، فتم إلغاء القضية، وانتصر المحامي في السخرية من الجهل والجنون .
الحكم بالإعدام على ديك : في سنة (1474) في مدينة بال في سويسرا، تم رفع دعوى قضائية ضد ديك لأنه قد بيض، وفي ذلك الزمن كان السحرة يبحثون عن بيض ديك لاستخدامه في السحر الأسود، وفي المحاكمة، قدم محامي دفاع عن الديك قائلا كيف يمكن للديك أن يكون مسؤولا عن حادثة لا يمكنه السيطرة عليها؟ ولكن القضاة لم يقتنعوا بحجج المحامي وأصدروا حكم بالإعدام على الديك .
رفع دعوة قضائية ضد حشرات السوس : تعد هذه القضية الأكثر غرابة في عام (1495) أيضا في فرنسا وتحديدا في مقاطعة “سان جوليان”، حيث رفع أحد مزارعي العنب دعوى ضد حشرات السوس بتهمة إتلاف كرومه، وقضاء على أشجاره وصناعته وتجارته، وقام اثنان من أكبر المحامين في ذلك الوقت بالدفاع عن الحشرات، والأغرب من ذلك أن هذه القضية استمرت لأربعين عاما، وفي نهاية المطاف شعر أصحاب الكروم بالملل من التأخير في القضية، فاتفقوا على أن يعطوا السوس قطعة أرض خاصة ليأكلوا فيها ما يشاؤون من الزروع والأشجار .
تفسير محاكمة الحيوانات في العصور الوسطى : بعض المؤرخين يفسرون أن السبب الرئيسي وراء هذه المحاكمات كان نفسيا في المقام الأول، حيث عاش الناس في ذلك الوقت أوقات عصيبة من الشك وعدم اليقين والخوف من كل شيء. كان الخوف عاملا مشتركا وسمة سائدة بين شعوب أوروبا في العصور الوسطى، وكان أكبر مصدر للخوف هو غياب القانون وعدم وجود المحاكم التي تكفل نشر العدالة في الأرض. كان العدل مطلبا لكل كائن، سواء كان بشرا أو غيره، وكان الهدف هو تحقيق العدل بين البشر وبين بعضهم، وبين البشر والحيوانات