ادب

مميزات المثل والحكمة من حيث الصوغ الفني

ما معنى المثل والحكمة

المثل: هو قول مشهور ينسب إلى الأجداد والأجيال السابقة. يقال في حالات أو مناسبات معينة، ثم يتم تداوله في المناسبات المشابهة لهذا المثل. يتناقل الناس هذا المثل منذ زمن بعيد، ويوجد الكثير من المثلات المنتشرة التي يستخدمها جميع شرائح المجتمع للتذكير بأقوال الأجداد وتمجيد أفعالهم.

قد يحتوي المثل في كثير من الأحيان على الحكمة، وهذا ما يفسر ارتباطه ببعضه البعض.

الحكمة: هي عبارة عن قول يحتوي على رأي حكيم بعد تجربة قام بها، وحدد فيها الصواب من الخطأ والحق من الباطل، كما تعد هذه العبارات خلاصة تجربة بعض الأشخاص في حياتهم، ويتم عرض رأيهم وتسميتهم بالحكماء نتيجة تميز رأيهم بالصواب، ولقد كانت الحكمة في الزمن القديم تلعب دورا يشبه دور الشعر آنذاك.

الحكمة تنشأ من الخبرة والحنكة والفلسفة في الحياة، ومن معرفة عميقة بالمواقف وطرق حلها، كما يتمتع الحكيم برؤية ثاقبة في حل المشكلات، وهذا يعد نوعًا من أنواع الذكاء.

الخصائص الفنية في الحكم والأمثال العربية

تتعدد خصائص المثل والحكمة، وهذه من أهم الخصائص الفنية في الأمثال والحكم

  • التصوير والتشخيص: تعتبر الأمثال والحكمة من أبرز السمات، وقد استخدم مبدعو الأمثال والحكمة العديد من الوسائط الحسية والعنصرين البشري والحيواني، واستلهموا مظاهر الطبيعة، وجسدوا هذه العناصر الحسية وربطوها بالمفاهيم المجردة مثل الخير والشر والبخل والكرم والحسد ومفاهيم أخرى عديدة. واستخدموا الأساليب المجازية والرموز المجردة والسرد القصصي والاستعارات البلاغية، وكانت هذه الأمثال والحكمة نتاجا للحكمة والبلاغة الفنية.
  • يتضمن الإيقاع والتنوع الموسيقي فنون الأمثال والحكم والقافية والجناس والطباق والتكرار والسجع والتقسيم الزمني للوحدات الكلامية، مما يفسر علاقتها بالبلاغة.
  • تمثيل التنوع في الأسلوب والبناء كان يعتمد على استخدام الأمثال والحكم التي تنشأ من ظواهر لغوية مبتكرة بطريقة أنيقة. وكانت هذه الأمثال والحكم تنتمي إلى البيئة المحيطة بها، مما يجعلها سهلة الفهم والاستيعاب. وقد استخدم المفردات بشكل مجازي للخروج عن الأسلوب التقليدي، واستغل المبدع التناقض لتوضيح الأفكار وتصويرها بطريقة ممتعة عند سماعها. واستخدموا العدول لتكوين جمل وفقا لقواعد اللغة وأنماطها، وحقق التنوع في الأسلوب من خلال التقديم والتأخير والحذف واستخدام المفاعيل.
  • التكثيف والاستدلال والإيحاء: وهذه السمة الفنية مستمدة من الفنون السابقة، حيث لا يتحقق التكثيف والاستدلال والإيحاء إلا من خلال بناء النص على عناصر فنية معينة، مما يؤدي إلى تحقيق الإيجاز وتكثيف الدلالة والإشارة إلى الموضوع بشكل يجعل الأمثال والحكم فنا يتميز بالإيجاز وكثافة التعبير وغرابة الاستدلال وقوة الدلالة وجماليتها.
  • الرمز: تمثل الأمثال والحكم رمزًا من رموز التعبير، وذلك لقدرة المبدعين فيها على التصوير وعلاقتها بالعادات والمعتقدات والتقاليد الاجتماعية، كما أنها مختصرة في معناها وكثيفة في تأثيرها على الإحساس، ولها ارتباط بتاريخ وتراث المجتمع.
  • المحاكاة: تفتح المحاكاة والتقليد أمامنا طرقًا للتعبير عن العالم المحيط بنا، وتقليد الأجداد، ويظهر ذلك في الأمثال والحكم والأنماط المختلفة التي تتضمن محاكاة صادقة ومحاكاة إمكانية ومحاكاة استلهام ومحاكاة تخيلية.
  • السرد والحكاية: تمتد الأمثال والحكم لتغطي السرد والحكاية وتناول القضايا الاجتماعية، وقد تجلى السرد في الأمثال والحكم في المجتمعات الميدانية من خلال عاداتها وتقاليدها وأساليبها اللفظية وعاداتها الاجتماعية وآرائها ومعتقداتها.

أهمية الأمثال والحكم

تمتلك الأمثال والحكم العربية أهمية كبيرة ومكانة مرموقة في المجتمع العربي القديم، إذ تعتبر ملخصا لتجارب الأجداد وحكمتهم. فتصف الأمثال والحكم الحالة الفكرية والاجتماعية والأدبية والثقافية والتاريخية والوطنية والأخلاقية للأجداد، وتغطي جوانب الحياة المختلفة التي عاشوها. كما تعكس حقيقتهم وآمالهم وآلامهم بألفاظ بليغة وجميلة. فهي صوت الأمة القوي وقلبها النابض وضميرها الحي الذي لا يموت وعقلها الواعي. إن الأمثال والحكم هي الشواهد المعنوية وخاصية العقل وجوهره ونتاجه.

كانوا العرب ذووا نفوس حساسة وغيرة وأصحاب ارتجال وبديه وكانوا مشهورون بالفصاحة والبلاغة وسجع الكهان الذي كان بديل للشعر آنذاك ومع تطور العصور ابتدعوا نوع جديد من البلاغة وهو الحكمة والأمثال واستخدموها في كل مجال من المجالات المختلفة، فلا يخلو موقف من حياتهم إلا وقرنوه بمثل أو حكمة ولا تخلو خطبة مشهورة ولا قصيدة سائرة من مثل وحكمة رائعة مؤثرة في حياتنا وتناقلت عبر الأجيال حتى وصلت إلينا بشكلها الحالي.

أوجه التشابه والاختلاف بين المثل والحكمة

يترتب على بعضهما البعض أن المثل والحكمة مترابطان، فالكثير من الأمثال تحمل حكمة كبيرة، وعلى الرغم من ارتباطهما ببعضهما البعض، هناك اختلافات جوهرية بينهما، ويكمن الاختلاف بين الأمثال والحكم فيما يلي:

  • تستمد الأمثال من تجارب الناس، وتحمل معانٍ شبيهة بالحكمة، بينما تنبع الحكمة من رأي صائب لشخص (مخضرم أو حكيم).
  • تُستخدم الأمثال في المناسبات الشعبية التي تشبه المناسبة التي يتم فيها استخدام المثل، أما الحكمة فيمكن استخدامها في جميع الأوقات.
  • المثل هو عبارة مختصرة بينما الحكمة تأتي نتيجة دراسة وتأمل في الواقع.
  • تعتبر الحكمة توازنًا بين الأمور للوصول إلى رأي صائب، بينما يُستخدم المثل في مواقف ومناسبات معينة وينتشربين الناس.
  • الحكمة نابعة من بلاغة العرب، بينما المثل نابع من تجارب الناس.
  • الحكمة هي عبارة موجزة ومختصرة، والمثل يرتبط بقصة أدت إليه.
  • الحكمة تنبع من واقع المجتمع الذي يعيش فيه الشخص الذي يقولها، وتعبر عن معاناته وتجاربه في الحياة، وغالباً ما تصدر المثل من جماعة خاصة من الناس لديها خبرتها وتجاربها وثقافتها وحكمتها في الحياة.

سبب انتشار المثل والحكمة

هناك أسباب كثيرة أدت إلى انتشار الأمثال والحكم بين العرب. كانت حكمة العرب ودهاؤهم مشهورين منذ زمن قديم. استخدم العرب السجع كوسيلة للتواصل بينهم، وكان هناك العديد من الشعراء الشهيرين عبر العصور. أراد العرب آنذاك ابتكار أسلوب جديد لجذب الناس إلى معرفتهم، فابتكروا المثل والحكمة. ومن أهم أسباب انتشار الحكمة والمثل هي

  • تعود حكمة العرب القدامى واعتمادهم على تجاربهم الكثيرة التي مروا بها، مما دفعهم لاستخلاص العبر ونشرها بين الناس.
  • كانت الأمثال والحكم مدونة أو موثقة تاريخيًا للقصص والأحداث التي مر بها الناس في ذلك الوقت، مما زاد من انتشارها بشكل سريع.
  • يعكس حب العرب للبلاغة والتشابه الأمثال والحكم التي ينقلها الناس كملخص بلاغي وصل إلى عصرنا الحالي.
  • توجد فروق ثقافية بين طبقات المجتمع، حيث يتواجد في زمن الاحتلال حكماء وفقهاء وأميون، ما أدى إلى انتشار هذه الحكم بشكل كبير بين الناس ونقلها بينهم.
  • يعتبر هذا الفن الجديد غير المألوف غير معروف من قبل، وكان الشعر والسجع المنتشران في ذلك الوقت، وجاء هذا الفن بجمل قصيرة نحوية بإيقاع مماثل للفنون القديمة، مما دفع جميع فئات المجتمع آنذاك إلى حفظه ونقله.

الهدف من المثل والحكمة

كان التدوين بالحكم والأمثال في عام 1921 وسيلة سهلة لتوثيق التاريخ وجعله متاحا لأكبر عدد من الناس. كان بإمكان أي شخص حفظ الحكم والأمثال ونقلها من مكان لآخر. كان السعوديون القدماء يهتمون بتعليم هذه الحكم والأمثال لأبنائهم، وتم جمع هذه الحكم وتدوينها في المخطوطات التاريخية لمنع ضياعها وضمان توارثها ونقلها عبر الأجيال بسبب اهتمامهم الكبير بها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى