مراحل تطوير مصحف المدينة المنورة
مع انتشار الفتوحات الإسلامية ودخول بلاد جديدة في الإسلام، تحسن الخط العربي، وظهر ما يعرف بالخط المنسوب لرواد الخط العربي مثل: قطبة المحرر المتوفى سنة 131 هـ، وأبي علي محمد بن مقلة المتوفى سنة 328هـ، وأبي الحسن علي بن هلال المعروف باسم ابن البواب المتوفى سنة 413هـ، وياقوت بن عبد الله المستعصمي المتوفى سنة 698هـ وغيرهم .
بداية جمع القرآن الكريم
عندما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وتولى أبو بكر رضي الله عنه الخلافة، وقتل كثير من القراء في الحروب، أوصى عمر رضي الله عنه أبا بكر بجمع القرآن خشية ضياعه، وجمع في صحف مجموعة بقيت عند أبي بكر طوال فترة خلافته، ثم عند عمر حتى وفاته، ثم وصلت إلى حفصة رضي الله عنها، وهذه الصحف هي التي نسخت منها في عهد عثمان رضي الله عنه لتصبح المصاحف الحالية .
ثم تنوعت طرق الاهتمام بالقرآن الكريم وخاصة فيما يتعلق بكتابته وتجويده وتحسينه، وكذلك توحيد الحروف. على مر العصور، قام العديد من الخطاطين بمهارة وجمال في الخط، وقاموا بكتابة المصاحف الخاصة والعامة. كان الكتابة بالخط الكوفي هي الأكثر استخداما في كتابة المصاحف حتى القرن الخامس الهجري، ثم استخدم خط الثلث حتى القرن التاسع الهجري، ومنذ ذلك الحين استقر استخدام خط النسخ حتى الوقت الحاضر .
بداية طباعة المصحف الشريف حتى مصحف المدينة المنورة
عند ظهور الطباعة، ظهرت عدة طبعات مبكرة للقرآن الكريم في أوروبا، ولكنها لم تلق الانتشار والقبول بين المسلمين، بسبب وجود العديد من الأخطاء وعدم اتباعها لقواعد الرسم العثماني .
صدرت طبعات للقرآن الكريم في بلدان أخرى بعد ذلك، لكن لم يتم الالتزام بالرسم العثماني فيها .
وبقي الأمر على ذلك حتى طبع المصحف الذي كتبه الشيخ المقرئ أبو عيد رضوان بن محمد المخللاتي عام 1308 هـ في المطبعة البهية بالقاهرة ، وراعى فيه أصول الرسم والضبط ووضع له ستة أنواع من علامات الوقف والابتداء ، ثم توالت طبعات المصحف الشريف في مصر ، وغيرها من أقطار العالم الإسلامي .
يعود تاريخ بدء طباعة المصحف في المملكة العربية السعودية إلى عام 1369 هـ، حيث تمت طباعة مصحف باسم مصحف مكة المكرمة، وتمت طباعته بواسطة شركة مصحف مكة المكرمة. ثم ظهر مصحف آخر في مدينة جدة عام 1399 هـ، وتمت مراجعته والموافقة عليه من قبل الجهة المختصة في المملكة، وتمت طباعته في مطابع الروضة .
أصبحت عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن منهجًا متميزًا وجديرًا بالإعجاب والتقدير، بفضل الأسس الواضحة التي امتاز بها والمظاهر المتعددة .
من أبرز عناية المملكة بالقرآن الكريم هو إقامة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة النبوية. يفتخر وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالإشراف على هذا المجمع، والذي يعد أكبر مركز لطباعة القرآن الكريم. إنه من إنجازات ومآثر المملكة العظيمة في عهد خادم الحرمين الشريفين، وقد أطلق على المصحف المطبوع في هذا المجمع اسم “مصحف المدينة النبوي .
تطور الخط المُستخدم في كتابة المصاحف
كان الخط الكوفي هو الخط الأكثر استخدامًا في كتابة المصاحف حتى القرن الخامس الهجري، ثم استخدم الخط الثلث حتى القرن التاسع الهجري، ومن ثم استخدم الخط النسخ حتى الوقت الحالي .
عندما ظهرت المطابع الحديثة في بعض البلدان الإسلامية والعربية مثل مصر والشام، أصبح تدوين المصحف الشريف أحد أولوياتها. وتم طباعة المصحف بأحجام مختلفة على قواعد الرسم الإملائي الحديث. ولكن المؤرخ والعالم الشيخ رضوان بن محمد المخللاتي، الذي توفي في سنة 1311هـ، قام بكتابة مصحفه الشهير الذي يسمى باسمه وطباعته في سنة 1308هـ على قواعد الرسم العثماني .
العناية بالمصحف الشريف
تعتبر خدمة القرآن الكريم والعناية بالمصحف الشريف شرفًا كبيرًا يسعى المسلمون للحصول عليه، وعلى الرغم من الجهود التي بذلت في بعض البلدان الإسلامية في هذا الصدد، إلا أن أعظم ما قامت به المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز – رحمه الله – يتجلى في مظاهر متعددة .
تمثلت أهمية هذه الرعاية في إنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة، خلال عهد الملك فهد بن عبدالعزيز في عام 1405 هـ / 1984 م .
مُجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
تعتبر مطبعة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة أكبر مطبعة في العالم لطباعة المصحف الشريف، وهي إحدى المعالم المشرقة التي تقدمها المملكة العربية السعودية لخدمة الإسلام والمسلمين في جميع أنحاء العالم .
وضع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز حجر الأساس للمجمع في عام 1403 هـ وافتتحه في عام 1405 هـ. ينتج المجمع سنويا حوالي عشرة ملايين نسخة، ويوزع مثيلاتها على المسلمين في جميع القارات. أنتج المجمع أكثر من 160 إصدارا و193 مليون نسخة، ويجري الآن دراسات وأبحاث مستمرة لخدمة الكتاب والسنة. ويضم المجمع أحدث التقنيات في الطباعة في العالم. ويعد إنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة كأحد صور العناية بالقرآن الكريم .
أهداف مُجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
يتم تحقيق أهداف مجمع الملك فهد من خلال طبع المصحف الشريف بالروايات المشهورة في العالم الإسلامي، وتسجيل تلاوة القرآن الكريم بالروايات المشهورة في العالم الإسلامي، وكذلك ترجمة معاني القرآن الكريم وتفسيره، والاهتمام بعلوم القرآن الكريم والسنة والسيرة النبوية، بالإضافة إلى الرعاية للبحوث والدراسات الإسلامية. وبالإضافة إلى ذلك، يلبي مجمع الملك فهد احتياجات المسلمين داخل المملكة وخارجها من خلال إصداراته المختلفة ونشرها على الشبكات العالمية .