صحة

ماهي مناعة القطيع

بينما قامت الدول الأوروبية باتخاذ إجراءات وقائية مشددة، بما في ذلك إغلاق المدارس والمقاهي وتعليق الأنشطة الرياضية والرحلات بمختلف أنواعها، ودخلت في حجر صحي شبه كامل، بالإضافة إلى إغلاق الحدود للحد من تفشي الوباء ومنع انهيار النظم الصحية، بعض الدول مثل بريطانيا لم تتخذ حتى الآن إجراءات صارمة لمكافحة الفيروس منذ بداية الوباء، حيث لم يتم إغلاق أي مدرسة ولم يتم حظر أي اجتماعات، واعتمدت استراتيجية “المناعة الجماعية” وتبنت موقفا هادئا نسبيا.

وتأمل أن ينتشر الفيروس ببطء، حتى يتمكن السكان من تطوير “مناعة جماعية” ضد المرض، وتأخير ذروة الوباء حتى الصيف لتخفيف الضغط الكبير على الخدمات الصحية. وأصدرت تعليمات للأشخاص الذين يعانون من الأعراض بالبقاء في العزل لمدة أسبوع. تزعم بريطانيا أن تشديد القيود الصحية والإغلاق التام الذي تفرضه بعض دول العالم قد يؤدي إلى عودة المرض في المستقبل، على عكس فكرة المناعة الجماعية التي سنتعرف عليها في هذا المقال.

مفهوم مناعة القطيع

هل تعيش في منطقة يتواجد فيها عدد كبير من الأشخاص المحميين من فيروس معين؟ إذا كان الأمر كذلك، فربما يكون لمجتمعك المناعة الجماعية أو ما يعرف بـ “مناعة القطيع.

مناعة القطيع، أو ما يعرف أيضًا بالتحصين الجماعي، هي نوع من المناعة يحدث عندما يكتسب عدد كافٍ من الأشخاص مناعة ضد مرض ما، ليتمكنوا بعد ذلك من حماية بقية المواطنين ووقف انتشار المرض من خلال معدلات تطعيم عالية.

عندما نتعافى من المرض، يحتفظ جسمنا بذاكرة مناعية ضده، تمكنه في المستقبل من محاربة المرض نفسه في حالة إعادة الإصابة به. وهذه هي الطريقة التي تعمل بها اللقاحات، إذ تنشئ ذاكرة مناعية ضد المرض مهما كان نوعه. وفي حالة وباء كورونا الخطير والجديد الذي لم يسبق لأحد الإصابة به، فإنه سينتشر بين الناس. ولكن إذا طور عدد كاف من الأشخاص ذاكرة مناعية ضده، فإن المرض سيتوقف عن الانتشار. وهذه هي “مناعة القطيع”، وهي طريقة فعالة لحماية جميع السكان في بلد ما من الأمراض المعدية.

ومع ذلك، ينظر إلى مناعة القطيع عادة كنظرية وقائية في برامج التطعيم، على سبيل المثال في حالة الإنفلونزا، أظهرت الدراسات أنه يجب تطعيم ما لا يقل عن 70٪ من الأفراد في المجتمع ضد الإنفلونزا سنويا قبل تحقيق مناعة القطيع. أما إذا لم يكن لدينا لقاح، كما هو الحال مع فيروس كورونا، فإن تحقيق المناعة الجماعية يتطلب تعريض عدد كبير من السكان للإصابة ثم التعافي من الفيروس، وماذا يعني هذا فيما يتعلق بانتشار المرض في بريطانيا، على سبيل المثال

هذا يعني أن نحو 60% من السكان يجب أن يصابوا بفيروس كورونا ثم يكتسبوا مناعة ضده، ومن ثم يتطلب تحقيق هذه المناعة إصابة أكثر من 47 مليون شخص في المملكة المتحدة، إضافة إلى ذلك، فإن المفهوم لا يعني ببساطةٍ السماح للمرض بالانتشار بين المواطنين، وإنما تأخير انتشاره وحماية الأشخاص الأضعف مناعةً والأكثر عرضة للإصابة به، و من خلال إبطاء وتيرة انتشار الفيروس، قد يتوافر لهيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية مزيد من الوقت للاستعداد، ولتطوير لقاح أو علاج، كما سنكون أقرب إلى فصل الصيف.

لماذا تعتبر مناعة القطيع مهمة

ينتشر فيروس كورونا عندما يصيب الشخص المصاب الآخرين، سواء عن طريق الرذاذ الذي يتناثر من الأنف أو الفم، أو عندما يسعل الشخص المصاب بالفيروس أو يعطس، وينتشر أيضًا من خلال لمس يدي الشخص المصاب أو وجهه، أو عن طريق لمس أشياء مثل مقابض الباب التي لمسها المصاب.

لنتخيل العيش في مجتمع تكون فيه الحماية ضد فيروس معين ضعيفة، يمرض شخص ما، معظم الأشخاص الذين يلتقي بهم غير محميين، ينقل الفيروس بسهولة، و ينتشر المرض بسرعة داخل المجتمع، من ناحية أخرى تخيل الآن أنك تعيش في مجتمع تكون فيه الحماية ضد فيروس معين عالية، يمرض شخص ما، معظم الناس الذين يلتقي بهم محميون، الفيروس غير قادر على الانتشار، المرض يختفي بسرعة و يبقى المجتمع بأسره بصحة جيدة.

بالتالي عن طريق الحصانة الجماعية، يساهم الأشخاص المحميين في حماية أفراد المجتمع الضعفاء مثل كبار السن والشباب والنساء الحوامل والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، على وجه الخصوص، و قد يكون الافتقار إلى الحماية لسبب واحد أو أكثر، ربما لم يتلقي جميع هؤلاء الأشخاص اللقاح لأسباب طبية، أو لأنهم لا يستجيبون للعلاج.

مناعة القطيع للقضاء على فيروس كورونا

مصطلح مناعة القطيع يستخدم عادة عندما يتم تطعيم أعداد كبيرة من الأطفال ضد مرض مثل الحصبة، على سبيل المثال، بهدف الحد من انتشار المرض والحماية منه، ولكن عند التعامل مع وباء قاتل مثل فيروس كورونا الذي لا يوجد لقاح له حتى الآن، وبين أشخاص غير محصنين ضده، يثير هذا الأمر قلقا، بالإضافة إلى أننا لا نعلم بعد ما إذا كان الشخص المصاب بمرض كوفيد-19 والذي تم علاجه محميا من الإصابة مرة أخرى، قد يعاود الإصابة ربما بأعراض أخف، وفي هذه الحالة، يمكن للفيروس أن ينتشر مرة أخرى، فهو لا يختفي تلقائيا، وينتهي الوباء عندما نحصل على لقاح، وبالتالي لنجاح مناعة القطيع، يجب أولا الحصول على اللقاح.

إستراتيجية بريطانيا في التعامل مع كورونا

منذ ظهور فيروس كورونا الجديد في ديسمبر الماضي، اقترب عدد المصابين بالفيروس إلى ١٣٠،٠٠٠ حالة، وتوفي أكثر من ٤٧٠٠ شخص في ١١٦ دولة وإقليم حتى الآن، ولا يزال عدد المصابين في ارتفاع، وفي حين قامت جميع الدول الأوروبية بتنفيذ إجراءات وقائية، اختارت بريطانيا مسارا مختلفا، حيث لم تتخذ الكثير من الإجراءات الوقائية على الرغم من تسجيل آلاف الإصابات و ٢١ حالة وفاة، واعتمدت نظرية “مناعة القطيع” كوسيلة لاحتواء فيروس كوفيد ١٩، وزعمت أن تقييد انتشار الفيروس من خلال الحجر الصحي الذي تنفذه معظم دول العالم قد يؤدي إلى عودة المرض في المستقبل، بينما تنشأ المناعة ضد الفيروس لدى الشخص مع مرور الوقت عن طريق نظرية مناعة القطيع، ويصبح الأشخاص الأكثر ضعفا أقل عرضة للإصابة، وهذا هو الهدف النهائي الذي تسعى الحكومة البريطانية لتحقيقه.

 تنفذ بريطانيا نهجا من شقين، الأول، هو الشرنقة أي عزل كبار السن عن المصابين، لأن كبار السن تقل المناعة الفطرية لديهم مع تقدم العمر مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بأعراض حادة، وترك الناس تصاب بكورونا لزيادة مناعتهم، الأمر الذي سوف يخفض انتشار الفيروس داخل المجتمع في غضون شهور قليلة، وبحلول الوقت الذي يخرجون فيه من الشرنقة، تكون مناعة القطيع قد تحققت في بقية السكان، ” أما الشق الثاني هو مطالبة المواطنين بالعزل الذاتي داخل المنزل لسبعة أيام، إذا شعروا بالمرض، وهي وسيلةٌ جيدة لإبطاء انتشاره فحسب.

تلقت هذه الاستراتيجية انتقادات حادة وأثارت تساؤلات حول فعاليتها في احتواء انتشار العدوى، حيث اعتبرها الكثيرون غير ذات معنى ما لم يتخذ تدابير قوية لمكافحة هذا الوباء الخطير، نظرا لأن فيروس كورونا جديد ولا يزال غير معروف كيفية تفاعله المناعي، وإلا ستسلك المملكة المتحدة المسار الإيطالي وستحقق نفس النتائج المؤسفة

انتقادات طالت نظرية مناعة القطيع

إذا تم تطبيق هذه النظرية في بريطانيا وغيرها، فسيصاب الملايين بنوع خطير من الأمراض، ناهيك عن الآلاف من القتلى، وهذا يتجاوز قدرة الخدمات الصحية. بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد معرفة كافية بالفيروس. لذلك، في حالة انتشار وباء خطير مثل كورونا، من الأفضل التركيز على الأفعال بدلا من النظريات لمواجهة الموقف الحالي بحزم وصرامة.

كما سيكون من الأفضل منع التجمعات و الحجر الصحي وإغلاق المدارس و الجامعات و أي مكان يحتشد فيه الناس، لان هذه التدبيرات ستبطئ انتشار المرض و ستنقذ ألاف الأرواح في الوقت الحالي بدلا من التفكير في أمور مستقبلية لا يعلمها سوى الله، و كما قامت بعض البلدان بحظر التجمعات الكبيرة و أوقفت الأنشطة الثقافية و الرياضية و الدينية، تعتزم الحكومة البريطانية سن قوانين للطوارئ لحظر التجمعات العامة في محاولة للحد من انتشار فيروس كورونا بعد أن تعرضت خطة تطبيق مناعة القطيع لحملة انتقادات كبيرة، و قد تم تعليق كافة المباريات في الدوري الانجليزي حتى الشهر القادم و أيضا تم تأجيل ماراتون لندن و الانتخابات المحلية ستؤجل حتى العام المقبل بسبب فيروس كورونا.

السؤال المطروح هو: هل ينبغي لبريطانيا وبعض الدول الأخرى انتظار موقف الصين بعد خروجها من أزمة كوفيد-19، وبعد الحجر الصحي الشديد في مقاطعة هوبي حيث انتشر الوباء، وكيف نجحوا في السيطرة على الوباء بعد 7 أسابيع من الجهود القومية الهائلة، وما هي نتائج مناعة القطيع في الصين؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى