ماهي الكذبة البيضاء
الكذب من أشنع الأفعال المحظورة في الدين الحنفي، وهو من الأفعال الخبيثة والفاحشة، وقالت عائشة رضي الله عنها: “لم يكن خلق أكره إلى أصحاب الرسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب، وكان الرجل يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يزال يتلفظ به حتى يعرف أنه قد تاب عنه”، ولكن السؤال هو هل يمكن الكذب في بعض المواقف الحياتية المعينة؟ والدين الإسلامي يروي لنا القصص والمواقف التي تتعلق بالكذب، ويوضح لنا رأي النبي صلى الله عليه وسلم في كل حالة.
الكذبة البيضاء
نعلم أن الكذب من المحرمات إلا أننا نجد أن الشريعة الإسلامية قد أباحته في بعض المواضع والأمور التي تظهر بها المصلحة العامة الضرورية بالموقف بشكل أكبر وأعظم، وهذا يتفق مع قول رسول الله في حديثه الشريف، عن: أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أن النبي صل الله عليه وسلم قال: “ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيراً وينمي خيراً” متفق عليه، زاد مسلم في رواية: “ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجه”.
يظهر التفسير أن الكذب مباح إذا كان المقصد منه محمودًا ولا يمكن الوصولإلى هذا المقصد إلا بالكذب، ولذلك إذا كان المقصد مباحًا وواجبًا فإن الكذب يصبح مباحًا، ويُطلق على هذا النوع من الكذب الكذبة البيضاء.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله إنه قال: (إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صل الله عليه وسلم فَلأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ) رواه البخاري (3611) ومسلم (1066).
استدلالات العلماء حول الكذبة البيضاء
استنتج علماء المسلمين من القرآن الكريم والسنة النبوية أن حظر الكذب ليس بسبب ذاته، وإنما بسبب المفاسد التي تنتج عنه في الفرد والمجتمع. وبناء على ذلك، يكون الكذب جائزا في حالات تستخدم لتجنب المفاسد الكبيرة أو لتحقيق المنافع العظمى. ولكن يجب أن نحرص على موازنة دقيقة بين المفاسد والمنافع الاجتماعية. لا يجوز تبرير مبدأ الكذب في حياتنا باسم تحقيق المنافع. يكون الجواز للكذب في حالات نادرة تتوافر فيها الشروط الملائمة.
الأفضل والأولى بالإسلام هو الاستغناء عن الكذب باستخدام المعاريض والتورية، فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن في معاريض الكلام ما يغني الرجل عن الكذب) رواه البيهقي في ” السنن الكبرى ” (10/199)، وكلمة المعاريض تعني الكلمات التي يفهمها السامع بمعنى وهي في الواقع تحمل معنى آخر من المتكلم.
قالت أسماء: سمعت امرأة تسأل النبي صلى الله عليه وسلم قائلة: لدي ضرة وأنا أفعل أكثر من زوجي ولم يفعل شيئًا، فهل يوجد لي حق في ذلك؟ فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم: (من شبع بغير حق كان كلبسًا لثوبه الذي زور)، وهذا متفق عليه.
لذلك وجب التأكيد أن كل مقصد محمود يمكن الوصول له بالصدق أو بحيل الكذب، فالكذب في هذه الحالة حرام شرعاً، وكل من ارتكب الكذب بحجة المصلحة أو المنفعة فهو بذلك وقع في فخ الاجتهاد، قد يصيب فيه وقد يخطئ، فلا نعرف هل حقاَ تستحق تلك المنفعة أن نحلل الكذب أم لا تستحق وحينها يقع المتحدث موقع الآثم على فعله.
في حديث عن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: يقول المثل الشعبي: `ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا`، كما أنه يُذكر عن نبينا أنه أباح الكذب في حالة استرضاء الزوج لكسب حبها وإرضائها، وكذلك أجاز الكذب في الحروب.