كيف بدأ المسحراتي ” يا نايم وحّد الدايم “
مسحراتي رمضان زمان
من أهم الشخصيات المرتبطة بشهر رمضان المبارك هي شخصية المسحراتي أو المشهر أو أبو طبلة، وتختلف تسمية تلك الشخصية من دولة إلى دولة، وهي موجودة في الدول العربية الإسلامية. المسحراتي هو الشخص الذي يقوم بإيقاظ المسلمين النائمين لتناول وجبة السحور، وهي الوجبة الأخيرة قبل الصيام. يستخدم المسحراتي في تلك العملية الطبل أو المزمار لإصدار الصوت العالي، ثم يحقق الهدف الرئيسي وهو توصيل الصوت إلى الناس واستيقاظ النائمين. توجد بعض العبارات الأخرى المتداولة بين تلك الشخصيات، وتشمل بعضها العبارات ذات البعد الديني.
من الملاحظ أن التقدم التكنولوجي الحالي مثل الهواتف يمكن أن يحل محل دور المسحراتي، لكن هذا الدور لم يتوقف في العديد من الدول العربية الإسلامية، ولا يزال حتى اليوم جزءا تقليديا من شهر رمضان ويعد أحد أركان الحياة الرمضانية. المسحراتي موجود في العديد من البلدان مثل مصر وتونس وليبيا ودول الخليج أيضا. يعود هذا العرف إلى العصر النبوي، حيث كان بلال بن رباح أول من قام بهذه المهمة وكان أول من سار في الطريق ليوقظ الناس. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم `بلال ينادي في الليل كلوا واشربوا حتى يأتي ابن أم مكتوم`.
ابن أم مكتوم هو الإمام لصلاة الفجر، ومن هنا ظهرت مهنة المسحراتي وارتبطت بشهر رمضان الكريم، جاء بعد بلال بن رباح الكثير من الأشخاص الذين قاموا بنفس المهمة ومنهم عنتاب بن إسحاق في عام 228 هجريًا وكان يسير من الفسطاط إلى مسجد عمرو بن العاص وكان يوقظ الناس ويقول “ياعباد الله تسحروا في السحور نعمة”.
المسحراتي في مصر
في العصر العباسي في مصر تطور نداء المسحراتي إلى غناء أبيات شعرية تسمى “القمة” كانت تُغنى طوال الشهر، وبداية الطبل تحديدًا كانت في مصر، حيث أن بداية ظهور مهنة المسحراتي أخذت شكل النداء فقط، إلا أنها تطورت بعد ذلك في مصر وبدأ المسحراتي يتجول في شوارع القاهرة حاملًا لطبلة صغيرة وقطعة من الجلد المقوى لتساعده على إصدار الصوت.
من أشهر العبارات التي كان ينادي بها المسحراتي في رمضان “يانائم وحد الدائم” ومن العادات الأخرى أن يقوم المسحراتي بذكر أسماء بعض الأشخاص إكرامًا لهم أو الأطفال لبث فيهم السعادة، بدأت العادة تأخذ شكل المهنة في العصر الفاطمي تحديدًا في عصر الحاكم بن عمرو الله، وهو أول من أمر الناس بالنوم باكرًا بعد صلاة التراويح.
أمر الحاكم بعض الجنود بالتجول ليلاً والطرق على البيوت لإيقاظ النائمين لتناول وجبة السحور، ولكن هذه الوظيفة بدأت بالتلاشي تدريجيًا في العصر المملوكي، ولكن عادت مرة أخرى من قبل الظاهر بيبرس الذي أصر على استعادة هذه المهنة كما كانت في السابق.
المسحراتي في سوريا
في عصر الدولة الطولونية ، بدأت النساء يجلسن في نوافذ خشبية متداخلة تسمى “المشربية” ويبدأن في الغناء بأصوات عالية لإيقاظ سكان الحي على السحور. ومن الملحوظ أن مهنة المسحراتي أصبحت أكثر من مجرد عادة وأن أجورهم تختلف عبر العصور.
كان المسحراتي في الماضي يشارك في الجمع الزكوي ويحصل على بعض المحاصيل والحبوب. وغالبا ما كان يحصل على أجره بالحبوب، مثل كوب من الذرة أو القمح. كما كان يأخذ بعض الأموال من المسلمين على الطرقات. ولكن مع مرور الوقت، عادت هذه العادة إلى ما كانت عليه في البداية، ولم تعد تعد مهنة. لذلك، لم يعد المسحراتي يتلقى أجرا، بل يعتمد بشكل رئيسي على أموال المسلمين والهدايا التي يعطونه. تطورت هذه العادة بشكل مختلف من دولة إلى أخرى.
بدأت هذه العادة تتطور في مصر، ولاحظ بعض الشباب أنهم يحتاجون إلى المال، لذا قرروا استخدام الطبول، لكن ليس بالزي التقليدي وإنما بزي الشباب. بدأت الصورة التقليدية للمسحراتي تتلاشى تدريجيا، ولكن في بعض الدول، حدث التطور العكسي، حيث انتقلوا إلى التقاليد الصوفية. وفي بعض الدول العربية، تحولت الأمور إلى مجموعة من الأشخاص يحملون الدفوف ويلعبون الألحان مع الفرقة. ولكن مع تقدم التكنولوجيا ووسائل التواصل، أصبح الإنسان لا يحتاج إلى من يوقظه في الليل، ويعتقد البعض أن هذه العادة قد تنتهي. ومع ذلك، لا يزال هناك بعض الأشخاص الذين لم يتخلوا عن هذه العادة حتى الآن.
أصبح، أصبح هناك الكثير من الأشخاص الذين ينتظرون المسحراتي في شهر رمضان، حتى يشعروا بوجود هذا الشهر الكريم، وأصبح المسحراتي في الوقت الحالي ليس مجرد شخص يقوم بإيقاظ الناس، بل أصبح يعبر عن الفرحة بقدوم شهر رمضان، وأصبح يعتبر جزءاً من الطقوس المرتبطة بشدة بشهر رمضان الكريم.
مدفع رمضان في مصر
المدفع الرمضاني هو إحدى العادات القديمة التي ظهرت في قلعة صلاح الدين التاريخية منذ قرون، ويعد أحد أهم العادات التي يسمعها المصريون يوميا عند الإفطار كإشارة لبدء الوجبة.
في عام 1992، خضعت القلعة لعمليات ترميم وتطوير للمواقع الأثرية الموجودة فيها، لكن تم وقف إطلاق المدفع منذ ذلك الحين، ولكن أعلنت الجهات المختصة في مصر عن عودة إطلاق المدفع من جديد كل يوم خلال الشهر عند شروق الشمس والغروب لتحديد بداية ونهاية الصيام.
بجانب المسحراتي والمدفع، تأتي قصة فانوس رمضان كمظهر آخر في الاحتفالات الرمضانية. كانت الفوانيس في السابق تستخدم فقط للإنارة في الليل، ولكن في عام 358 هجريا، في عهد الأسرة الفاطمية، وصل المعز لدين الله في أول أيام شهر رمضان، وذهب الناس بالفوانيس ليلا ليحيوا المعز. وبذلك، أصبح شهر رمضان يرتبط بالفوانيس. تطورت الفوانيس من الشكل القديم إلى الأشكال الحديثة نتيجة حكم أصدره الفاطميون، حيث ألزموا الجميع بتنظيف الشوارع وتعليق الفوانيس على الأبواب طوال الليل.
وأمر الخليفة الحاكم بعدم مغادرة النساء إلا بصحبة صبي يحمل فانوس، ومن هنا بدأت أهمية الفانوس تزداد لذلك عملت بعض الورش على أعمال الفوانيس وابتكرت الكثير من الأشكال والأحجام الجديدة منها، وبدأت الفوانيس تأخذ شكل أكثر جمالًا، وعندما جاء العصر الحديث ومع التقدم في التكنولوجيا وتوفر الكهرباء أصبح استخدام الفانوس للمظهر فقط ولكن ليس بهدف الإنارة.
ومن هنا جاءت نقطة التحول من أن الفانوس هو وسيلة إنارة إلى أنها مجرد زينة مرتبطة برمضان، ومن ثم بدأت الورش في العمل على هذا الأساس بأن الفانوس ليس سوى زينة رمضانية، وبالتالي بدأت تكتسب الطابع الإبداعي وتظهر الألوان وحتى الأصوات التي تؤكد وتعزز فكرة أن هذه الأداة مخصصة للاحتفال بأجواء رمضان. يتساءل الكثيرون هل الفوانيس الرمضانية هي رمز ديني أم ثقافي فقط، ولكن الدكتور ناصيف يؤكد أنها ليست من الرموز الدينية لعدم وجود رموز مثل الهلال أو القمر، أو الشجرة المزخرفة التي تعود لاحتفالات عيد الميلاد المسيحية، لذلك فهي مجرد تقاليد للاحتفال بشهر رمضان الكريم.