قصيدة محمود سامي البارودي يرثي زوجته
يعتبر محمود سامي، الذي يدعى بن حسن حسين بن عبد الله البارودي، من الشخصيات المصرية البارزة، وقد ولد في عام 1838، وهو شاعر مصري له أثر كبير في مختلف أمور الحكم والسياسة، وقد تميز بالطموح وتقلد العديد من المناصب الهامة، وذلك بعد أن حقق نجاحا في السلك العسكري، كما ثقف نفسه بشكل كبير في الأدب العربي، ولا سيما في التراث الأدبي.
قرأ محمود سامي البارودي العديد من الدواوين الشعرية لكبار الشعراء وحفظ شعرهم كثيرا في بداية عمره، وأعجب بشعره العديد من الأشخاص. وقد كتب قصيدة يرثي فيها زوجته التي توفت وهي في المنفى، وتعتبر من أهم القصائد المميزة التي قدمها الشاعر محمود سامي البارودي.
قصيدة محمود سامي البارودي في رثاء زوجته
يد المنون قدحت أي زناد، وأطرت أي شعلة في قلبي
عزمي الحامل فيلق هو الذي أضعفته، وعودي الرمح البحري هو الذي كسرته
لم أدرِ هَلْ خَطبٌ ألمَّ بِساحتى … فَأَنَاخَ، أَمْ سَهْمٌ أَصابَ سَوَادِي؟
عندما تكون العيون محزنة، يسيل الدمع على الخدود مثل الأمطار الغزيرة
لم أكن أتصوّر أنني سأُصاب بحادث… حتى حدث فأصبحت ضعيفًا وعاجزًا
حتى لم يكاد جسمي يتمايلمن حسرتي، ويترنح أمام أعين الحاضرين
أَسْتَنْجِدُ الزَّفَراتِ وَهْيَ لَوافِحٌ … وَأُسَفِّهُ الْعَبَرَاتِ وَهْيَ بَوَادِي
لا لوعتي تدع الفؤاد، ولا يدي… تقوى على رد الحبيب الغادي
يا زمن، لماذا صدمتني بهذا الحدث؟ إنها خلاصة حياتي وأدواتي
إذا لم ترحم ضناك لبُعدِها… أفلا ترحم أبنائك من الأسى؟
أَفْرَدْتَهُنَّ فَلَمْ يَنَمْنَ تَوَجُّعاً … قرحَى العيونِ رواجِفَ الأكباد
تم إلقاء درر عقودهن وتصغير دُرِّ الدموع إلى قلائد الأجياد
يبكينَ من فراق ولهٍ حَفيَّة ٍ … كانتْ لَهنَّ مصدرًا كثيرًا للسعادة
وخديهن ينساب منهما الدمع، وقلوبهنَّ مليئة بالهموم
يا للأسى القمرين! ما أحزن ما حل بك بين هذا النادي؟
أؤكد لكِ أنكِ ستبقين رهينة في جوف الظلام الأسود المظلم
أَوْ أَنْ تَبِينِي عَنْ قَرَارَةِ مَنْزِلٍ … كُنْتِ الضِيَاءَ لَهُ بِكُلِّ سَوَادِ
لو كان الزمن يقبل فدية لإنقاذ حياتك، لكنت أول من يقدم نفسه للتضحية
أَوْ كَانَ يَرْهَبُ صَوْلَةً مِنْ فَاتِكٍ … لَفَعَلْتُ فِعْلَ الْحَارِثِ بْنِ عُبَادِ
لَكِنَّهَا الأَقْدَارُ لَيْسَ بِنَاجِعٍ … فِيها سِوَى التَّسْلِيمِ وَالإِخْلادِ
فبأي قدرة سأرد يد الأسى عني وأنا لا أملك سيطرتي
هل يجب أن نستعين بالصبر وهو قساوة أم أن نتحلى بالسلوان وهو تجاهل للألم
جَزَعُ الْفَتَى سِمَةُ الْوَفَاءِ وصَبْرُهُ … غَدْرٌ يَدُلُّ بِهِ عَلَى الأَحْقَادِ
وَمِنَ الْبَلِيَّةِ أَنْ يُسَامَ أَخُو الأَسَى … رَعْيَ التَّجَلُّدِ وَهْوَ غَيْرُ جَمَادِ
لا يهمني بعد رحيلك، ولن تزعجني غيابك، ويمكن لمهادي أن يصبح رخوًا
يصاحب مسيرتي ملهى، والدموع هي وسادتي
إذا انتبَهْتُ فأنتِ أولُ ما يخطرُ على بالي، وإذا استريحتُ فأنتِ آخرُ ما أُفكِّرُ بهِ
أَمْسَيْتُ بَعْدَكِ عِبْرَةً لِذَوِي الأَسَى … فِي يَوْمِ كُلِّ مُصِيبَةٍ وَحِدَادِ
أسير الضراء متخشعًا كأنني أخشى الفجاءة من صيد أعدائي
يتراوح بين حزن مكتوم وأكل الحشا، ولهيب سوترته، وسقم بارز
وصلتني البريد بغير ما كنت قد توقعته… يا للبريد اللعين، شاهد وجه المرسل
وسقطت مغشيًا عليَّ كأنها نهشت صميم القلب حية وادي
وَيْلُمِّهِ رُزءَاً أَطَارَ نَعِيُّهُ … بِالْقَلْبِ شُعْلَةَ مَارِجٍ وَقَّادِ
قَدْ أَظْلَمَتْ مِنْهُ الْعُيُونُ كَأَنَّما … كَحَل الْبُكَاءُ جُفُونَها بِقَتَادِ
كبرت مصيبته عندي بقدر ما كبرت شماتة الحساد
لا تنتقدوا جزعي ولا يُفيد اللوم، فالانتقادات لا تؤثر على قيادتي
فإذا كان لبيد قد قضى بجهد كامل … في الحزن فهو قضاء لا يتجاوزه جواد
لَبِسَ الزَّمَانَ عَلَى اخْتِلافِ صُرُوفِهِ … دُوَلاً وَفَلَّ عَرَائِكَ الآبَادِ
كَمْ بَيْنَ عَادِيٍّ تَمَلَّى عُمْرَهُ … حِقَباً وَبَيْنَ حَدِيثَةِ الْمِيلادِ
هذا ما قضته الحياة ولم تحصل تلك على شبابها المعتاد
لماذا أتبع ما يقوله ويحكمه؟ فالأشياء المتناقضة لا تكون متساوية
يا نسيم، انشر التحية والمودة إلى القبر الذي يحتضن جسد الإمام الذي أحبه
أخبره أنني بعده في مجتمع يستمدون صلاحهم من فسادي
طُبِعُوا على حَسَدٍ فَأَنْتَ تَرَاهُمُ … مَرْضَى الْقُلُوبِ أَصِحَّةَ الأَجْسَادِ
لو علموا ما في الخفاء لما قدموا للحرب. ولكن لهم الردة إذا حاولوا الهجوم
كل شخص يلتقي ربه يومًا ما، والناس في الدنيا محددون للقاءه
ويكفي وقوع الأحداث العادية كتحذير للغافلين، لو اكتفوا بما هو كافٍ
لينظر الإنسان بنظرة عاقلة إلى مصارع آبائه وأجداده
حطم الزمن وفرق شملهم في الأرض بين تهاوٍ ومنكوب
يبدو الدهر كأننا نحن من جرائر سلمه، في يوم حار كريه ومحزن
أَفْنَى الْجَبَابِرَ مِنْ مَقَاوِلِ حِمْيَرٍ … وأُولِي الزَّعَامَةِ مِنْ ثَمُودَ وَعَادِ
رمى قضاعته فاستباح ديارها، وذلك بسبب سخط سابور ذي الأجناد
تعرضت إياد لأذى على شرفه، فأصبحت الأعلام منحنية في سنداد
فاسأل المدائن فهي مصدر للعبرة عن ما رأته من حضرٍ أو بادٍ
كَرَّتْ عَلَيْهَا الْحَادِثَاتُ فَلَمْ تَدَعْ … إِلَّا بَقَايَا أَرْسُمٍ وَعِمَادِ
استظل تحت الهرمين واسأل عنهما، فإنهما لهما مكانة عالية في تلك الوادي الجميل
ألسنة الصمت تنبئك بما حدث في الدهر من عدم ووجود
أُمَمٌ خَلَتْ فَاسْتَعْجَمَتْ أَخْبَارُها … حَتَّى غَدَتْ مَجْهُولَةَ الإِسْنَادِ
فَعَلامَ يَخْشَى الْمَرْءُ صَرْعَةَ يَوْمِهِ … أَوَلَيْسَ أَنَّ حَيَاتَهُ لِنَفَادِ
تَعَسَ امْرُؤٌ نَسِيَ الْمَعَادَ وَمَا دَرَى … أَنَّ الْمَنُونَ إِلَيْهِ بِالْمِرْصَادِ
استنجِ يا محمود ربك وابحث عن معونته، فإنه الهادي النعمة
وَاسْأَلْهُ مَغْفِرَةً لِمَنْ حَلَّ الثَّرَى … بِالأَمْسِ فَهْوَ مُجِيبُ كُل مُنَادِي
هي مهجة ودعتُ يوم زوالها، وعشت بحسرة وبعد
والله لم تجف دموعي بعد رحيلك يا بنة الأمجاد
لا تعتقدي أني انحصرت مع الهوى… فحقًا، لن يتخلى الوفاء عني أبدًا
لقد كادت حسرتي تفنى لو لم أكن متوقعًا لقائك في موعدي
أرسل لك تحياتي الحارّة من قلبي كلّما نفخت الريح في المطوّقة