ادب

قصص الحب في التراث العربي بين الحقيقة والأسطورة

يزخر التراث العربي بالكثير من قصص الحب والهيام التي قد توارثها الأجيال، حيث حفلت كتب التاريخ بالكثير من الحكايات عن هذه القصص، والتي تنوعت بين الحقيقة والأسطورة، واعتبرت من أهم المصادر التي تدل على العشق الذي جمع بين أشهر الثنائيات، فبعض هذه القصص قد انتهت بنهاية سعيدة والبعض الآخر قد انتهي بنهاية مأساوية، إلا أن كل هذه القصص تميزت بالجمال والبساطة في الحب، فقصص الحب في التراث العربي اختصرت في الكثير من الأشعار حيث كان الشعر هو الشاهد الوحيد عن مدى الحب والمشاعر الطيبة، فعندما تقرأ الشعر العربي تجد الكثير من ملامح هذا الحب، وفي هذا التقرير نعرض لأجمل وأشهر قصص الحب في التراث العربي لنتعرف سويا عن مظاهر الحب الحقيقي عند العرب قديما

1- قصة حب عنترة وعبلة
ربما تكون قصة الحب التي جمعت بين فارس عبس عنترة بن شداد وابنة عمه عبلة بنت مالك من أشهر قصص الحب في التاريخ، فكانت أم عنترة جارية مما منع أبيه من الاعتراف بنسبه وهو أمر معروف عند العرب قديما، ولكن نجح في الدفاع عن أهله وتصديه للأعداء في الحروب، حتى استطاع أن يحصل على نسبة بني عبس وأصبح من الأحرار، وهو ما منع قصة حبه مع ابنة عمه عبلة من الاكتمال حتى بعد إنجازه للمهمة الأسطورية الشهيرة في جلب النوق العصافير من الملك النعمان، وانتهت القصة بالزواج.

وقيل أن عنترة قد تزوج من عبلة ولكنه قد خانها بعد الزواج نظرا لعدم تمكنها من الإنجاب، وقيل أنه قد تزوج بثمانية نساء أخريات حتى يتمكن من الانجاب، وعلى الرغم من ذلك كله إلا أنه ظل ينظم الشعر لعبلة حيث كانت حبه الأول، وهي الأخرى مقتنعة بذلك وتقول وفقا لبعض الروايات «لو ملك عنترة مائة امرأة ما يريد سواي، ولو شئت رددته إلى رعي الجمال».

2- قصة حب جميل وبثينة
قصة الحب التي جمعت بين جميل وبثينة هي أيضا واحدة من أجمل القصص التي شهدها العصر الأموي والتي انتهت بالانفصال، فقد كان جميل بن معمر يحب بثينة، وكانا من بني عذرة، بدأت قصة حبهما في مرابع الإبل وانتهت بالعشق. ومع ذلك، رفضت أهل بثينة جميل، لكن ذلك لم يمنع جميل من حبه لها. تزوجت بثينة شخصا آخر، ولكنها لم تنس حبها السابق. يقال إنهما استمرا في اللقاء سرا، وكانت اللقاءات محتشمة وفقا للروايات. وتم تسمية هذا الحب بـ “الحب العذري” تيمنا بقبيلة بني عذرة، وهو حب نقي ومتعفف.

– بعد أن ضاقت الحال على جميل، قرر السفر إلى اليمن لزيارة أخواله، وعندما عاد وجد أن بثينة هاجرت مع عائلتها إلى الشام، فهاجر هو إلى مصر وبقي هناك حتى وفاته، لكنه لم ينس حبه لبثينة وفي آخر أيامه، نشد قبل رحيله
وما ذكرتك النفس يا بثين مرة
من الدهر إلا كادت النفس تتلف
وإلا علتني عبرة واستكانة
وفاض لها جار من الدمع يذرف
تعلقتها والنفس مني صحيحة
فما زال ينمى حب جمل وتضعف
إلى اليوم حتى سلّ جسمي وشفني
وأنكرت من نفسي الذي كانت أعر

عندما علمت بثينة بخبر وفاة حبيبها، فجعت وأنشدت شعرًا في رثاءه، وقد تفاوت الرواة في وصف شخصية الجميل، فمنهم من رأى أنه عفيفًا، ومنهم من رأى أنه ماجنًا، ولكن تظل قصة الحب التي جمعت بين جميل وبثينة من بين قصص الحب الخالدة عند العرب.

3- قصة حب كثير وعزة
من أشهر قصص الحب الخالدة أيضا هي قصة حب كثير بن عبد الرحمن الأسود الخزاعي وهو من شعراء العصر الأموي، وعزة بنت جميل الكنانية، فقد فقد كثير والده منذ الصغر وعاش يتيما وعرف عنه أنه كان سليط اللسان، تربي على يد عمه في مرابع الإبل، واشتهر بهيامه بعزة واشتهر بلقب ” كثير عزة” وقد أولع بها عندما أرشدته مرة إلى موضع ماء لسقاية الإبل في إحدى رحلاته بالمراعي، ولم تكتمل هذه القصة بالزواج على عادة العرب لأنهم لم يقبلوا بزواج من يتغزل شعرا ببناتهم.

عزة تزوجت وغادرت المدينة المنورة إلى مصر مع زوجها، وتبعها الكثيرون، لكن الزوج عاد إلى المدينة المنورة وتوفي هناك. ذكر أن عبد الملك بن مروان سمع بقصصها، وفي يوم ما دخل إليها، كان قصير القامة ونحيل الجسم وأعور كما ورد.
قال عبدالملك: أأنت كثير عزة؟
وأردف: الاستماع إلى المعيدين أفضل من رؤيتهم
فأنشده قولا القصيدة الشهيرة التي مطلعها:
ترى الرجل النحيف فتزدريه
وفـي أثـوابـه أســد هـصـورُ
ويعجـبـك الطـريـر إذا تـــراهُ
ويخلفُ ظنكَ الرجـلُ الطريـرُ
بغـاث الطيـر أكثرهـا فراخـاً
وأم الصقر مقلات نزور
فقال عبد الملك: لله دره، ما أفصح لسانه، وأطول عنانه! والله إني لأظنه كما وصف نفسه.
يقال إنه عند وفاته شيعته النساء أكثر من الرجال، وكانت يبكينه وتذكر عزته في ندبهن.

قصة حب قيس وليلى (مجنون ليلى)
ومن أجمل قصص الحب قصة الحب التي جمعت بين قيس بن الملوح وليلى بنت مهدي بن ربيعة بن عامر، فقد عاشا في نجد في العصر الأموي، فبدأت قصة الحب في المرابع منذ طفولتهما، وكالعادة تم رفض زواج قيس من ليلي حتى تزوجت برجل آخر أخذها إلى الطائف، وقد اشتعلت من هنا قصة الحب الغير عادية حيث جن جنون قيس وفعل فيه الحب ما لا يمكن تخيله، فأصبح يطارد الجبال والوهاد ويمزق الثياب ويستوحش من الناس ويكلم نفسه، وقيل بعض الروايات أنه تعلق بأستار الكعبة حتى يريحه الله من حب ليلي.

عاد إلى البرية وأصبح يأكل العشب وينام مع الظباء، وقيل أنه وجد ميتاً بين الأحجار، وكانت نهايته نهاية مأساوية للعاشق المجنون، وقد وجدته امرأة كانت تحضر له الطعام، وكانت آخر أشعاره:
تَوَسَّدَ أحجارَ المهامِهِ والقفرِ
وماتَ جريح القلبِ مندملَ الصدرِ
فياليت هذا الحِبَّ يعشقُ مرةً
فيعلمَ ما يلقى المُحِبُّ من الهجرِ

5- قصة حب قيس ولبنى
هو قيس بن ذريح الليثي الكناني والذي قد عاش في زمن خلفاء الرسول عليه الصلاة والسلام، وهي لبنى بنت الحباب الخزاعية، فبدأ قصة حبهما عندما زار قيس مرابع بني حباب فطلب سقي الماء فجاءته وأغرم بها حيث كانت بهية الطلة ومديدة القامة وعذبة الكلام، وقد اختلف الروايات في نهاية قصة الحب حيث قالت بعض الروايات أنه قد تزوجها ثم طلقها لأنها كانت عاقرا، حيث طلقها استجابة لأمر والده الذي كان يرى أنه عار أن يقطع نسله ، فقال في لوم نفسه :
أتبكي على لبنى وأنت تركتها
وكنت عليها بالملا أنت أقدر
فإن تكن الدنيا بلبنى تقلبت
فللدهر والدنيا بطون وأظهر
كأني في أرجوحة بين أحبل
إذا فكرة منها على القلب تخطر

تأثر هذا الشخص بجنونه وجري بالصحاري ينشد الشعر، وتدهورت حالته بعد زواجه من لبنى وتركها، حتى تزوجت لبنى من شخص آخر وعندما علم بذلك غضب منها ووجه الخير بينه وبين هذا المجنون، واختار الطلاق والعودة إلى حب حياته قيس، وعندما عاد إليها لم يعيشوا معًا طويلاً، فحدثت وفاة لبنى أولاً ثم لهذا الشخص .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى