قصة هجوم القرامطة على مكة
من هم القرامطة
القرامطة هم جماعة دينية توفيقية تجمع بين عناصر من الفرع الإسماعيلي الشيعي والصوفية، حيث قاموا بتأسيس جمهورية طوباوية دينية في عام 899م. يرجع تأسيس القرامطة إلى حمدان بن الأشعث، المعروف باسم `قرمط`، وهو قدم من خوزستان واستقر في الكوفة حوالى سنة 273م. كان يتظاهر بالورع والزهد والتقشف، وكان يصلي كثيرا، وعندما تحدث للناس في أمور الدين، كان يظهر زهده في الدنيا ويخبرهم عن أداء الخمسين صلاة المفروضة على الناس في اليوم والليلة، حتى تم تعيينه كإمام. أقام `قرمط` بروباغندا قوية حتى اجتذب العديد من الأتباع حوله .
القرامطة هم جماعة من الشيعة الإسماعيلية، يروجون للدجل والكذب في دعوتهم لمذهبهم، وينشرون دعواتهم في المناطق النائية والمتطرفة، حيث يسهل إقناع الجاهلين والناس ذوي النظر الضعيف بمذهبهم .
يتبع القرامطة نظرية الإمامة باعتبارها واحدة من أهم مبادئ هذا المذهب، كما يتبعون أهم النظريات الفارقة في نظرية التأويل والتي تعني تفسير النصوص بما يختلف عن ظاهرها، ويحرّفون أقوال الرسل والأئمة .
هجوم القرامطة على مكة
كان القرامطة من الإسماعيلية، وهم الذين بدأوا في دعوة الإمامة القائمة لأبناء محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، وأن إمامهم هو الإمام القائم الحي. نجحوا في جذب عدد كبير من أهل البادية والفلاحين ودمجهم في مذهبهم، وبدأوا في كتابة رموزهم على أعلامهم ليرفعوها أثناء القتال، واستخدموا في ذلك الآية الشريفة “ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين” من سورة القصص .
تدرج القرامطة في دعوتهم، لجذب الناس إلى الحزن والنوح والتشييع، وإلى اتباع الإمام من أهل البيت. ثم تدرجوا تدريجا إلى الإباحة والتطرف، حيث ذكر القاضي عبد الجبار عنهم: `ألا ترى أن القرامطة والباطنية في الإحساء، بعد أن غلبوا الناس، شتموا الأنبياء وأعطلوا الشرائع وقتلوا الحجاج والمسلمين حتى فنوا، واستنجوا بالمصاحف والتوراة والإنجيل .
قرامطة اتخذوا موقفا غريبا تجاه الحجاج وقوافل الحج. في موسم الحج في عام ١٧٣٠، هاجم قرامطة البحرين مكة المكرمة، وفي الوقت نفسه استهانوا بحرمة بيت الله الحرام. رفعوا سيوفهم ضد الحجاج وسلبوا ثياب الكعبة الشريفة. قاموا بخلع باب الكعبة ونقلوا الحجر الأسود من مكانه واحتفظوا به في بلادهم لمدة حوالي ٢٢ سنة حتى أعادوه إلى مكة المكرمة. وفي تلك الفترة، ارتكب القرامطة أعمال سلب ونهب في مكة المكرمة وقتلوا حوالي ثلاثين ألفا من أهل المدينة والحجاج، وسبوا النساء .
في هجوم القرامطة، كانوا يقومون بحصد رؤوس المصلين والطائفين بشكلٍ أشد بطشًا، حتى كانوا يتبعون من يهرب إلى الجبال والوديان خشيةً منهم. وفي ذلك الوقت، صاح الناس على القرامطة وسألوهم: `أتقتلون ضيوف الله؟`، فيرد عليهم القرامطة بأنَّ من يخالف أوامر الله، فلا يكون ضيفًا لديه .
في هذه الحملة الوحشية، بلغ عدد القتلى حوالي 30 ألف شخص، وقام القرامطة برمي جثث القتلى في بطن بئر زمزم، ودفن الكثير منهم دون تغسيل أو كفن، بل استخدموا جثثهم ككومات متراكمة. وأنشد في ذلك الوقت أبو طاهر بالقرب من الكعبة البيت التالي:
أنا بالله وعلى الله أنا، هو الذي يخلق الخلق ويفنيهم
وفي ظل الهجمة الوحشية للقرامطة في قتل الحجاج والاستيلاء على أموالهم ودفنهم دون تطهير أو تكفين، قاموا بأعمال النهب والسرقة لأغلب الكنوز والمجوهرات الموجودة في الكعبة، بما في ذلك ستار الكعبة المشرفة، وقاموا بخلع الباب واستخدموه لقلعه وأرسلوا أحدهم إلى سطح الكعبة، إلا أن الله أقام قضاءه في سقوط المرسل ميتا فورا من على السطح .
في عهد القرامطة الباغية، تمت سرقة الحجر الأسود بعد أن تم اقتلاعه بالفأس أو المقلاع، وتم حمله إلى البحرين. ووفقا للسجلات التاريخية، ذكرت أن أبا طاهر قام بضرب الحجر الأسود بفأس كانت بيده في محاولة لاقتلاعه. تحطم الحجر، ثم التفت إلى الحاضرين وقال لهم: “أيها الجهلة! تقولون إن كل من يريد البيت فهو آمن، وقد شاهدتم ما قمت به حتى الآن”. فتقدم رجل من الحاضرين، الذي كان مستعدا للموت، وأمسك بلجام حصان أبوطاهر، وأجابه قائلا: “ليس المعنى كما قلت، بل المعنى هو أنه يجب أن تمنح أمانا لمن يدخل هذا البيت على نفسه وممتلكاته وشرفه حتى يخرج منه”. استوعب القرمطي هذه العظة وتحرك على حصانه دون أن يتحدث .
وجاء في التأريخ: في هذه الحملة الهجومية، تم قتل العديد من العلماء المحدثين أثناء هجوم القرامطة على الحجاج أثناء طوافهم، وكان بين الضحايا الحافظ أبو الفضل بن حسين الجارودي، إضافة إلى شيخ الحنفية في بغداد أبو سعيد أحمد بن حسين البردعي وأبو بكر بن عبد الله الرهاوي وعلي بن بابويه الصوفي وأبو جعفر محمد بن خالد البردعي الذي كان يقيم في مكة .
في ذلك الوقت، قال أحد المتحدثين بيتاً من الشعر بينما كان محاطاً بسيوف القرامطة، وكان هذا البيت الشعري:
يرون المحبون بيوتهم ضيقة كما كهف أهل الكهف فلا يدرون كم مكثوا .
لقد استمرت حكمة القرامطة في مكة المكرمة لمدة أحد عشر يومًا وفقًا لإحدى الروايات، وستة أو سبعة أيام وفقًا لرواية أخرى، قبل أن يعودوا إلى الإحساء ويحملوا معهم الحجر الأسود، وذكرت بعض المصادر التاريخية أن القرامطة قد أخذوا الحجر الأسود إلى البحرين .
لقد حافظوا على الحجر الأسود في حوزتهم لمدة 22 عامًا في البحرين، وخلال هذه الفترة، تمت محاولات عدة لاستعادة الحجر الأسود دون جدوى، من بينها عرض الخلفاء مبلغًا بقيمة 50 ألف دينار للقرامطة مقابل إعادة الحجر الأسود، لكن القرامطة أصروا على العناد .
عاد الحجر الأسود إلى مكة المكرمة في العام 339، وحمله رجل يدعى سنبر من القرامطة الذي أعاده بيده إلى موضعه، وبذلك انتهت محنة المسلمين في جميع أنحاء العالم، ولكنها بقيت كعار على جبين القرامطة .
كان القرامطة من كرسوا موضوع المهدية في خدمة أغراضهم الدنيئة . مما تسبب في إندحار جيشهم أمام الجيش العباسي مرة في عام 316 وذلك بالقرب من مدينة الكوفة ، وحينها ، سقطت رايات القرامطة من أيديهم وفروا هاربين . وهكذا فقد عمل زعماء القرامطة على استغلال هذه النقطة مع الاعتقاد السائد حول المهدية ، واتخذوها ألعوبة بأيديهم في تلك الحقبة . وبعد ذلك قامت الحكومات بملاحقة القرامطة وقتلهم ، وبخاصة لأشد المناوئين للقرامطة وهو السلطان محمود الغزنوي . وأنشد حينذاك شاعر البلاط الغزنوي “فرخي سيستاني” ، وقال :
قد أخذتَ الرَّيَّ فانظر
مُلككَ اليومَ منىً وكذا الصفّا
ثم أنشد الشاعر نفسه بعد وفاة السلطان محمود الغزنوي يرثيه قائلا:
بكيت لفرح القرامط بموتك، لأنهم لم يخشوا ولم يتراجعوا كما فعلت أنت .