قصة فتح البصرة واعادة بناءها
كانت البصرة دائمًا واحدة من أهم المدن التي سعى الخلفاء للسيطرة عليها، بما في ذلك الخليفة عمر بن الخطاب الذي كان يريد فتح البصرة لتكون جبهة ثانية ضد يزدجرد. لهذا الغرض، أرسل عتبة بن غزوان المازني إلى البصرة في الأيام الأخيرة من شهر ذي القعدة عام 15 هجرية، الموافق لأواخر ديسمبر 636 ميلادية .
أسباب اختيار مدينة البصرة
كانت قاعدة مدينة البصرة في جنوب العراق، وبالتالي تعتبر الخط الأول للدفاع ضد هجمات الجهات الفارسية العدائية. وقد أعد عمر بن الخطاب الأرضية لهذا الغرض عندما كلف عتبة بن غزوان ببناء مدينة قريبة من ميناء الأبلة. وفي هذا الميناء، يرسو السفن من الهند وفارس. وتتميز تلك المنطقة بجمال طبيعتها، سواء في البحر والمروج والحصى والصخور، محاطة بالماء والكلأ. وبالتالي، فإنها مكان مناسب تماما لطبيعة العرب .
أهداف عمر بن الخطاب في مدينة البصرة
كان هدف عمر بن الخطاب الأول هو حجز القوات الفارسية في هذه المنطقة ومنعها من التحرك شمالا، والهدف الثاني هو فتح مدينة الأبلة. فسقوط تلك المدينة يعد أحد العوامل الهامة في إرباك الفرس وضعف صفوفهم. والهدف الأسمى لكل ذلك هو دعوة هؤلاء القوم للإسلام، وإذا رفضوا، يتم فرض الجزية عليهم .
فتح مدينة الأبلة
وصل عتبة بن غزوان المازني إلى خريبة في السنة السادسة عشرة هجرية، وكان معه ثمانمائة مقاتل، وكان متمركزا بالقرب من البصرة، وكانت مدينة الأبلة مليئة بالفرس في تلك الفترة، وقد أقام عتبة لبضعة أشهر دون القيام بغزو أو معركة أو استفزاز أحد، حيث لم يكن للفرس قوة كافية لمواجهة المسلمين، وفي النهاية اضطرت قوات الفرس للانسحاب من مواقعها وتصادمت مع القوة الإسلامية، ولم يمر وقت طويل حتى انتصر المسلمون عليهم .
– شعرت حامية الفرس بالخوف والهلع عند هزيمة المسلمين لهم، وأدركت عدم فائدة المقاومة المستمرة، فانسحبت شمالا نحو الفرات وعبرتها بدون قتال، وبالتالي دخل جيش المسلمين المدينة في رجب 16 هجريا، وكان ذلك في أغسطس عام 637م .
العنصر الأساسي المقاتل في الدولة الإسلامية
اعتاد أغلب الخلفاء أن يُسندوا العرب وحدهم مهمة الانضمام إلى الجيش و تولي المناصب الهامة به ، و كان ذلك أمرًا طبيعًا ، حيث أن الشعوب الغير عربية التي دخلت الإسلام لم تكن جدية في تلك المرحلة المبكرة ، فكان العنصر العربي هو الأساسي في الجيش من أجل الاحتفاظ بشدة الروح القتالية لدى العرب .
إعادة هيكلة مدينة البصرة
– بعد هزيمة الفرس في الأبلة تمكن المسلمون من دخول البصرة و نشر الاستقرار بها ، و بدأوا في تنظيم المدينة كباقي المدن الأخرى التي سبق فتحها ، و من البديهي أن العرب وقد غادروا الجزيرة العربية كمحاربين ، و لذلك فإن التجمعات السكانية في المدن والقرى المفتوحة ظلت كالسابق ، حيث كانت تقتصر على السكان الأصليين دون اختلاط مع العرب .
طلب عتبة بن غزوان المازني الخليفة عمر بن الخطاب الإذن له بالمجيء إليه في المدينة، فأذن له، واستخلف المغيرة بن شعبة على البصرة، وأعلن الخليفة عمر بن الخطاب إمارته، وبقي في البصرة حتى شهر ربيع الأول من العام 17 هجريا، الموافق لأبريل من العام 638 ميلاديا، حتى تم استبداله بأبي موسى الأشعري، واستعاد البصرة من جديد، وشيد العديد من الأبنية باستخدام الطوب اللبن والطين، وقام بتوسيع المسجد الجامع، وتجديد دار الإمارة، وإنشاء بعض المباني المعمارية الأخرى في المدينة .