قصة حياة الشاعر الأندلسي ابن زيدون
يعتبر الشعراء العرب من أفضل الشعراء على مر التاريخ فما من عصر من العصور إلا وقد أبهرنا الشعراء بموهبتهم الفطرية التي نشأوا عليها من أول العصر الجاهلي وحتى يومنا هذا ، وعلى مدى العصور الإسلامية قد رأينا صفوة من أهم الشعراء التي برع اسمهم وحفروه على مر التاريخ فلم يكونوا مجرد شعراء بل ظل لهم دور سياسي واجتماعي استطاعوا من خلالها أن يمجدوا أسمائهم في ذاكرة التاريخ ، ومن بين هؤلاء الشعراء هو ابن زيدون وهو من أشهر شعراء العصر الأندلسي لما له من قصائد طوال بكافة فنون الشعر فله من الغزل العفيف قصائد غاية في الروعة بالإضافة إلى قصائده في الفخر وفي الرثاء ، وقد اشتهر ابن زيدون أيضا في وصف الطبيعة نتيجة لنشأته في وسط ربوع قرطبة حيث الجمال الساحر والطبيعة الخلابة لذلك نقدم حياة الشاعر ابن زيدون عن قرب .
مولده ونشأته
أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أحمد بن غالب بن زيد المخزومي ولد في عام 394 هـ و 1003 م في مدينة قرطبة. ينتمي إلى قبيلة بني مخزوم التي كانت لها مكانة عظيمة في الجاهلية والإسلام بسبب شهرتها في الفروسية والشجاعة. والده، ابن زيدون، كان من أبرز الفقهاء والعلماء وكذلك جده الذي اهتم بالعلوم وتولى القضاء في مدينة سلبم. مدينة قرطبة مشهورة بجمال مناظرها الساحرة والطبيعة الخلابة، ونشأ ابن زيدون في هذا البيئة الجميلة التي ساهمت في تنمية موهبته الشعرية. أصبح واحدا من أهم شعراء العصر الأندلسي .
بعد وفاة والده، كان ابن زيدون في سن الحادية عشرة، وتولى جده تربيته لكي لا ينحرف وراء سوء السلوك. اختار جده أسلوبا صارما وقاسيا في الرعاية، حتى تمكن من تنشئته بشكل سليم وعلمه القرآن والنحو والشعر والأدب والعلوم. لاحظ الجد في ابن زيدون علامات التفوق والنبوغ، حتى عاش في مستوى اجتماعي وثقافي مرموق. ساعده الجد على ذلك، واستفاد ابن زيدون من ذكاءه ونبوغه في جميع المجالات العلمية، والأهم من ذلك كان نبوغه في الشعر والنظم .
موهبته الشعرية
استطاع ابن زيدون أن يكون له مكان مرموقا وسط الشعراء في العصر الأندلسي وقد تواصل مع أعظم الشعراء والعلماء الكبار في ذلك العصر على الرغم من صغر سنه، حيث شغل مناصب رفيعة وأهمها وزارة الدولة، وكان يتمتع بصداقة قوية مع أبي الوليد ابن جهور، الذي كان ولي العهد. وخلال توليه منصب الوزارة، أظهر معرفته واستحقاقه، ولذا تولى مهمة القضاء، حيث برزت لديه صفات العدل والحزم والحق ودعم المظلومين. وفي نفس الوقت، لم ينس موهبته الشعرية أبدا، حيث تغنى بمختلف أشكال الشعر العربي، مثل الغزل بولادة بنت المستكفي، التي ضمنها في قصائده، وكذلك شعر الفخر والرثاء، وخاصة رثاء المدن. وكان لديه قصيدة مشهورة في رثاء مدينة الزهراء، كما برع في وصف الطبيعة، حيث وصف كل ما حوله من جمال الطبيعة .
دوره السياسي
عاش ابن زيدون في فترة عصيبة جدا واعتبرت من أكثر الفترات العصيبة في العصور الإسلامية حيث كانت فترة الفتن بين المسلمين بعضهم البغض مما استدعى الحاكم أن يستعين بإبن زيدون في فض هذه الفتن لما عرف عنه من حسن القول والفعل حيث كان من أهم الشعراء المؤثرين في الشعب ، فكان الأمر بحاجة إلى ابن زيدون خاصة من بعد قتل الكثير من المسلمين في هذه الفترة وكان أبرزهم الخليفة الأموي الذي توفي إثر هذه الأحداث حتى ظلت مدينة قرطبة مقبرة لهم طوال سنوات عديدة حتى ظهرت فتنة الطوائف والولايات .
كان لابن زيدون دور كبير في إلغاء الخلافة الأموية في قرطبة وساعد ابن جهور على تأسيس الحكومة الجمهورية، حيث استخدم شعره ومكانته المرموقة في الدولة لتحريك الجماهير. اعتمد الحاكم ابن جهور على ابن زيدون بشكل كامل، وكانت العلاقة بينهما قوية جدا في هذه الفترة. ومع ذلك، تدخلت الوشاة وزرعوا الفتنة بين ابن زيدون والحاكم الجديد، مما أدى إلى انهيار العلاقة بينهما. وخصوصا بعد انتشار قصة الحب بين ابن زيدون وابنة المستكفي، التي أحبها العديد من الشعراء، حدث تنافس حقيقي بين ابن عبدوس وابن زيدون. حاول الجميع أن يثير النعرات بين ابن زيدون والحاكم، مما أدى إلى سجن ابن زيدون. حاول التقرب من ابن جهور، لكنه فشل في ذلك. ومع ذلك، كتب نونية مشهورة عن حب ابنة المستكفي، ويقول في بدايتها
استبدلنا التداني بالتنائي، وسبب الابتعاد هو التقارب الذي نابنا
وفاته
توفي ابن زيدون في عام 1071م – 463هـ، حيث توفي بسبب التسمم عندما أرسل بوصفه القائد إلى أشبيلية لقمع الفتنة المندلعة هناك، ولكن المرض أصابه وتوفي عندما كان يبلغ من العمر حوالي الستة والستين عاما بعد رحلة حافلة بالإسهامات في الشعر والأدب، حيث تميز بمهارته في جميع فنون الشعر العربي وتميزه في الألفاظ البليغة والحس الرفيع الذي يعكس أناقة هذا الشاعر وتربيته الحسنة.