وهناك أيضا السدود القديمة الهامة الأخرى في اليمن مثل : تشمل السدود اليمنية “سد جفينة” و”سد خارد” و”سد عذراء” و”سد مقران” و”سد يثعان”، وتم الاعتراف بها بسبب تصميمها المعماري الجميل ولوفرة المياه القديمة التي تمتد من ساحل البحر الأحمر إلى حدود صحراء الربع الخالي، وتتضمن العديد من السدود الصغيرة والكبيرة المصنوعة من التراب والحجارة .

معلومات عن سد مأرب
مأرب هي مدينة ذات مكانة استراتيجية تاريخية، تقع في شمال ووسط اليمن، وتشتهر بمدينتها المحصنة القديمة في مأرب والسد المرتبط بها. كانت المدينة المركز الرئيسي للدولة قبل الإسلام في الفترة من 950 إلى 115 قبل الميلاد. المدينة القديمة تقع في واحة خصبة يرويها سد مأرب، وكانت مشهورة في العالم القديم باسم `باريس`. تعد واحدة من الطرق الرئيسية للقوافل التي تربط البحر الأبيض المتوسط بشبه الجزيرة العربية، وازدهرت بفضل احتكارها التجاري للبان والمر من اليمن والمنطقة الساحلية الجنوبية لحضرمو .

سد مأرب العربي” هو بناء تم إنشاؤه لتنظيم مياه وادي النهر “المجرى” والذي كان يعرف سابقا باسم وادي سبأ في العصور القديمة. وكان ارتفاع السد القديم حوالي 550 مترا في الطول، وكان له شكل هرمي ومقطع عرضي من الحجر، وكان له بوابات تحكم في تدفق المياه. وكان يروي أكثر من 4000 فدان، ويدعم المنطقة الزراعية ذات الكثافة السكانية العالية، حيث اعتمدت عليه أجيال من حكام سبأ وتحسنت الأعمال به. وعلى الرغم من ذلك، تعرض السد للتدمير النهائي جراء زلزال أو انفجار بركاني في القرن السابع الميلادي تحت اسم “طوفان من أريم”، وهو مذكور في القرآن الكريم، ويرد بعض الأحيان باسم “طوفان السد” أو “انفجار السد”، وهو موضوع مفضل في الأسطورة الإسلامية .

شيدت بلدة مأرب الصغيرة والمعاصرة من الحجارة من تحت أنقاض السبئية القديمة وبطول ” التلة الأثرية الطبقية”، وهي مركز لرجال القبائل البدو الذين يرعون قطعان من الإبل والأغنام والماعز ، وتربي أجود الخيول في المنطقة . تختزن مدينة القلعة للعديد من النقوش والتماثيل من الفترة السبئية ما قبل الإسلام ، وبها المعبد القديم الذي بني بدقة وبه إله القمر الذي تضرر بشدة في الحرب الأهلية اليمنية 1962-1970 .

سد مأرب العظيم :
يقع سد مأرب العظيم ، في الجنوب الغربي من اليمن ، والذي يعرف أيضا بإسم السد من ” أريم ” سد العرم ” والذي ينبع من المدينة القديمة من مأرب ، حيث كانت عاصمة المملكة القديمة سبأ ، وكانت مملكة سبأ هي الدولة التجارية المزدهرة ، وتسيطر على طرق في تجارة اللبان والتوابل في شبه الجزيرة العربية والحبشة ، حيث بنا صابئة السد للسيطرة على الأمطار الدورية الموسمية التي تسقط على الجبال القريبة ، وذلك لري الأراضي في جميع أنحاء المدينة .

تشير الاكتشافات الأثرية الحديثة إلى أن السدود الترابية البسيطة وشبكة القنوات التي تم بناؤها تعود إلى 2000 سنة قبل الميلاد. يعود سد مأرب العظيم إلى حوالي القرن الثامن قبل الميلاد، ويعتبر أقدم سد معروف في العالم. إنه من بين أروع الإنجازات الهندسية في العالم القديم. يصف ياقوت الحموي، الجغرافي العربي في القرون الوسطى، ذلك بالتفصيل
تدفق مياه الفيضانات من بين ثلاثة جبال إلى مكان واحد تم منعه في العصور القديمة عن طريق بناء حاجز من الحجارة الصلبة والرصاص في هذا الموقع. تجمعت مياه الينابيع هناك إلى جانب مياه الفيضانات وأصبحت تشبه البحر خلف السد، مما سمح لهم بسقي محاصيلهم باستخدام المياه اللازمة عن طريق فتح بوابات السد مرة واحدة ثم إغلاقها. تعرض السد التاريخي لأضرار جسيمة جراء غارة جوية سعودية في ليلة 31 مايو 201 .

الإنشاءات
يعود تاريخ بناء أول سد في مأرب الى ما بين 1750 و 1700 قبل الميلاد ، وأقرب نقش على السد وضع هناك في وقت بنائه . وكان المقطع العرضي للسد ، يمتد نحو 580 متر ، و بطول 4 أمتار ، وتجلى ذلك بين مجموعتين من الصخور على جانبي النهر ، حيث كان ذلك مرتبطا بالأعمال الحجرية الكبيرة ، مما يسمح للمفيض والأقفال بين الطرف الشمالي من السد والمنحدرات إلى الغرب .
في حوالي 500 قبل الميلاد، تم زيادة ارتفاع السد إلى 7 أمتار، وتم تعزيز المنحدر المنبع `وجه الماء` بغطاء من الحجارة، وتم تمديد الري ليشمل الجانب الجنوبي والشمالي .

وبعد نهاية مملكة سبأ ، تراجع السد تحت سيطرة الحميريون في حوالي 115 قبل الميلاد. وتعهدوا بإعادة بناء المزيد ، وإنشاء بنية عالية في محطات المياه الواسعه التي تبلغ 14 متر في كل من الناحيتين الشمالية والجنوبية ، مع خمس قنوات للمفيض ، واثنين من أقفال البناء المقوى ، وبركة تسوية ، وقناة طولها 1000 متر تصل إلى خزان التوزيع ، وفي الواقع لم يتم الانتهاء من هذه الأعمال الواسعة النطاق حتى عام 325 م ، حيث سمحت بري 25000 فدان .

اعمال الصيانة
زعم المؤرخ المسلم الأصفهاني أن الاختراق الشهير للسد وقع قبل حوالي أربعمائة عام قبل الإسلام، ولكن يعزو ياقوت الحموي هذا الحدث إلى حكم الحبشة .
تشير المصادر العربية الجنوبية القديمة، التي تعود إلى حوالى 145 قبل الميلاد، إلى أن السد تعرض لتهديد كبير خلال الحرب بين شعب ريدان ومملكة سبأ. يذكر أن هذا التهديد أدى إلى انهيار السد وحدوث فيضان هائل في أريم، والذي تم ذكره في القرآن الكريم والأمثال العربية المتحدثة عن أيدي سبأ في ذلك الوقت. وقد تسبب تأخر إصلاح السد في خسائر كبيرة في الزراعة والثمار، مما دفع الكثير من الناس إلى الهجرة بحثا عن أراض جديدة تدعم الحياة. وقد تبع ذلك هجرات ضخمة جدا، ولكن لا يزال الأمر غير مؤكد بالضبط عندما حدث الانتهاك الذي أدى إلى “طوفان من أريم”، حيث استغرقت بعض الهجرات عدة قرون. ويعزى أيضا هذا الانتهاك إلى كسر ضلع من السد، وعموما تم إصلاح السد مرتين قبل ظهور الإسلام في وقت قريب .

يشير الإشارة العلمية إلى وجود آثار سد مأرب ناتجة عن تراكم الطمي وراء السدود في العصور القديمة، والإجراءات التي يتم اتخاذها لتمديد الفترة التشغيلية للسد. يعتبر سد مأرب قد احتجز مياه الفيضان للسماح بري الواحات على مدى عدة قرون، وارتفعت الطبقات الطينية في المياه المستخدمة في الري والحقول المروية إلى حوالي 15 مترا، مما أدى إلى خسائر في المنحدر والنقل، وأثارت مشاكل في التعوي .

بالإضافة إلى وجود فتحات تصريف صغيرة للمياه الزراعية، ربما استخدمت هذه الفتحات الكبيرة على جانب المنبع في السد أثناء البناء لتدفق الماء من النهر، ولكن يمكن أيضا استخدامها لتنظيف الرواسب المتراكمة بشكل دوري. تظهر هذه الأمثلة أن المهندسين في تلك الحقبة كانوا على دراية ووعي بمشاكل تراكم الرواسب في الخزان وتمكنوا من تمديد فترة عمره التشغيلية بنجاح، وواجهوا نفس المشاكل التي واجهوها في السد القديم أيضا أثناء بناء السد الجديد .

رغم زيادة الطول، إلا أن السد تعرض للعديد من المخالفات، حيث وقعت حوادث كبيرة في الأعوام 449 و450 و542 و548، وأصبحت أعمال الصيانة مرهقة بشكل متزايد .

الخرق النهائي
وذكر تقرير القصص المحلية أن السد تعرض للاختراق النهائي من قبل ملك يدعى عمران، والذي كان أيضا كاهنا، وفيما بعد أصبح زوج الملكة. وتشير الأسطورة إلى أن السد تم اختراقه بواسطة فئران كبيرة تلتهمه بأنيابها وتخدشه بأظافرها، وذلك في عام 570 أو 575. وفي هذه المرة، ترك السد دون إصلاح، وتم اختراق وتدمير سد مأرب، وكان ذلك حدثا تاريخيا مذكور في القرآن الكريم .

جاء في القرآن الكريم: `لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال، كلوا من رزق ربكم واشكروا له، بلدة طيبة ورب غفور، فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذوات أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل`. صدق الله العظيم

السد الحالي
في الآونة الأخيرة ، تم بناء السد الجديد على مقربة من الموقع القديم ، وكان ذلك على نفقة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ، الحاكم الراحل لدولة الإمارات العربية المتحدة ، حيث أعيد توطينهم من مأرب إلى دولة الإمارات العربية المتحدة الحالية ، وأجرى حفل الافتتاح في عام 1986 بحضور صاحب السمو الشيخ زايد .

يمتد السد الجديد لمسافة تقدر بحوالي 38 مترا إلى 763 مترا، وتم بناؤه عبر وادي ضانا، ويمتلك القدرة على تخزين 398 مليون متر مكعب من المياه، ويقع السد على بعد 3 كيلومترات من منبع أنقاض سد مأرب القديم والسد الجديد، وتم تصميمه لتخزين المياه لري سهول مأرب، وعلى الرغم من ذلك، فإن قاع الوادي في موقع السد الجديد يتألف من الطمي والحصى والمواد الرملية التي يبلغ سمكها من 30 إلى 50 مترا، وتتسرب المياه من هذا السد مما يهدد بنيته، ومع ذلك، لا يفقد المياه .

ويجري النظر في إعادة بناء سد مأرب القديم ، على حد سواء باعتباره بنية العمل ، وأيضا بمثابة معلم تاريخي وسياحي ، ويتم تحديد حجم العمل ، والمشاركه في هذا المشروع ممايجعل من الضروري عمل منظمات تعمل معا تحت رعاية اليونسكو ، وذلك باستخدام المساهمات المالية من المنظمات الدولية . شيدت السدود الحديثة في اليمن ، مثل سد Batis ومأرب ، لتستخدم في جمع المياه للسكان .

وتم بناء سد مأرب دون إجراء دراسة لتقييم التأثير البيئي، وظهرت بعض الآثار غير المتوقعة للسد في عامي 1995 و 1996. تمت دراسة تأثير السد على جودة المياه والزراعة والمياه الجوفية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. يمكن أن يتسبب السد في تشكل بحيرة محملة بالمغذيات النباتية عندما تكون الفيضانات ضعيفة، ولا يتم التحكم في نمو الطحالب. ومع ذلك، تم إدخال سمك البلطي النيلي لمكافحة نمو الطحالب. يؤثر السد بشكل إيجابي على الزراعة والمياه الجوفية وفقا لخطة الري المصممة، ولكن له أيضا تأثير سلبي على الأوضاع الصحية في المناطق المحيطة بالمصب، مع زيادة الصراعات المتعلقة بتوزيع المياه. ومع ذلك، يؤثر السد بشكل إيجابي على النساء من خلال تمكينهن من المشاركة في العمل الزراعي واتخاذ القرارات. كما يؤثر السد على مستويات دخل المزارعين ويعزز السياحة .