قصة الصراع بين الفرس والروم
كانت هناك حروب عديدة بين الفرس والروم، استمرت لعدة قرون بين الإمبراطورية الرومانية وبلاد فارس، حيث كان كل جانب يسعى للفوز بالمزيد من الأراضي والتفوق العسكري على حساب الجانب الآخر، ولكن آخر حرب بينهم كانت بسبب بعض الثورات التي كانت تدعمها الرومان في منطقة القوقاز والتي كانت تحت السيطرة الفارسية .
طموحات الامبراطورية الرومانية
يمكن للسياسات التي تتبعها كل دولة أو الفروق الثقافية بها وكذلك بعض الحروب الصغيرة أن تتحول إلى واحدة من أشهر الحروب في التاريخ والتي يعرفها العالم كله اليوم، فمنذ وقت طويل كانت الإمبراطورية الرومانية الشرقية تسعى لتكون حليفا عسكريا مع تركيا ودول وسط آسيا الشرقية ضد بلاد فارس، وكانت الإمبراطورية الرومانية في الغرب، أما المملكة الفارسية فكانت تقع في الشمال بين الأتراك والرومان .
كانت الرومان يسيطرون على اليمن بشكل كبير، ولكن الفرس قدمت الدعم لحلفائها لاستعادة اليمن من أيديهم. لم يحدث أي تعارض مباشر بينهم، حيث كان كل طرف يتعامل مع حلفائه داخل حدوده. وكان للمسيحيين دور كبير، فقد كانوا في منطقة الأناضول ومنطقة القوقاز تحت حكم الفرس، وكانوا يعانون من حالة تمرد دائمة، حيث لم يكن لديهم أي سعادة تحت حكم الفرس، ودفع ذلك لهم للتوسل إلى الإمبراطورية الرومانية باسم دينهم المشترك لإنقاذهم .
في عام 570م، قام الرومان بتوقيع اتفاق سري لدعم التمرد الأرمني ضد الساسانيين، وكانت البداية الفعلية للتمرد في عام 571م، تلاها ثورة أخرى في إيبيريا. وكانت الفرصة مواتية للرومان، حيث رفض الإمبراطور جوستين الثاني عقد معاهدة السلام المعتادة في ذلك العام، وهو عام 572م. منذ ذلك الحين بدأت الحرب بين الفرس والرومان لمدة عشرين عاما .
بداية الحروب
في بداية عام 572م، هزم الفارسيون الأرمن بقيادة فاردان ماميكونيان واستولوا على مقرهم في دفين، ولكن سرعان ما استعاد الفرس المدينة. ومن ثم، استولت الأرمن والرومان على المدينة بعد فترة قصيرة، وبدأت الحرب المباشرة بين الرومان والفرس .
بانضمام الرومان إلى الايبيريين في تحالف مع الشعوب المسيحية في المنطقة، انحصر ميزان القوة في منطقة القوقاز حول الأرمن بشكل كبير، وساعد الرومان القوات الرومانية في الدخول إلى قلب الأراضي الفارسية .
سقوط دارا
في بلاد ما بين النهرين الرومانية بدأت الحرب الكارثية، وذلك بعد انتصار سارغاثون في عام 573م، ووضعوا حصارًا لقلعة نصيبس وكانوا على ما يبدو على وشك الاستيلاء على الحاجز الرئيسي لحواجز الحدود الفارسية، ولكن الإقالة المفاجئة للجنرال مرسيانوس أدت إلى تراجع غير منظم بين الصفوف .
وقد كانت القوات الفارسية تحت قيادة شاه خسرو الأول، وهاجمت بسرعة واقتلعت دارا من بين ايديهم وحاصرها خسرو، مستخدمًا جدرانه المتحركة التي تركها الروم وراءهم في نصيبس، ولكن لم يكن من السهل أخذها وكان يبدوا على الفرس اليأس تقريباً، وبعد حصار دام ستة أشهر ضاعت المدينة من أيدي الفرس .
تم تنفيذ غزو في سوريا تحت قيادة أدرمهان، ووفقا للتقارير، تم تدمير حتى جدران مدينة أنطاكية. يبدو أن سوريا لم تشهد حربا لمدة ثلاثين عاما، وذلك لأن السكان لم يتعرضوا لهجمات معادية وتم إعفاءهم منها. وبالتالي، أصبحوا غير معتادين على رؤية المشاهد الحربية بدرجة أنهم لم يتخذوا تدابير للدفاع عن أنفسهم. ويقال إن الأسرى الذين تم احتجازهم ونقلوا إلى بلاد فارس وصلوا إلى عشرات الآلاف .
في عام 572م، أمر الإمبراطور جوستين الثاني باختطاف حليفه العربي غسان الملك المنذر الثالث. ويقال إن القبيلة الموالية للروم لم تقم بأي شيء لمساعدة الإمبراطورية خلال هذه المرحلة من الغزو الفارسي .
في عام 574، وافق الرومان على دفع 45،000 عملة معدنية لهدنة لمدة عام واحد. وفي وقت لاحق من هذا العام، تم تمديد هذه المدة إلى خمس سنوات، مع ضمان دفع 30،000 عملة معدنية سنويًا. تنطبق هذه الهدنات فقط على منطقة ما بين النهرين، وفي أماكن أخرى استمرت الحرب .
حملة شاه خسرو
في عام 575، توصلت الرومان إلى اتفاق مع الغساسنة لحل خلافاتهم. وفي نفس العام، استغلت القوات الرومانية الوضع المواتي في القوقاز لشن حملة عسكرية في ألبانيا القوقازية. وفي عام 576، انطلق خسرو لتحقيق واحدة من أعظم طموحاته من خلال توجيه ضربة طويلة المدى للروم من القوقاز إلى الأناضو .
شارك الشاه في الحملة ولكن واجه صعوبات خطيرة في بلد جبلي ولم يتلق الدعم الكافي، وبدأ في التراجع، ولكنه اضطر بالأسف للدخول في معركة، واندلعت المعركة في مكان ما بين سيباستي ومليتين، ربما في وادي نهر ميلاس، ونجم عنها انتصار تام للروم، واضطر خسرو إلى الفرار من معسكره إلى الجبال، وترك وراءه أثاث خيمته التي تحتوي على غنائم ضخمة .
انتهاء الهدنة بين الفرس والروم
في عام 578 وصلت الهدنة في بلاد ما بين النهرين إلى نهايتها ، وتحول التركيز الرئيسي للحرب إلى تلك الجبهة ، وسعى خسرو مرة أخرى للسلام في عام 579 ، لكنه توفي قبل التوصل إلى اتفاق ، وفي عام 580 حقق الغساسنة المؤيدون للروم نصرًا آخرًا على المؤيدين للفرس ، بينما اخترقت الغارات الرومانية مرة أخرى شرق دجلة ، وفي هذا الوقت تقريباً ، تم تعيين خسرو الثاني في أرمينيا ، والذي نجح في إقناع معظم قادة المتمردين بالعودة إلى الولاء الساساني ، على الرغم من أن أيبيريا ظلت مواليّة للروم .
وفي السنة التالية فشلت حملة طموحة على طول نهر الفرات من قبل القوات الرومانية بقيادة موريس والغساسنة في إحراز تقدم، في حين شن الفرس تحت قيادة أدرمهان حملة مدمرة في بلاد ما بين النهرين ، وقد استمرت الحرب من بعد عام 580 من خلال غارات ومداهمات مضادة ، وكان يتخللها محادثات سلام فاشلة ، وقد حدث أكبر صدام بين الفرس والروم في معركة سولاشون عام 586 و انتهى بانتصار الروم .
حرب أهلية في بلاد فارس واكتساح الروم
في عام 589، كانت الحرب مستعرة على جميع الجبهات في آسيا الوسطى والقوقاز وحدود الصحراء العربية. وكان الفرس في آسيا الوسطى بقيادة الجنرال بهرام تشوبين الذي انتخب لقيادة جيش ضد القبائل التركية في تلك المنطقة. نجح بهرام في هزيمة جيش تركي كبير وصده الهجمات الرومانية والإيبيرية في القوقاز. ولكن بعد تعرضه لهزيمة طفيفة في معركة نهر أراكس في أذربيجان ضد الرومان، أهانه شاه هرمزد الرابع وأرسل إليه ملابس نسائية لارتدائها .
ونظرًا لغضبه من هذا الإذلال أثار بهرام تمردًا سرعان ما حظي بدعم الكثيرين من الجيش الساساني ، وقام بإطاحة وقتل الشاه هرمزد ، فتولى خسرو الثاني الحكم ، وواصل بهرام تمرده بصرف عن ذلك وسرعان ما أُجبِر خسرو المهزوم على الفرار بحثا عن الأمان إلى الأراضي الرومانية ، في حين أخذ بهرام العرش .
بدعم من الإمبراطور موريس عمل خسرو على استعادة العرش ، وكسب تأييد الجيش الفارسي الرئيسي في نصيبين وأعاد Martyropolis لحلفائه الروم ، وفي وقت مبكر من عام 591 هُزم جيشا بعث به بهرام من قبل أنصار خسرو قرب نصيبين، واشدت الصراع بين الجانبين إلى أن حقق الروم بالتعاون مع خسرو انتصارًا ساحقًا على الفرس ، واستعاد خسرو الثاني السلطة وانهى الحرب ، وهرب بهرام إلى الأتراك في آسيا الوسطى واستقر في فرغانة ، بعد مرور بعض الوقت قُتل على يد قاتل مأجور أرسله خسرو الثاني .
أصبحت الروم مهيمنة واستولت الفرس على العديد من المدن الرومانية، وتمتد السيطرة الرومانية الفعالة في القوقاز إلى أقصى حد، وعلى عكس الهدنة السابقة ومعاهدات السلام التي كانت تشمل دفع الروم للأموال لاستعادة الأراضي المحتلة، فإن هناك تحولا كبيرا في الميزان القوة هذه المرة .