قصة أبو الأسود الدؤلي مع طليقته
تعد قصة أبي الأسود الدوؤلي مع طليقته مثالا للنزاعات المتكررة في مجتمعاتنا العربية، حيث قامت تلك المرأة بموقف شجاع أمام حاكم البصرة لتثبت أن المرأة لديها الحق في أولادها بغض النظر عن الموقف الاجتماعي لزوجها، حتى وإن كانت تواجه أبو الأسود الدوؤلي، الفقيه والمحدث المشهور، صاحب الحجة القوية.
الزوجة الفصيحة :
تدافع أبو الأسود الدؤلي وزوجته حول ابنهما الذي يرغب في أخذه منها، فقد قررا أن يلتجآ إلى زياد الذي يقيم في البصرة. وقالت المرأة: “أصلح الله الأمير، هذا الابن هو مصدر راحتي، ومنزله هو بطني، ومصدر إرضائي هما صدري، أنا اللتي رعيته عندما كان نائما وحميته عندما كان يستيقظ. ولم أتوقف عن ذلك طوال سبع سنوات حتى أصبح كامل الخصال وقوي البدن. وعندما بدأت في رؤية فائدته وأملت في أن يكون قادرا على العطاء، أراد والده أن يأخذه مني بالقوة.
فقال أبو الأسود : أسعد الله قلبك يا أمير، هذا ابني الذي حملته قبل أن يحملني، ووضعته قبل أن أضع، وأنا أعتني به في تربيته وأراقب تحركاته، وأمنحه رحمتي وألهمه علمي حتى يسيطر على عقله ويستقر في تملكه، فردت المرأة: صدقت، ولكنه حملني بخفة وحملته بثقل ووضعته بشهوة ووضعته بكره! فقال زياد: والله، أنت وضعتي بين الدليلين وقارنتي بين الحجتين، ولم يكن لديك أي حجة لتقدميها، وهذا ما حسم الأمر لصالحه.
استوكفت أوصاله : أي كبرت.
أكلؤه إذا نام : أي أوفر له نومًا مريحًا هانئًا.
من هو أبو الأسود الدؤلي الذي تفوقت عليه المرأة بفصاحتها؟
أبو الأسود الدؤلي هو ظالم بن عمرو بن سفيان الدؤلي الكناني المتوفي عام 69 هـ، أحد سادات التابعين وأعيانهم وفقهائهم شاعر ومحدث من الدهاة حاضرِي الجواب ، وضع علم النحو في اللغة العربية وشكّل أحرف المصحف، وضع النقاط على الأحرف العربية بأمر من الإمام علي بن أبي طالب، لقبه العرب بملك النحو.
على الرغم من قوة وبصيرة ذلك الرجل، لم يتمكن من التغلب على أقوى عاطفة خلقها الله على الأرض، وهي عاطفة الأمومة. وقفت المرأة بكل قوة وكرامة للدفاع عن حقها في ابنها. سهرت عليه الليالي وقدمت له الحب والرعاية، وراقبت حالته عندما مرض، ووقفت بجانبه عندما كان ضعيفا. حينما حان وقت الحصاد وتم زرع ما تم زرعه، أراد أبوه أن يأخذ الطفل منها مدعيا أنه له الحق. ولكن المرأة أجابت على هذه الحجة بشدة، متجاوزة الحاضرين حينما قالت: حملته في الخفاء وحملته بثقل، يعني أنني حملته عندما كان مجرد ماء وحملته كجنين كامل، ووضعته بين شهوة وعن رضا ووضعته وهو مكروه، وتحملت آلاما شديدة. فكيف يمكنه مقارنة ذلك بأي شيء آخر؟.
لم يفعل الحاكم والأمير شيئًا سوى أن قالا لها إنك وزنت بين الحجتين وقارنت الدليل بالدليل، ولم تجد لك سبيلاً عليها، وبعد أن تيقنا أن أمه هي الأولى بها، قضوا بالولد لها.