صفات الشعراء الصعاليك وخصائص شعرهم

لم يكن الشعراء الصعاليك معارضين لشعائر قبائلهم وعاداتها وتقاليدها، إنما كانت المعارضة تنحصر في المجال الفني، وتميزت هذه المعارضة بابتكار أسلوب شعري فريد يعبر عن تأثير العوامل البيئية التي واجهوها بشكل إبداعي وتنوع في موضوعاته وهيكله الفكري.

الشعراء الصعاليك

من هم الشعراء الصعاليك؟. تم اطلاق لقب الصعاليك على جماعات من العرب القدماء، الذين نشئوا في العصور الجاهلية قبل ظهور الإسلام، وقد ضاع صيتهم في الجزيرة العربية بأكملها. وهم من قبائل عربية متفرقة، تمردوا وخرجوا عن سلطة قبائلهم ونكروا العادات والتقاليد التي نشأوا عليها واختاروا العيش والتفرد بنمط حياة وأفكار معارضة لمبادئ وقوانين وسلطة قبائلهم حتى طردوا منها للعراء.

في العصر الجاهلي، اتجهت غالبية الصعاليك إلى كتابة الشعر وابتكروا أسلوبا خاصا من الشعر العربي، الذي اشتهر به عن غيرهم من الشعراء في ذلك الوقت. ومن بين الشخصيات البارزة التي تميزت في ذلك الوقت وما زالت ذاكرتها حية حتى اليوم هو الشاعر الشنفري وعروة بن الورد والسليك بن سلكة.

صفات شعراء الصعاليك

من بين صفات الشعراء الصعاليك التي وردت في لسان العرب: الفقر، حيث كان الصعلوك يعرف بأنه شخص لا يملك شيئا من المال والزاد. ومع ذلك، لم تكن هذه الصفة كافية لتحديد ملامح شخصية الصعلوك. فرأى الباحثون أن هذه الصفات كانت موجودة في أغلبية العرب في ذلك الوقت، وربطوا بين الصعاليك وبين صفات التمرد والثورة على النظام القبلي الذي فرض عليهم، ولم يحقق لهم التوازن الاجتماعي الذي كانوا يطمحون له، مما دفعهم إلى اتباع مسار صراعي ومعارضة بدلا من التعاون والتأقلم مع شرائع قبائلهم.

وكنفي قطعي لاعتبار الفقر والعوز المادي الصفة الغالبة على الصعاليك، عدم حاجة عروة بن الورد للمال حيث أنه لم يكن بحاجة له في المطلق. وهو ما يؤكد أن الصعلكة لم تكن إلا رد فعل متجرد من الأسباب المادية المتمثلة في العوز، إنما نهجا قائما على التمرد والنفور من فكر قبائلهم وشعائرها.

ومن بين صفات الشعراء الصعاليك، يعتبر محاربتهم للأغنياء الأشحاء ومظاهر الرفاهية التي استمتعوا بها وحرموا غيرهم منها أكثر صفاتهم بروزا. وتميزوا بالشجاعة والصبر في الظروف الصعبة والتعرض للأعداء بسرعة، حتى وصفوا بالعدائين، وكان يستخدمون كثيرا في المثل القائل “أعدى من السليك” و “أعدى من الشنفرى”. ورويت العديد من الأساطير عنهم في هذا الصدد، حيث يقال عن الشاعر الذي يعتبر شاعر صعاليك أنه يتحمل الأذى بسرعة مثل شخص يمتلك رجلين وساقين وعينين.

بالإضافة إلى ذلك، تمكنوا من ركوب الخيول والاعتداء بها. وكانوا يكرهون الظلم الناجم عن الاستغلال المادي وقلة المال. واشتهر عروة بن الورد العباسي بلقب `عورة الصعاليك`، وعندما يأتيه شخص يشتكي من فقره، يعطيه حصانا ورمحا ويقول له: `إذا لم تستغن بهما، فلا يغنيك الله`. وكان فارسا يقود الصعاليك في عدة غزوات لجمع المال بقدر استطاعته.

حتى أن زوجته سألته يوما عن وجهته فرد:

يا رب، اجعلني غنياً لأسعى، فقد رأيت أن الفقير هو شر الناس

والأقربون في الحب أولى بالمعروفِ وإن أمسى لهم حَسب وخيرُ

ويُقصيه النّديّ وتزدريه.. حليلتُه وينهرُه الصغيرُ

يتلقى الشخص الغني جلالًا، وقد يشعر صاحبه بالحماسة الشديدة

ذنبه قليل ولكنه جمّ، والغني رب غفور

خصائص شعر الصعاليك

اختص شعر الصعاليك بما يلي:

توجد اختلافات كثيرة بين الشرط وجواب الشرط، ولذلك استخدم الشعراء الصعاليك بنية صرفية متنوعة في شعرهم، مما أضفى جمالية وتميزاً على أشعارهم وابعدها عن الرتابة، كما استخدمواالأدوات الشرطية مثل “لولا” و “لو” في شعرهم.

يتضمن استخدام جمل الوظائف النحوية، مثل الجمل الخبرية الاسمية، سواء كانت مستقلة أو غير مستقلة. وكان شعرهم متنوعًا من حيث تركيبه اللغوي واستخدام الأدوات النحوية، مثل الحروف المشبهة بالفعل والأفعال الناقصة، والتنويع بين الجمل الاسمية والفعلية وجمل الحال.

من خصائص شعرهم تعبيرهم عن حالتهم وتوجهاتهم ونقمهم على الفقر بأسلوب ونمط إيقاعي جميل ومؤثر، وقد استخدموا في ذلك جمل الصفة التي كانت الأكثر استخداما وورد فيها الخبر شبه الجملة، وذلك لتحقيق غرض بلاغي يتمثل في الاهتمام بالتقديم.

-استخدام الخيال، حيث يركزون على الخيال في شعرهم ويستمدونه من تجاربهم الحسية التي مروا بها بالفعل خلال حياتهم. وهذا يجعل شعرهم يؤثر في النفوس ويسعد السامعين ويقنعهم بمحتواه. ويتميز أسلوب شعرهم أيضا بالتركيز على التحليل والترتيب، وهذا يخلق شكلا من أشكال الإبداع الفني المميزة للشعراء الصعاليك.

-إضافة إلى استخدام التشبيه والاستعارة اللذان خدما شعر الصعاليك في شكله وبنياته، وظهر في العديد من أبيات الشاعر الشنفرى منها قوله { تُلف الحوايا حول الخيوط الحاملة كما تُلف خيوط ماري التي تتشابك}، والذي وصف فيه نفسه على أنها تلك النفس الأبية القانعة والصابرة في مواجهة الظروف القاسية ببأس وقوة.