سيرة الحاجب المنصور ” محمد بن أبي عامر “
نسبه وسيرته : محمد بن أبي حفص عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عامر بن أبي عامر، الملقب بـ”أبو عامر”، ولد عام 327 هجرية في الجزيرة الخضراء، وكان أبوه عبد الله من طلبة العلم وتوفي في أثناء عودته من الحج، وأمه “بريهة بنت يحيى” من أشراف قرطبة، وجده “عبد الملك المعافري” كان من الأوائل الذين دخلوا الأندلس مع “طارق بن زياد
تدرجه في المناصب: غادر “محمد بن أبي عامر” المنطقة الخضراء إلى قرطبة لتعلم الشريعة، ثم عمل ككاتب للرسائل والعرائض أمام قصر الزهراء، ونجح في هذه المهمة بسبب أسلوبه الرائع والمتميز
رشح الحاجب “جعفر المصحفي” “محمد بن أبي عامر” عند الخليفة المستنصر بالله لمهمة وكالة “عبد الرحمن” أول أولاد الخليفة، فعينه عام 356 هجريا بعد أخذ موافقة أم عبد الرحمن “صبح البشكنجية”. ونظرا للكفاءة التي أبداها “أبو عامر” فقد وضع فيه الخليفة ثقته وولاه دار السكة في نفس العام.
أبدى أبو عامر نشاطًا وحماسًا كبيرين في العمل المسند إليه، مما دفع الخليفة إلى تكليفه بالعديد من المهام والمسؤوليات، حيث تم تعيينه على خطة المواريث بعد عامين في 358 هجريًا، ومن ثم تم تكليفه برئاسة قضاء “أشبيلية” و “لبلة” في نفس العام.
ومع ذلك، قدر الله وتوفي عبد الرحمن وهو طفل في سن صغيرة، وبقي `أبو عامر` في خدمة `صبح` حتى ولد `هشام` في عام 359 وأصبح وكيلاً له أيضًا.
ولاه الأمير بالحكم على الشرطة في العام 361 هجريًا، ثم أُرسل إلى المغرب في عام 362 لاستدراج رؤساء وملوك قبائل البربر لينضمويصبحوا جنودًا في خدمة الخلافة الأموية، وبعد ذلك ولاه قضاء المغرب.
ربطت “أبا عامر” و”صبح البشكنجية” زوجة الخليفة وأم ولي العهد “هشام المؤيد بالله” علاقة قوية ووطيدة، وكانت خير عون له على إقصاء كل المنافسين. وبشكل ما، استغل “أبو عامر” هذه النقطة فقيد من سلطات “هشام” وأمه. وبعد وفاة الخليفة، صار “أبو عامر” هو حاجب الخليفة الصوري “هشام المؤيد بالله” ابن الخليفة المستنصر بالله، والخليفة الفعلي للدولة الأموية في الأندلس.
تمكن أخيرا من مقاليد الحكم، وبنفوذه وعلاقاته واستراتيجياته الحربية الناجحة استطاع تحريك الحملات العسكرية لغزو الممالك النصرانية المجاورة وترسيخ حكم الدولة الأموية في المغرب. وبلغت الدولة الأموية في عهده أوج وقمة عنفوانها ومجدها. كان له أكثر من 54 بيت في مدينة الزهراء. وقام بـ57 غزوة لم يهزم في أي منها قط.
علاقته بـ”صبح البشكنجية”: ترددت أقوال المؤرخين في هذه النقطة الحساسة، ولكن ما ثبت أن “أبو عامر” كان دائم اللجوء لاستمالتها بالهدايا والتحف والخدمة المتفانية، وأشهر ما قدمه لها من هدايا كان نموذجا لقصر صنع من الفضة حين كان وليا لدار السكة، وقد كلفه مبالغا طائلة لصنعه
وقد أبدى العديد من رجال الملك شكوكا حول نشاط `أبي عامر`، وذلك بسبب تقدمه السريع في المناصب ولقبه لدى الخليفة وتفضيله على الآخرين من الكفاءات الكبيرة، وخاصة بسبب صغر سن `أبي عامر` مقارنة بأعمار رجال الدولة في ذلك الوقت. اتهم `أبو عامر` بالتلاعب بأموال دار السكة، وقام الخليفة بمراجعته في هذا الأمر. وبالفعل، قام `أبو عامر` بإنفاق هذه الأموال وتمكن من الخروج من هذه الورطة عن طريق اقتراض المال من الوزير `ابن حدير` لتعويض النقص.
سماته الشخصية: كان قويا، مهيبا وشجاعا، ومتحمسا للعلم ومحبا لمجالسة الأشخاص، وكان جيدا في الحوار والمحادثة وكان له رأي وحكم قويان. ومع ذلك، كان يحب الوقار والهيبة، ويكره أن يتم التعامل معه بطريقة غير لائقة أو أن يتم تقديره بشكل غير كاف
كان شخصًا كريمًا ومتسامحًا، وكان يقدم دائمًا وجبة لكل شخص يدخل منزله، وكان كريمًا جدًا مع العلماء والأدباء على إبداعاتهم، ولكنه كان ينتقد ويمنع أي اهتمام بالفلسفة والكلام عن النجوم والتحايل على العقيدة.
وفاته: توفي في المدينة السالمية ببرغش أثناء عودته من إحدى الغزوات في اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان عام 392 هـ، متأثرا بجروحه، وتم دفنه في موضع وفاته كما أوصى
كان له ثلاثة أولاد هم “عبد الملك” و “عبد الرحمن” و “عبد الله” الذي تم قتله عام 380 هـ. وتولَّى عبد الملك الحُكم بعد وفاة أبيه، ثم تولَّى بعده أخوه عبد الرحمن بعد وفاته عام 399 هـ.