سيرة أم المؤمنين ” مارية القبطية ” هدية المقوقس
نسبها وسيرتها: هي السيدة مارية بنت شمعون القبطية، ولدت في قرية `حفن`، والقبط هم أهل مصر، وأهداها الملك المقوقس حاكم مصر للنبي عليه السلام في سنة 7 هجرية، وكانت ابنة أحد الأشراف القبط. تزوجها النبي عليه الصلاة والسلام وأنجب منها `إبراهيم` الذي توفي في صغره.
قصة إرسال المقوقس بمارية القبطية للنبي عليه السلام:
بعد صلح الحديبية، اهتم النبي عليه السلام بنشر الدعوة في جميع أنحاء العالم، وبدأ يُكَاتِبُ الحكام والملوك ويدعوهم فيها إلى الدخول في الإسلام، وكانوا من بينهم كسرى ملك فارس وهرقل ملك الروم والمقوقس ملك مصر والنجاشي ملك الحبشة.
كانت ردودهم جميعاً إيجابية على خطابات النبي الحسنة، وقد ردوا عليها برد جميل، باستثناء كسرى الذي قام بتمزيق كتاب النبي عليه السلام.
تم إرسال كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس بواسطة البليغ الفصيح حاطب بن أبي بلتعة. دخل المقوقس عليه وبدأ في قراءة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. استمع المقوقس لكلام حاطب وأعجبه، وقال: `قد نظرت في أمر هذا النبي ووجدته لا يأمر بأمر مرفوض ولا ينهى عن مطلوب، ولم أجده متبعا للسحرة الضالين أو الكهان الكاذبين. ووجدت معه علامات النبوة من خلال إظهار الأسرار ونقل الأخبار بالنجوى. سأنظر وأتأمل.
أخذ الكتاب وختم عليه بختمه، وكتب للنبي عليه السلام يرد عليه:
” بسم الله الرحمن الرحيم، إلى محمد بن عبد الله، من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً بقي، وكنت أظن أنه سيخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديتُ إليك بغلة لتركبها والسلام عليك ”
والجاريتان هما: قام النبي عليه الصلاة والسلام باختيار مارية القبطية وأهداها إلى شاعره المادح حسان بن ثابت الأنصاري، إضافةً إلى أختها سيرين بنت شمعون وعشرين ثوبًا وبغلةً خاصةً به وشيخًا كبيرًا وألف مثقال من الذهب.
مكانتها عند النبي عليه السلام:
كان النبي يحفظ للسيدة مارية رضي الله عنها نسبها ومكانة قومها. فقال عليه الصلاة والسلام لجيوش الفاتحين: انكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحماً، وقيل: نسبًا وصهرًا. والنسب هنا هو من جهة هاجر زوج سيدنا ابراهيم عليه السلام، والصهر هو من جهة زوجته مارية القبطية.
نزلت في السيدة مريم العديد من آيات سورة التحريم، وقد ذكرت في الأحاديث والتفاسير من قبل العلماء والفقهاء في تصنيفاتهم، وقد ارتقى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راضٍ عنها، إذ كانت أماً لابنه إبراهيم، وكانت تحرص على إرضائها رضي الله عنها.
حدثت السيدة عائشة رضي الله عنها أنها كانت تشعر بالغيرة الشديدة من مارية القبطية، التي كانت جميلة وفاتنة بمظهرها الجميل. وكانت تراقب بانتباه كيف يهتم النبي صلى الله عليه وسلم بها، فتقول: “لم أغب عن امرأة ما غبت عن مارية، لأنها كانت جميلة بشعرها المجعد، فأعجب بها رسول الله واستأنس بها أولا في بيت لحارثة بن النعمان، فكانت جارتنا. وكانت تكون عنده الليل والنهار، حتى انتهينا منها، فشعرت بالغضب وانتقلت إلى مكان مرتفع، وكان يذهب لزيارتها هناك، وكان ذلك صعبا علينا.
إنجابها لإبراهيم بن محمد بن عبد الله: سرمت السيدة مارية بصولة ابنها إبراهيم للنبي عليه السلام، وفرح النبي بذلك بشدة، إذ كان قد فقد أولاده جميعا إلا فاطمة الزهراء، وكان عمره يقترب من الستين. سماه النبي “إبراهيم” تيمنا بسيدنا إبراهيم. ولكنه توفي قبل أن يكمل عامه الثاني.
حمله النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينزاع الموت، ومات بين يديه، وبكى عليه بكاء الصابرين المحتسبين وقال حين سأله عبد الرحمن بن عوف بكائه: هل تبكي يا رسول الله؟ فأجاب:نعم، فإن البكاء على الميت رحمة، وقال: “إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإن فراقك يا إبراهيم يحزننا.
وفاتها: توفت في شهر محرم في سنة ١٦ هجري، وصلى عليها سيدنا عمر بن الخطاب وعدد من الصحابة والمهاجرين، وقادوا جنازة كبيرة لدفنها بجوار نساء أهل البيت وإلى جانب ابنها إبراهيم.