سر تبخير أهل الحجاز للكاسات في رمضان
شهر رمضان هو شهر فريد جدا بكل ما فيه، إذ أفرد الله سبحانه وتعالى هذا الشهر بالصيام والقيام، ليصبح الشهر الذي يتميز بنسمات إلهية لا توجد في أي شهر آخر، حتى أن شهر رمضان ارتبط عندنا بالتقاليد والعادات، ولكل مدينة طقوسها المميزة في قضاء هذا الشهر الكريم. في الحجاز، هناك عادات وتقاليد مختلفة تماما تضفي طابعها الخاص على كل بيت بالحجاز. تبدأ الأجواء الرمضانية في الحجاز بتعليق الفوانيس عند الأبواب وتمتلئ مائدة الطعام بالأطباق الحجازية الشهيرة. كما ينتشر عبق البخور، وهو جزء هام من التقاليد الحجازية التي تمت وراثتها عبر الأجيال لآلاف السنين. يحرص الجميع على تبخير أوانيهم ببخور المستكة. فما هو سر استخدام بخور المستكة في تبخير الكؤوس؟ سنوضح ذلك في هذا المقال.
تبخير الكاسات عند أهل الحجاز
تعتبر رائحة بخور المستكة منتشرة في معظم منازل الحجازيين وعلى موائد طعامهم، وذلك ابتداء من شهر رمضان الكريم. ففي هذا الشهر الكريم، يحرص ربات البيوت على تبخير أواني المنزل والأكواب وتعطيرها ببخور المستكة، وهذا من التقاليد الرمضانية التي تتوارثها الأجيال في الحجاز منذ فترة طويلة. وقد تمسك الأبناء بهذه التقاليد من جيل إلى آخر، وعلى الرغم من اختلاف العادة في معظم مدن المملكة، إلا أنها تتفق في مواعيدها خلال شهر رمضان، حيث يحرص الأهالي دائما على إحضار الماء المبخر بالمستكة الذي يضفي رائحة جميلة وله فوائد صحية. ويحرص الأجداد أيضا على توريث هذه العادة من خلال وجودها على مائدة الإفطار في كل عام.
وعملية تبخير الأواني المنزلية بالمستكة تتم عن طريق إشعال الجمر بالنار، ووضع حباب من المستكة عليها، وتتم أيضا تبخير أكواب الماء أو فناجين القهوة والترامس والصحون، لمدة تقارب العشر دقائق، حيث يتم وضع الأواني بالمقلوب حتى تحتفظ برائحة البخور لتعطي رائحة وطعما مميزا عند استخدامها.
تاريخ عادة تبخير الكاسات
وفقا للتاريخ، فإن عادة تبخير الكؤوس والأواني في رمضان، بدأت في المدينة المنورة وانتشرت منها إلى مدن الحجاز. ورغم اندثار هذه العادة في معظم المدن، إلا أن أهالي المدينة لا يزالون يحتفظون بها كجزء من تراثهم وعاداتهم وتقاليدهم في الشهر الكريم. وقيل أيضا أن سبب انتشار تلك العادة يعود إلى استخدام القدماء لوعاء كبير من الفخار لتخزين الماء في ظل عدم توفر الكهرباء، وكان الأهالي يقومون بتبخيره بالمستكة لتبريده وإضفاء رائحة طيبة عليه في نفس الوقت.
بالإضافة إلى الرائحة الطيبة التي ينبعثها البخور، وخاصة بخور المستكة عند تبخير الأواني والأكواب، فإن له فوائد عديدة. فهو ينقي الأواني من أي روائح كريهة قد تلتصق بها، ويطهرها أيضا من أي مسببات للأمراض. ويبعد الحشرات، خاصة البعوض، كما يساعد في محاربة البكتيريا والفطريات. ولذلك، تحرص ربات المنازل على الاحتفاظ بهذه العادة، وتبخر الزجاجات الموضوعة في الخارج تحت الأشجار لتعطي رائحة طيبة. ويقومن أيضا برش الأكواب بماء الورد للحصول على طعم الماء اللذيذ، خاصة ماء زمز.
بخور المستكة
يحرص العطارون في بداية رمضان من كل عام على توفير المستكة، حيث يكثر الطلب على شراء المستكة من أجل تحضير بخور المستكة، للقيام بعادة تبخير الكاسات والأواني قبل أذان المغرب للحصول على كاسات مبخرة ، والمستكة هي عبارة عن مادة صمغية يتم استخراجها من جذور أشجار المستكة، ولها ألوان متعددة، على حسب نوعها وجودتها، فمنها الأبيض والأصفر والرمادي، وتختلف أيضا استخداماتها فمنهم من يستخدمونها كمطيبات للطعام، ومنهم من يستخدمها في تحضير أطيب أنواع البخور، ومنها من يستخدمها في صناعة العطور والمواد التجميلية.