ادب

خصائص الشعر في العصر الإسلامي

الشعر في العصر الإسلامي

عندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم، كان هناك عدد من الشعراء في مكة، وبعد أن هاجر النبي إلى المدينة، قام الشعراء المشركون بالتطاول على نبي الله وأتباعه، فدافع شعراء الأنصار عن الإسلام ودينهم، ومنهم حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، وتسببت هذه الخصومة في زيادة الشعراء في مكة في كتابة أشعارهم، ومنهم عبد الله بن الزبيري، وضرار بن الخطاب، وأبو سفيان بن الحارث.

موقف الدين الإسلامي من الشعر

في العصر الإسلامي كان هناك بعض الشعراء ممن اعتنقوا الإِسلام دون شعراء مكة والمدينة، وهؤلاء قد قلت أشعارهم أو توقفت، ومنهم (لبيد بن ربيعة العامري، كعب بن زهير)، وهذا يرجع إِلى ورع هؤلاء الشعراء وعدم إطلاقهم العنان لألسنتهم، إذ أن الإِسلام قد نفَّر من الشعر السيء، في حين أنه لم يقم بتحريم الشعر كله، إذ ورد في القرآن الكريم (وَالشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ* أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ* وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) [ سورة الشعراء من الآية 224 إلى 227] وفي الآية لا يوجد تحريمًا للشعر.

موقف الحديث الشريف من الشعر

لقد ذُكر في الحديث الشريف: الحديث يذكر أن ملء جوف أحدنا بالقيح أفضل له من ملء شعره، وذلك للتحذير من الشعر السيء، ولكن لم يتم حرمان الشعر بشكل عام، ويؤكد الحديث الآخر للرسول صلى الله عليه وسلم على أنه يوجد حكمة في الشعر، وقد قال أيضًا: “أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد”، وهذا يعني أن كل شيء في الحياة باستثناء الله باطل.

خصائص الشعر في العصر الإسلامي

يمكنُ تقسيمُ خصائصِ الشعرِ في العصرِ الإسلاميِ إلى خصائصِ المعاني والأسلوبِ، وفيما يلي توضيحٌ لكلٍّ منهما:

خصائص المعاني في العصر الإسلامي

لقد أثر الإسلام على الشِعْر وأدىإلى تغيير معانيه في العصر الإسلامي عن معانيه في العصر الجاهلي، ومن بين التغييرات التي حدثت وأصبحت خصائص الشِعْر الإسلامي:

  • توظيف المعاني لخدمة الإسلام وتوسيع دائرة نشره.
  • يتضمن الشعر بعض المعاني التي استوحت من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، وبذلك يكون الشعر أكثر وضوحًا ويتجنب التخبط في المعاني.
  • من أبرز المعاني التي تم التركيز عليها هي خشية الله والتقوى، وهذا لا يعني أن المعاني انفصلت تمامًا عن الصورة التي كانت عليها في الجاهلية، ولكنها قم قامت فقط بالتخلص من تلك الأشك التي نفيتها الإسلام واحتفظت ببعض الصور الأخرى للمدح بحدود معتدلة وصور الحماسة في المعارك.

خصائص الأسلوب في العصر الإسلامي

تغيرت الأساليب الشعرية بعد الجاهلية، ولم يقتصر التغيير في خصائص الشعر على المعاني فقط، بل ظهر ذلك من خلال:

  • تأثر الشعراء بأساليب القرآن الكريم والأحاديث الشريفة في كتابة شعرهم.
  • أصبح الأسلوب الشعري بالابتعاد عن الجفاف والغلظة، وأصبحت الأشعار تحتوي على العواطف الإسلامية الرقيقة.
  • تميل الألفاظ إلى اليسر والبساطة، وظهرت كلمات جديدة مثل (الجنة، النار، الثواب، العقوبة، الكفر، الإشراك) وكلمات أخرى مقدمة من الإسلام.
  • ابتعد الشعراء عن التكلف والصنعة في ألفاظهم وتراكيب الشعر، وانتقلوا إلى السهولة والترسل، مما أدى إلى تحرر الشعر من تعقيدات الشعر الجاهلي وثقل ألفاظه.

أغراض الشعر في العصر الإسلامي

تقريبا لا يختلف هدف الشعر في العصر الإسلامي عن الأغراض القديمة في الشعر، باستثناء قصائد الدعوة إلى الإسلام والفتوحات. ومع ذلك، فإن المغزى المشتمل عليه تلك الأغراض يكون مختلفا عن المغزى في العصر الجاهلي. وفيما يلي توضيح لأغراض الشعر في العصر الإسلامي:

  • المدح

المدح في العصر الإسلامي كان هدفه هو الإشادة بالإسلام والنبى صلى الله عليه وسلم، إذ أن هدف الشاعر ليس الحصول على المال كما كان الجاهليون يفعلون، ولكن هدفه كان أن يرفع راية الإسلام ويدعو له لكي يدخل العرب فيه، والدليل على هذا قول عبد اﷲ بن رواحة:

                                          يا هاشم الخير إن الله فضلكم       على البرية فضلا ما له غير
إني تفرست فيك الخير أعرفه       فراسة خالفتهم في الذي نظروا
ولو سألت إن استنصرت بعضهم       في حل أمرك ما آووا ولا نصروا
فثبت الله ما آتاك من حسن       تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا
  • الهجاء
اشتعلت نيران الهجاء بين الشعراء في مكة والشعراء في المدينة بعد أن هاجر نبي الله من مكة، والمعاني التي وردت بهجاء شعراء المدينة كانت معاني مختلفة، فمن الممكن أن يستخدم الشاعر المعاني المألوفة مثل رمي أخصامه بالهروب من المعارك والجبن، وقد يستخدم الشاعر المعاني الجديدة من رمي المهجو بالكفر والشرك، أما بعد أن فُتحت مكة فإن الهجاء قد تضاءل ولم يكن له مكانة كبيرة، كما أن الخلفاء الراشدين قد منعوا الشعراء من سب الناس والتعرض لأعراضهم.
  • الحماسة
لقد صاحبت الأشعار الحماسية في العصر الإسلامي الدعوة الإِسلامية، إذ أنه هو الشعر الذي يعمل على تشجيع المقاتلين المسلمين على أن يقاتلوا والاعتزاز بانتصاراتهم على المشركين، ومن الشعراء الذين برعوا فيها كعب بن مالك، ومنها ما قاله في معركة أحد:
البحر وسطها … أحابيش منها حاسرة ومقنعة
                                            نصيبنا ثلاثة آلاف، سواء كنا زيادة أو أربعمئة وثلاثة
  • الرثاء
وهو من الأغراض التي كان لها مكانة في العصر الإسلامي، فالحروب مشتعلة بين المسلمين والمشركين وفيها مات الكثير من المسلمين، وقد قال عبد اﷲ بن رواحة في رثائه لحمزة بن عبد المطلب رضي ﷲ عنهما ما يلي:
                                           بَكَت عَيني وَحَقَّ لَها بُكاها      وَما يُغني البُكاءُ وَلا العَويلُ
عَلى أَسَدِ الإِلَهِ غَداةَ قالوا      أَحَمزَةُ ذَلِكَ الرَجُلُ القَتيلُ
                                            عَلَيكَ سَلامُ رَبِّكَ في جِنانٍ     مُخالِطُها نَعيمٌ لا يَزولُ

أشهر شعراء العصر الإسلامي

عاش العديد من الشعراء في العصر الإسلامي، ومن بين أشهرهم:

  • كعب بن زهير

كان من الشعراء البارزين في العصر الجاهلي، وعند ظهور الإسلام، هاجم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجاء وكان يسيء للنساء المسلمات. فقد هدر الرسول دمه، وبعد ذلك، جاءه كعب وهو آمن وقد أسلم، ثم ألقى عليه لاميته الشهيرة التي تبدأ بالبيت `بانت سعاد فقلبي اليوم متبول`. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعفو عنه وخلع عنه بردته. يجدر بالذكر أنه كان من أفضل الشعراء في الشعر، وفيما يلي بعض الأبيات من لاميته

بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ    مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُجزَ مَكبولُ
وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا     إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ
هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً     لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ
تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت    كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلولُ
شُجَّت بِذي شَبَمٍ مِن ماءِ مَحنِيَةٍ     صافٍ بِأَبطَحَ أَضحى وَهُوَ مَشمولُ
تَجلو الرِياحُ القَذى عَنُه وَأَفرَطَهُ     مِن صَوبِ سارِيَةٍ بيضٍ يَعاليلُ
يا وَيحَها خُلَّةً لَو أَنَّها صَدَقَت     ما وَعَدَت أَو لَو أَنَّ النُصحَ مَقبولُ
لَكِنَّها خُلَّةٌ قَد سيطَ مِن دَمِها     فَجعٌ وَوَلعٌ وَإِخلافٌ وَتَبديلُ

  • العباس بن مرداس

عاش هذا الشخص في عصري الجاهلية والإسلام، وأسلم قبل فتح مكة، وكان قلبه مؤلفًا، وتوفي في عهد عمر بن الخطاب. وكان له بعض القصائد، واحدة منها:

لَعَمري إِنّي يَومَ أَجعَلُ جاهِداً      ضِماراً لِرَبِّ العالَمينَ مُشارِكا
وَتَركي رَسولَ اللَهِ وَالأَوسُ حَولَهُ      أُولَئِكَ أَنصارٌ لَهُ ما أُولَئِكا
كَتارِكِ سَهلِ الأَرضِ وَالحَزنَ يَبتَغي      لِيَسلُكَ في غَيبِ الأُمورِ المَسالِكا
فَآمَنتُ بِاللَهِ الَّذي أَنا عَبدُهُ      وَخالَفتُ مَن أَمسى يُريدُ المَمالِكا
وَوَجَّهتُ وَجهي نَحوَ مَكَّةَ قاصِداً      وَتابَعتُ بَينَ الأَخشَبَينِ المُبارَكا
نَبِيٌّ أَتانا بَعدَ عيسى بِناطِقٍ      مِنَ الحَقِّ فيهِ الفَصلُ مِنهُ كَذَلِكا
أَميناً عَلى الفُرقانِ أَوَّلَ شافِعٍ      وَآخِرَ مَبعوثٍ يُجيبُ المَلائِكا
تَلافى عُرى الإِسلامِ بَعدَ اِنفِصامِها      فَأَحكَمَها حَتّى أَقامَ المَناسِكا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى