حقائق عن الشدة المستنصرية
في عهد الخليفة المستنصر بالله، حدثت الشدة المستنصرية عام 475 هـ (1065-1071)، واستمرت لمدة سبع سنوات مليئة بالجوع والقحط، وأدت إلى تحول المصريين إلى أكلة لحوم البشر، ووصل سعر البيضة إلى عشرة قراريط، وحفنة الدقيق إلى ألف دينار، واختفت القطط والكلاب من الشوارع، وحدثت حالات اختطاف وقتل بدون ترك آثار جثث، وظلت هذه الحالة تستمر لسبع سنوات حتى استعان المستنصر بالوزير بدر ابن عبد الله الجمالي الذي نجح في إنهاء هذه الأزمة وجلب الخير والرخاء لمصر، وكرمه الناس وأطلقوا على حي الجمالية اسمه تخليدا له.
متى حدثت الشدة المستنصرية ؟
حدثت في عهد الخليفة المستنصر بالله الفاطمي في القرن الرابع هجريًا عام 457 هـ، وامتدت لسبع سنوات وقد اشتهر الحاكم المستنصر بالله بحكمته وعدله إلا أن البلاد تعرضت في فترة حكمه، إلى محنة عصيبة جداً، بعد أن عاشت فترة طويلة من الرخاء والازدهار الاقتصادي فقد انخفض منسوب نهر النيل، وجفت الأراضي الزراعية، ونفد المخزون من الحبوب حتى صارت مجاعة كبيرة أتت على كل أخضر ويابس.
آكلي لحوم البشر :
يروى المؤرخون عن هذه الفترة أنها من أصعب المحن التي مرت على المصريين، فقد تصحرت الأراضي وهلك الناس وحرموا الطعام وصارت النقود بلا قيمة فلا يوجد ما يشترونه حتى أنهم أكلوا الميتة والقطط والكلاب التي اختفت من الطرقات، ويروى أن الوزير دخل إلى أحد البيوت لزيارة من فيها وعندما خرج وجد بغلته قد أكلت، فما كان منه إلا أن ألقى القبض على ثلاثة رجال ممن التهموا البغلة وقام بصلبهم، إلا أنه عند الصباح لم يتبقى من هذه الجثث سوى العظام فقد التهمها الناس، كما يروي المؤرخون أنه كان هناك زقاق ضيق أطلق عليه الناس اسم زقاق القتل، فالداخل مفقود فقد كان أصحاب البيوت يصطادون المارة عن طريق بعض الخطاطيف لأكلهم.
ثمن البيضة عشرة قراريط :
لم تعد الأموال ذات فائدة وأصبحت بلا قيمة في ظل ندرة المواد الأساسية، حتى وصل الأمر إلى بيع عشرة قراريط مقابل بيضة واحدة، ويُروى أن سعر رغيف الخبز الواحد كان يصل إلى خمسة عشر دينارًا، وسعر روية الماء الواحدة كان دينارًا واحدًا.
يقول المؤرخون إن امرأة ذهبت إلى السوق لشراء بعض الدقيق بمقابل عقد ثمين يبلغ ثمنه ألف دينار، وفي الطريق نهبها الناس واستولوا على الدقيق، ولم يتركوا لها سوى ما يكفي لصنع رغيف واحد. فقامت بالصعود إلى مكان مرتفع ونادت في الناس بصوت عال: `يا أهل القاهرة، أدعوا لمولانا المستنصر بالله الذي أسعد الله الناس في أيامه وأعاد عليهم بركات حسن نظره، حتى تعوضني عن هذا الخسارة الكبيرة التي لحقت بي بعد أن نهبوا مقابلي
انعدمت مظاهر الحياة في المحروسة :
نتيجة للخطف والنقص في المؤن والغذاء، اضطر الناس للبقاء في منازلهم، وأصبحت الشوارع خالية من المارة والأسواق خالية من البائعين، حتى الطرقات فقدت حيويتها بسبب انعدام الكلاب والقطط. أصبحت القاهرة مهجورة، حيث تم بيع المنازل والمجوهرات مقابل كمية صغيرة من الدقيق أو قطعة من الخبز. تدهورت الأوضاع للناس حتى هرب منهم من استطاع الفرار، حتى الخليفة بيع الرخام الموجود على مقابر آبائه مقابل الخبز. ويروي المؤرخون أن عدد المصريين في هذه الفترة تراجع إلى أدنى مستوى في تاريخ مصر، حيث توفي ثلث سكانها.
بدر ابن عبدالله الجمالي :
بعد أن استعان الخليفة المستنصر به لحل الأزمة، تمت إزالة هذه الغمة عن المصريين بفضل الجمالي، الذي اشترط أن تكون سلطته أعلى من سلطة الخليفة كشرط لحل الأزمة. ووافق المستنصر على طلباته وعينه وزيرا للدولة، حيث قام بزراعة الأراضي ووضع حراسة عليها وتخصيص المحصول بالكامل للفلاحين لمدة ثلاث سنوات متتالية. وعندما فاض النيل مرة أخرى وغمرت البلاد بالخير، تلاشت الغمة عن المصريين، وقد أكرموهم السكان بإطلاق اسمه على أحد أشهر أحياء القاهرة، وهو حي الجمالي.