تفسير سورة المسد وسبب نزولها
{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)} [سورة المسد: 1-5]، نزلت الآيات في أبي لهب عم رسول الله وزوجته أم جميل.
سبب نزول سورة المسد
قال البخاري: عندما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى البطحاء وصعد الجبل، نادى: `يا صباحاه`. فاجتمعت قريش حوله، وقال: `هل تصدقوني إذا قلت لكم أن العدو يقترب منكم في الصباح أو المساء؟` فقالوا: نعم. فقال: `إني نذير لكم بعذاب شديد قريب`. فقال أبو لهب: هل لهذا تجمعتنا
تبًا لك. فأنزل الله: من سورة المسد: {تبت يدا أبي لهب وتب}.
تفسير سورة المسد
{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}: أي خسرت وخابت، وضل عمله وسعيه، {وتب}: أي تاب واستقام قبل فوات الأوان وتحققت خسارته وهلاكه، {ما أغنى عنه ماله وما كسب}: وفقا لابن عباس وغيره، لم ينفعه ماله وولده، وذكر عن ابن مسعود أنه عندما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه للإيمان، قال أبو لهب: “إن كان ما يقوله ابن أخي صحيحا، فإنني أفدي نفسي يوم القيامة بمالي وولدي”، فأنزل الله: {ما أغنى عنه ماله وما كسب}، {سيصلى نارا ذات لهب}: أي ذات شرارة ولهيب وإحراق شديد، {وامرأته حمالة الحطب}: وكانت زوجته من سادات نساء قريش، واسمها أروى بنت حرب بن أمية وهي أخت أبي سفيان، وكانت عونا لزوجها في كفره وجحوده وعناده، لهذا ستحمل يوم القيامة الحطب على ظهرها لتزيد من عذابه، وهي مستعدة لذلك، {في جيدها حبل من مسد}: أي تحمل الحطب وتلقيه على زوجها ليزداد عذابه، وهو مهيأ لذلك بحبل من مادة مسد.
من هي أم جميل
هي زوجة أبي لهب، وقد كانت تساعده في عداوته لرسول الله في الحياة الدنيا. وحسب ما ذكره مجاهد وعكرمة، كانت تنمر على الناس وتنشر الشائعات. وقد صرح العوفي نقلا عن ابن عباس أنها كانت تضع شوكة في طريق رسول الله. وقال ابن جرير: ويقال إنها كانت تسخر من النبي صلى الله عليه وسلم بسبب فقره، وكانت تحمل حطبا وتعيره به. وقال سعيد بن المسيب: كانت تملك قلادة فاخرة، وأعلنت أنها ستنفقها في عداوتها لمحمد، ونتيجة لذلك، عقبها الله بحبل من النار يلتف حول عنقها.
وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: عندما نزلت سورة تبت يدا أبي لهب، تقدمت العوراء، أم جميل بنت حرب، ولها ولولة وفي يدها فحر، وهي تقول:
مذممًا أبينا ودينه قلينا وأمره عصيــــــــــــنا
كان رسول الله يجلس في المسجد وبصحبته أبو بكر. عندما رأته أبو بكر، قال له: يا رسول الله، لقد اقتربت وأنا قلق أن تراني. فأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: `لن تراني`. ثم قرأ آية من القرآن ليعتصم بها كما قال الله تعالى: `وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا` [الإسراء: 45]. واقتربت حتى وقفت أمام أبو بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت له: يا أبا بكر، أخبرتني أن صاحبك هجاني؟ فرد عليها أبو بكر قائلا: `لا، ورب هذا البيت، ما هاجاك`. ثم رحلت وهي تقول: `قريش قد علمت أنني ابنة سيدها`.