تفسير الآية ” والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان “
يقول الله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ۚ ذٰلك الفوز العظيم} [سورة التوبة: 100]
فضل الآية ابن كثير
تعد الله تعالى عن رضاه عن المهاجرين السابقين والأنصار ومن يتبعهم بإحسان، ورضاهم بما أعد لهم من جنات النعيم. قال الشعبي: السابقون الأولون هم الذين شاركوا في البيعة الرضوانية في عام الحديبية. وقال الحسن وقتادة: هم الذين صلوا إلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخبر الله العظيم أنه راض عن المهاجرين الأوائل والأنصار ومن تبعهم بإحسان. فويل لمن يبغضهم أو يسبهم، أو يبغضهم أو يسب بعضهم.
يعد الصديق الأكبر والخليفة الأعظم أبو بكر رضي الله عنهما من أفضل الصحابة وخيرهم، خاصة بعد الرسول، ولكن الرافضة يعادونهم ويبغضونهم ويسبونهم، وهذا يدل على أن عقولهم وقلوبهم معكوسة، ويترضى أهل السنة عن من رضي الله عنهم، ويسبون من سبهم الله ورسولهم، وينتمون لحزب الله المتبعين والمقتدين وليس المبتدعين، ويوالون من يوالي الله ويعادون من يعادي الله، وهؤلاء هم الذين ينجحون.
تفسير الآية القرطبي
{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} فيه سبع مسائل:
الأولى: عندما ذكر جل وعز أنواع الأعراب ، ذكر المهاجرين والأنصار ، وأشاد بهم ، وأشار إلى أن بينهم الذين هاجروا سابقا والذين انضموا بعد ذلك ، وقد اختلفوا في أعدادهم وأنواعهم. سئل أنس بن مالك عن قول الناس للأنصار: `أليس هذا هو الاسم الذي سماكم الله به في الجاهلية؟` فقال: `بل هو الاسم الذي سمانا الله به في القرآن` ، وذكره أبو عمر في التذكير.
الثانية: يشير نص القرآن إلى تفضيل الأشخاص الذين هاجروا في البداية من المهاجرين والأنصار، وهم الذين صلوا في اتجاه القبلتين. هذا وفقا لقول سعيد بن المسيب وطائفة، ووفقا لأصحاب الشافعي فهم الذين شهدوا بيعة الرضوان في الحديبية، وقال الشعبي. ووفقا لمحمد بن كعب وعطاء بن يسار، فهم أهل بدر. واتفقوا على أن هؤلاء الأشخاص الذين هاجروا قبل تغيير اتجاه القبلة هم المهاجرون الأولون دون خلاف بينهم.
الثالثة: بالنسبة للأفضلية، قال أبو منصور البغدادي التميمي: يتفق أصحابنا على أن الخلفاء الأربعة هم الأفضل، ثم الستة الذين تبقوا حتى العشرة، ثم البدريون، ثم أصحاب أحد، ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية.
الرابعة: بالنسبة لأول إسلامي، روى مجالد عن الشعبي قائلا: سألت ابن عباس من كان أول من أسلم؟ فقال أبو بكر، أو ربما سمعت حسان يقول ذلك
إذا تذكرت معاناة أخي، فتذكر أخاك أبا بكر بما فعله
أتقى الخلق وأعدلهم هو خيرهم، بعد النبي وأوفاهم بما يتحملون
أول الناس الذين صدقوا الرسل هم الذين سيشهدون المحمود الثاني
وقيل: روي عن زيد بن أرقم وأبي ذر والمقداد وغيرهم أن أول من سلم على النبي صلى الله عليه وسلم. قال الحاكم أبو عبدالله: لا يوجد خلاف بين أهل التواريخ بأن عليا كان أول من أسلم. وقيل: أول من أسلم زيد بن حارثة. وذكر معمر نحو ذلك عن الزهري. وهذا هو قول سليمان بن يسار وعروة بن الزبير وعمران بن أبي أنس. وقيل: أول من أسلمت خديجة أم المؤمنين. وروي ذلك عن الزهري أيضا، وهذا هو قول قتادة ومحمد بن إسحاق بن يسار وجماعة، وروي أيضا عن ابن عباس. وزعم الثعلبي المفسر أن العلماء اتفقوا على أن خديجة كانت أول من أسلمت، وأن اختلافهم يكمن في من تبعها في الإسلام بعدها.
إسحاق بن إبراهيم بن راهويه الحنظلي كان يجمع بين هذه الأخبار، وكان يقول: أبو بكر أول من أسلم من الرجال، وخديجة أول من أسلم من النساء، وعلي أول من أسلم من الصبيان، وزيد بن حارثة أول من أسلم من الموالي، وبلال أول من أسلم من العبيد. والله أعلم.
الخامسة: وما يعرف عند أهل الحديث هو أن كل مسلم يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يعتبر من أصحابه. قال البخاري في صحيحه: من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين، فإنه يعتبر من أصحابه. وروى سعيد بن المسيب أنه لا يعتبر شخصا من الصحابة إلا إذا قام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لمدة سنة أو سنتين، وشاركه في غزوة أو غزوتين. وإذا صح هذا القول عن سعيد بن المسيب، فإن ذلك يعني أن جرير بن عبدالله البجلي أو أي شخص شاركه في غزوة ولم يتوفر فيهم ما اشترطه سعيد بن المسيب، فإنه لا يعتبر من الصحابة وفقا للظاهر من الأدلة.
الساسة: لا يوجد خلاف بأن أبو بكر الصديق هو أول المهاجرين. وقال ابن العربي: السبق يكون بثلاثة أشياء: الصفة وهي الإيمان، والزمان، والمكان. وأفضل هذه الوجوه هو سبق الصفات؛ والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: « نحن الآخرون الأولون بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له فاليهود غدا والنصارى بعد غد».
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من سبقنا من الأمم بالزمان سبقناهم بالإيمان والامتثال لأمر الله تعالى والانقياد إليه، والاستسلام لأمره والرضا بتكليفه والاحتمال لوظائفه، لا نعترض عليه ولا نختار معه، ولا نبدل بالرأي شريعته كما فعل أهل الكتاب؛ وذلك بتوفيق الله لما قضاه، وبتيسيره لما يرضاه؛ وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
السابعة: قال ابن خويز منداد: تضمنت هذه الآية تفضيل السابقين في كل منقبة من مناقب الشريعة، سواء كانت في العلم أو الدين أو الشجاعة أو غير ذلك، سواء كان التفضيل في العطاء في المال أو التفضيل في الرتبة في الإكرام. وفي هذه المسألة هناك خلاف بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. واختلف العلماء فيما بينهم في تفضيل السابقين في العطاء على غيرهم؛ فقد روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان لا يفضل بين الناس في العطاء بحسب السابقة. وكان عمر يقول له: أتجعل هذا الذي ليس له سابقة كالذين لهم سابقة؟ فقال أبو بكر: إنما عملوا لله وأجرهم عليه. وكان عمر يفضل في خلافته؛ ثم قال عند وفاته: لئن عشت إلى غد لأفضلن أسفل الناس بأعلاهم؛ ولكنه توفي في ليلته. وحتى اليوم، لا يزال الخلاف مستمرا بخصوص هذه المسألة.
{ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ } فيه مسألتان: في الآية الأولى: قال الله تعالى في قراءة عمر (والأنصار) بصيغة الرفع. يشير (الذين) بحذف الواو إلى وصف الأنصار. استعان زيد بن ثابت بعمر بن الخطاب للتأكد من ذلك، فصدقه زيد. ثم عاد عمر وقال: “لم نكن نرفع سوى أنا بهذه الرفعة التي لا يشترك فيها أحد غيرنا”. فقال عمر: “إنني أجد تأييدا لذلك في كتاب الله في أول سورة الجمعة (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) [الجمعة: 3]
الثانية: تنوعت آراء العلماء حول التابعين ومراتبهم؛ قال الخطيب الحافظ: التابعي هو من صحب الصحابي، ويطلق على الفرد منهم اسم `تابع` أو `تابعي`. وقد ذكر الحاكم أبو عبد الله وغيره أنه يكفي للتابعي أن يسمع من الصحابي أو يلتقي به، حتى لو لم تكن هناك صحبة معترف بها. ولقد قيل أيضا إن اسم التابعين يشمل من أسلموا بعد معركة الحديبية، مثل خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهم ممن اعتنقوا الإسلام بعد فتح مكة. وقد تم تثبيت أن عبد الرحمن بن عوف استأنس بخالد بن الوليد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخالد: `دعوا لي أصحابي، فوالله الذي بيده نفسي، لو أن أحدكم ينفق مثل ذهبة كل يوم، لن يصل حجم إنفاقه إلى حجم أحدهم، ولا نصيفه`.
من بين أعظم العلماء الفقهاء السبعة في المدينة، يمكن ذكر سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وخارجة بن زيد وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعبد الله بن عتبة بن مسعود وسليمان بن يسار. وقال أحمد بن حنبل: سعيد بن المسيب هو أفضلهم، وسئل عن علقمة والأسود فقال: سعيد بن المسيب وعلقمة والأسود. ومنه أيضا أنه قال: أفضل الطلاب المتابعين هم قيس وأبو عثمان وعلقمة ومسروق. إنهم كانوا من الفضلاء ومن أهل التابعين. وأيضا قال: عطاء كان مفتي مكة والحسن كان مفتي البصرة، فهما من أكثر الناس عنهما وأبهما. وروي عن أبي بكر بن أبي داود قال: سيدتا التابعين من النساء هما حفصة بنت سيرين وعمرة بنت عبد الرحمن، والثالثة – وليست كهاتين – هي أم الدرداء.
وفي التابعين طبقة تسمى بالمخضرمين، وهم الذين أدركوا الجاهلية وحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلموا ولا صحبة لهم. وذكرهم مسلم فبلغ بهم عشرين نفسًا، منهم أبو عمرو الشيباني، وسويد بن غفلة الكندي، وعمرو بن ميمون الأودي، والأحنف بن قيس. فهذه نبذة من معرفة الصحابة والتابعين الذين نطق بفضلهم القرآن الكريم.