العنف الأسري يعتبر أحد الظواهر الشائعة في جميع الدول بدون تمييز، ويشير هذا المصطلح إلى العنف الذي يحدث داخل المنزل، وقد تم استخدامه لأول مرة عام 1973 م في خطاب ألقي في برلمان المملكة المتحدة. وقد ظهرت العديد من المؤسسات التي تقدم الدعم النفسي والعاطفي والعملي للمتضررين، كما ظهرت الحركات والندوات التي تطالب بحقوق الأطفال والنساء وتوعية الجمهور حول كيفية مواجهة العنف الأسري. ويجب التوعية الشاملة بأسباب العنف الأسري والطرق للحد منه للحصول على بيئة صحية ونفسية جيدة.
تعريف العنف الأسري لغة واصطلاحا
عندما نحاول الحد من ظاهرة العنف الأسري، نركز أولا على تعريف العنف الأسري بلغته ومفهومه
تعريف العنف لغة
يمكن تعريف العنف في اللغة على أنه القسوة والشدة، وهي كلمة مشتقة من الفعل `عنف`، فعندما نقول `عنف بالرجل`، نعني أن شخصا يتعامل معه بقسوة وشدة، ويمكن أن نقول `عنف موظفا` ونعني به أن الموظف يعامل بشدة لتصحيح سلوكه وتقليل أخطائه.
تعريف العنف الأسري اصطلاحًا
يشير مصطلح العنف الأسري إلى سلوك قاسي يحدث في أي علاقة، ويمكن أن يشمل أي شخص بغض النظر عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والعمر والديانة، وكان يستخدم في الماضي لوصف سوء المعاملة التي تتعرض لها الزوجة في العلاقة الزوجية، لكنه تغير لاحقا ليشمل جميع أفراد الأسرة المتعايشين معا.
دوافع العنف الأسري
بعد القيام بعدة دراسات، تبين أن هناك العديد من الدوافع والأسباب وراء العنف الأسري، ويمكن توضيحها كما يلي:
- شعور بعض الأشخاص بالرغبة في السيطرة على الآخرين وبخاصة الشريك، وقد يرجع هذا إلى نظرتهم الدونية لأنفسهم، وعدم احترامهم لذاتهم، إلى جانب الغيرة الزائدة وعدم القدرة على التحكم في الغضب والمشاعر الحادة الآخرى، أو في حالة الشعور بأن أحد الزوجين أقل من الآخر في المستوى التعليمي، الاجتماعي وأيضًا الاقتصادي.
- وجود بعض العادات الموروثة من الآباء بأن الرجل لديه الحق في التحكم بالزوجة، وأن النساء لا يتساوون مع الرجال، كما يمكن أن يكون السبب هو تعرض الأشخاص لبعض الاضطرابات الشخصية والنفسية، وفي الغالب يرجع هذا إلى نشأة البعض في منازل وأسر تقبل بالعنف الأسري فيصبح هذا السلوك كجزء في الشخصية.
- أكدت العديد من الدراسات على أن العنف في الغالب ما يكون بسبب تفاعل العوامل الفردية مع العوامل الظرفية، أي أن تعلم السلوك العنيف ينتج عن رؤية الأشخاص للعنف في مجتمعهم وكذلك أسرهم إلى جانب تأثير بعض الثقافات عليهم أثناء النمو، ومن المحتمل أن يكون هؤلاء قد تعرضوا للعنف في مرحلة طفولتهم.
- قد يؤدي تعرض الأطفال للعنف إلى ترسيخ اعتقاد بأن هذا السلوك يمكن أن يكون وسيلة لحل المشكلات بين الناس. وعندما يتعلم الأطفال مبدأ عدم احترام وتقدير المرأة، فإنهم ينشأون ويكبرون وفقا لهذا المعتقد. وفي حالة الفتيات اللاتي يعيشن في منازل تشهد العنف، قد يكون من الممكن أن يقبلن هذا السلوك من زوجهن في المستقبل. وعادة ما تكون النساء هم الضحايا للعنف، وفي بعض الحالات يمكن أن تتبدل الأدوار بين الزوجين.
- : يمكن أن يكون تناول الأشخاص للكحول والمخدرات عاملاً أساسيًا في ظهور هذه المشكلة، حيث يفتقر الشخص المخمور أو الذي تناول الجرعة من المخدرات إلى القدرة على التحكم في دوافعه العدوانية تجاه الآخرين.
- وعلى الرغم من وجود كل هذه الأسباب إلا أنه لا يوجد أي مبرر لمن يقوم بمثل تلك الأمور، ولا يجب استغلاله في تبرير العنف والقسوة، بينما تم إدراجها لتوضيح لماذا يعتقد الشخص أن سلوكه العنيف تجاه أسرته مقبول، وأخيرًا يجب ذهاب مثل هؤلاء الأشخاص إلى مساعد نفسي لتعديل سلوكياته المرفوضة حتى لا ينتهي به الأمر إلى العيش وحيدًا.
خصائص العنف الأسري
تُعد هذه الظاهرة مشكلة عالمية، حيث قامت ما بين 10% إلى 50% من النساء بتقديم شكوى عن تعرضهن للعنف من أزواجهن أو غيرهم خلال مرحلة ما من مراحل حياتهن، وفي عام 2002م قامت 1.5 مليون امرأة بالإبلاغ عن قسوة شريكهن معهن، كما قام 800 ألف رجل بتقديم بلاغات، وبالتأكيد هناك العديد من الحالات الأخرى التي لم يتم التبليغ عنها، وفي الغالب يكون السبب في عدم الإبلاغ هو الإحراج أو الخوف من رد فعل الشريك، ووجود اعتقادات بأن العنف الأسري أمر لا مفر منه على مستوى العالم كله، ويمكن تقسيم المعتدين بناءً على سمات وخصائص الإساءة إلى جانب قابلية التغيير في سلوكياتهم، بالإضافة إلى تصنيف الضحايا تبعًا لعدة عوامل.
تقسيم المعتدون
يمكن تقسيمهم إلى:
- المعتدون المفترسون: لا يشعر المعتدين المفترسون بدوافع عاطفية أو أي أحاسيس عند استخدام سلوكهم القاسي، ولكنهم يحسبون أفعالهم ويبتعدون عاطفيا عن ضحاياهم. ويتكرر سلوكهم العنيف كثيرا، مما يسبب صدمات عاطفية للأشخاص الذين يتعرضون للعنف منهم. وغالبا ما تكون أفعالهم ناتجة عن إشباع ما عانوه في صغرهم، وعادة ما يعانون من اضطرابات في الشخصية والعلاقات الاجتماعية.
- المعتدون ذوو الدوافع العاطفية: توجد فروق بين المعتدين المتحمسين عاطفيا والمفترسين في العديد من الأمور، ولا يوجد احتمالية لإصابتهم بالاضطرابات الشخصية، بينما يكون لديهم مشاكل في التعلق، وتكون معاملتهم السيئة ناتجة عن عدم القدرة على التحكم في النفس والانفعالات، بالإضافة إلى تراكم الخوف في الأوقات الصعبة، وعادة ما يكون ذلك بسبب الأحداث التي تعرضوا لها في طفولتهم والبيئة التي نشأوا فيها، وعندما يصفون مشاعرهم، يقولون إنها غضب وانزعاج شديد ، ثم يتبعها شعور بالندم على آثار العنف الأسري الذي نتج عن أفعالهم السيئة ، وعادة ما يكون سلوكهم العنيف يتضمن الضرب وتحطيم الأشياء وإغلاق الأبواب بشدة والإهانة اللفظية وغيرها من الأفعال، ويتسبب سلوكهم السيئ في آثار سلبية عديدة على الضحايا مثل العلامات على أجسادهم وتقليل احترامهم لأنفسهم، ولكنهم قادرون على التغيير للأفضل بسبب مشاعر الندم والتعاطف مع آلام ضحاياهم.
تقسيم الضحايا
يختلف ضحايا العنف الأسري والمعتدون في العديد من الجوانب، ويمكن تقسيمهم إلى نوعين وفقًا لخصائصهم، وهي وسيلة لتحديد كيفية التدخل لحل تلك المشكلة، وتتمثل هذه الخصائص في الآتي:
- المهارات الاجتماعية: يعتبر تحديد ما إذا كان يجب ترك الشريك أم البقاء معه مهما، حيث سيتبع القرار بالشعور السيئ نتيجة للإساءة التي تعرض لها الشخص. ولذلك، فإن مهارات الحماية ضرورية في كلتا الحالتين لتقليل الأذى، وتشمل هذه المهارات القدرة على التفاوض بطريقة هادئة لتجنب العنف من الشريك وإنهاء الخلاف قبل أن يتفاقم.
- الدافع: يتعين على الأشخاص الذين يواجهون علاقة مؤذية أن يكون لديهم دافع قوي للتخلص منها، سواء كان ذلك بالبقاء أو الرحيل، وعلى الرغم من أن الرحيل قد لا يكون الحل المناسب دائما، فإن هناك حاجة لدعم الضحية وتوفير الدوافع التي تساعدهم على التغلب على الألم والاكتئاب في حالة البقاء والتعامل مع الشريك المؤذي.