تجربة كوريا الجنوبية في النهوض بالبلاد
يمكننا أن نستفيد من قصة كوريا الجنوبية في التقدم نحو الازدهار، حيث تحمل العديد من الدروس المستفادة، مثل قوة الإرادة والتخطيط الجيد والإدارة الفعالة من قبل الشعب. لم يسمح الشعب لنفسه بالاستسلام للواقع الذي واجهه نتيجة الاستعمار الياباني الذي استمر لمدة حوالي خمس وثلاثين عاما ابتداء من عام 1910، حتى خرجت اليابان من البلاد بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية على يد الحلفاء. ثم حصلت كوريا على استقلالها مباشرة في عام 1945 لتصبح مسرحا كبيرا للصراع بين القوى الغربية والشرقية، مما أدى إلى تقسيم البلاد إلى قسمين. القسم الأول هو كوريا الشمالية التابعة للاتحاد السوفيتي، والقسم الثاني هو كوريا الجنوبية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية. في منتصف عام 1949، انسحبت القوات السوفيتية والأمريكية من الأراضي الكورية. وفي ذلك الوقت، كانت كوريا الجنوبية واحدة من أفقر دول العالم، حيث لم يتتجاوز فيها دخل الفرد السنوي 80 دولارا، بالإضافة إلى الفوضى السياسية والدمار الاقتصادي الذي ألحق البلاد. ولم يصل الوضع سوى إلى هذا الحد فقط، بل دخلت في حرب أهلية مع كوريا الشمالية استمرت لمدة تقريبا ثلاث سنوات حتى تم القضاء عليها بشكل كامل، مما ترك خلفه خسائر اقتصادية وبشرية هائلة. وكانت هذه الفترة أسوأ فترة تاريخية عاشتها كوريا الجنوبية، حيث وصلت الأمور إلى حد أن الشعب كان يعتمد تقريبا بشكل كامل على المساعدات الخارجية لتلبية احتياجاته الغذائية.
أهم المقاومات التي ساعدت على قيام النهضة الكورية:
على الرغم من التقدم الاقتصادي في البلاد خلال حكم الدكتاتورية العسكرية، كان هناك قمع كبير لحقوق الإنسان، خاصة بالنسبة للعمال الذين كانوا من الأسباب الرئيسية للتقدم في البلاد. أدت الاحتجاجات القوية ضد الحكم إلى سقوط النظام العسكري في عام 1987. تشكلت بعدها حكومة ديمقراطية ساعدت في تعزيز التقدم السريع لكوريا الجنوبية في جميع المجالات، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو فنية. أصبحت كوريا الجنوبية قوة اقتصادية عالمية كبيرة ودولة ديمقراطية رائدة من الدرجة الأولى، وتعتبر قدوة للعالم في تحقيق التقدم والتطور.
وصل إجمالي الإنتاج المحلي لكوريا الجنوبية في عام 2014 إلى ما يقرب من 1.304 تريليون دولار، وزاد معدل الدخل السنوي للفرد إلى حوالي ثلاثين ألف دولار، بعد أن كان في الستينيات أقل من ثمانين دولارا سنويا. ويعتبر الاقتصاد الكوري واحدا من أكبر خمسة عشر اقتصادا كبرى في العالم، وتحتل مرتبة متقدمة بين 12 دولة في العالم في التقدم، وفقا لتقارير منظمة الأمم المتحدة للتنمية البشرية. وتحتل كوريا الجنوبية المرتبة الرابعة عالميا في عدد البراءات المسجلة.