تاريخ اللغة العربية في مصر
تعد اللغة العربية واحدة من أقدم اللغات التي عرفها العالم على مر العصور، وتندرج ضمن أصول سامية، كما أنها لغة القرآن الكريم الذي أنزله الله – عز وجل – على نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – وتحدى به أرباب الفصاحة والبلاغة من أهل مكة. وكانت لهذه اللغة تاريخ طويل في أغلب البلاد التي دخلها الفتح الإسلامي، ومن أهم هذه الدول مصر التي فتحها عمرو بن العاص، ولكن وقبل الفتح كانت اللغة العربية منتشرة في مصر كذلك ومرت بالعديد من المراح .
تطور اللغة العربية في مصر
يمكن إعادة صياغة الجملة كالتالي: “شهدت اللغة العربية في مصر العديد من المراحل، ومن أهم هذه المراحل مرحلة ما قبل الإسلام ومرحلة ما بعد الإسلام
اللغة العربية في مصر قبل الإسلام
كان للغة العربية وجود في مصر قبل الإسلام، وليس كما يعتقد البعض أن اللغة القبطية كانت هي اللغة السائدة فقط في مصر، وهناك عدة أسباب وراء ذلك
- التجارة : كانت الحركة التجارية في مصر قبل دخول الإسلام منتقلة من مصر إلى شبه الجزيرة العربية والعكس، وكانت مدينة غزة هي المركز الرئيسي للاتصال بينهما، وكلاهما في شبه الجزيرة العربية وغزة كانوا وما زالوا يتحدثون باللغة العربية .
- هجرة القبائل : هاجرت العديد من القبائل من شبه الجزيرة العربية إلى مصر، ومن مصر إلى شبه الجزيرة العربية. على سبيل المثال، قامت قبيلة كهلان بالهجرة واستقرت في الجزء الشمالي الشرقي من مصر، وهجرت قبيلة بلي واستقرت في القصير، واستقرت قبيلة خزاعة أيضا. وهذا يعني أن هؤلاء الأشخاص تخلطوا مع الشعب المصري وتزوجوا من نسائهم، مما أدى إلى انتشار اللغة في مصر .
- وقد أدى وجود واحتكاك العرب مع أقباط مصر إلى تشابه كبير وتبادل في المفردات بين اللغتين ، الأمر الذي أدي إلى أن بعض اللغويين زعم بوجود صلة قرابة فيما بينهما لأنه كان من الضروري دخول بعض المفردات العربية في القبطية ودخول بعض مفردات القبطية إلى العربية مثل لفظ ( قبس ) و ( صداع ) و ( مشط ) و ( بردى ) .
- ذكر الإمام السيوطي في كتابه أن تأثير القبطية على اللغة المصرية أدى إلى ظهور بعض الألفاظ القبطية في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى “ولات حين مناص”، حيث يعني هذا الكلمة بالقبطية “الفرار .
اللغة العربية في مصر بعد الإسلام
ومع ظهور الإسلام وبعد أن فتح عمرو بن العاص مصر، نشأ صراع كبير بين اللغتين العربية والقبطية. حدث هذا الصراع نتيجة للعديد من الأسباب السياسية والاقتصادية والدينية وأسباب أخرى. استمر هذا الصراع لفترة طويلة حتى تفوقت اللغة العربية نتيجة للعوامل السياسية والاقتصادية التي أثرت بشكل واضح. بذلوا جهودا كبيرة لمحاولة تعريب لغة مصر ونشر الإسلام فيها بشكل جيد، وكانت هذه المحاولة تتضمن عددا من الأسس المهمة
- استبدال اللغة القبطية باللغة العربية في المراسلات الرسمية والدواوين .
- دعت بعض القبائل العربية للاستقرار الدائم في مصر والتخلط بأهله .
- يتم تعيين المسلمين بديلاً عن الأقباط في الوظائف الرسمية .
- فرض الضرائب على الأقباط .
- وكان للإسلام الذي انتشر بشكل واسع في هذه الفترة دور كبير في نشر اللغة العربية، إذ لا بد للفرد من معرفة لغة دينه الجديد .
- من بين الملاحظات التي سجلها تاريخ مصر هو أن المناطق التي انتشر فيها الإسلام، انتشرت فيها أيضًا اللغة العربية، والمناطق التي لم تنتشر فيها الإسلام ظلت تحتفظ بقوة اللغة القبطية، وأن المسلمين كانوا أسرع في تعلم اللغة العربية من غيرهم .
- وفقًا لأحد المؤلفين، فإن ادعاء أن المسلمين حاولوا نشر الإسلام بالقوة وتعلموا اللغة العربية هو كذب، ويؤكد انتشار اللغة العربية في ذلك الوقت أنهم قبلوا الدين بارادتهم، ولذلك رغبوا في تعلم لغة القرآن الكريم والحديث الشريف .
- عمرو بن العاص لم يأخذ أي شيء مما كانت تمتلكه الكنائس قبل أو بعد الفتح، وكان حب الناس للفتح الإسلامي وانتشاره هو الذي أدى إلى انتشار اللغة العربية واختفاء اللغة القبطية .
انتشار اللغة العربية في مصر
في نهاية القرن الأول حتى عام 215 هـ، ازدادت قوة اللغة العربية في مواجهة اللغة القبطية نتيجة للعديد من الأحداث التي قامت بها الدولة الإسلامية في ذلك الوقت
- تزيد حركة التعريب، كما تمكن المسلمون من تولي مناصب كبيرة ووظائف في الدولة بعدمها في السابق والتي كانت محصورة على الأقباط .
- جعل اللغة العربية شرطًا للتعيين في الوظائف المهمة جعل الأقباط يهملون دراسة اللغة اليونانية واللغة القبطية، ويهتمون بدراسة اللغة العربية في المدارس لتمكنهم من تولي الوظائف المهمة .
- حاول الأقباط استخدام العديد من الحيل للابتعاد عن سداد الجزية التي فرضها عليهم عمرو بن العاص في ذلك الوقت. من بين هذه الحيل، ادعى الكثيرون حقهم في الإعفاء من الجزية بحجة الرهبة أو انتمائهم للكنيسة. وحاول بعضهم تغيير مكان إقامتهم والعيش في مناطق غير مدرجة في قوائم الضرائب. وقام بعض المزارعين بترك أراضيهم وقراهم بحجة عدم قدرتهم على تنفيذ التزاماتهم المالية. ومع ذلك، تمسك المسلمون بسداد الجزية منهم، مما دفع العديد منهم للانضمام إلى الإسلام وتعلم اللغة العربية .
- هاجر ما يقرب من ثلاثين قبيلة من قبائل العرب إلى مصر، مما أدى إلى زيادة عدد المتحدثين باللغة العربية في مصر، وساهم ذلك في تطوير اللغة بشكل ملحوظ .
- يمكن أن يكون السبب الرئيسي الذي أدى إلى وصولهم إلى هذه المرحلة هو رغبة الأقباط في استكشاف الدين الإسلامي الجديد، ولا يمكن الحصول على معلومات عنه إلا من خلال الكتب العربية، وكانت الاعتراف عن دفع الجزية للمسلمين من بين الأسباب التي دفعتهم للاهتمام بهذا الدين .
اللغة العربية اللغة الرسمية في مصر
كان القرن الثالث والرابع الهجري مرحلة انتصار للغة العربية على اللغة القبطية، حيث كانت هناك العديد من العوامل التي ساعدت على ذلك، بما في ذلك
- هجرت الكثير من القبائل العربية التي تتحدث اللغة العربية بطلاقة وتكتب الشعر ، مثل قبيلة الكنز التي هاجرت في خلافة المتوكل فتفرقوا في جهات كثيرة منها في أسوان وشمال النوبة ، وقبيلتا هلال وسليم اللتان هاجرتا في القرن العاشر ونزلوا الصعيد ، وسلالة جعفر الطيار نزحوا عن الحجاز بسبب ضغط بني الحسن .
- ضعف شوكة الأقباط خاصة بعد الثورات الدموية التي قاموا فكان رد فعل المأمون أن يحضر بنفسه إلى مصر ويخمدها بشدة ويقضي بذلك على أخر أمل للأقباط في مصر ، ويقول المقريزي : ” ومن حينئذ أذل الله القبط في جميع أراضي مصر وخذل شوكتهم ، فلم يقدر أحد منهم على الخروج ولا القيام على السلطان ، وغلب المسلمون على القرى ” .
- بعد فترة قصيرة من الزمن، تمكن العرب من الحصول على جميع الوظائف، وشغلوا مناصب في الزراعة والتجارة، وكانوا يتحدثون اللغة العربية بشكل غالب وسائد، والاستخدام القليل للغة يجعلها تندثر، ولذلك اندثرت اللغة القبطية .
- صدر قرار رسمي من الدولة بجعل اللغة العربية اللغة الرسمية ولغة التخاطب في مصر .