بحث عن يونس عليه السلام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى عن سيدنا يونس عليه السلام: `لو لم تكن القرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا، كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين`، سورة يونس الآية 98، وقال سبحانه وتعالى في سورة الأنبياء: `وظا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه، فنادى في الظلمات: `لا إله إلا أنت، سبحانك إني كنت من الظالمين`، الآية 8.
وفي سورة الصافات قال تعالى: {وإن يونس لمن المرسلين * إذ أبق إلى الفلك المشحون * فساهم فكان من المدحضين * فالتقمه الحوت وهو مليم * فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون * فنبذناه بالعراء وهو سقيم * وأنبتنا عليه شجرة من يقطين * وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون * فآمنوا فمتعناهم إلى حين}” الآية 139-14.
من هم قوم يونس عليه السلام:
أرسل الله تعالى النبي يونس عليه السلام إلى قرية نينوى التي عاش سكانها في الجهل والظلم والشرك لفترة طويلة، وذلك ليدعوهم إلى عبادة الله تعالى، وكان يونس عليه السلام رسولًا من بني يعقوب .
يعرف قوم يونس عليه السلام بأنهم الآشوريون الذين أسسوا حضارة عريقة، وكانت موطنهم حول نهر دجلة وروافده في العراق، وأشهر مدنهم هي دنيتوى وآشور، وتقع هذه المدن في المنطقة المقابلة لمدينة الموصل. نشأ الآشوريون في البادية، ولكنهم تغلبوا على أهل المدينة وأسسوا حضارة عريقة.
كانت لهم عاصمتان : كانت آشور أولاً عاصمة فصل الشتاء وكانت نينوى عاصمة فصل الصيف، وكان الأشوريون يعبدون أصنامًا ويسمونها باسماء المدن، وكان إلههم الأكبر يدعى آشور وكانت المملكة تسمى باسمه، وكانوا يقدمون له الهدايا والتبرعات ويتبعون أوامره وتعاليمه.
ثم جاءت دعوة يونس عليه السلام من مدينة نينوى، وهذا مما يدل على ذلك عندما ذهب سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام إلى الطائف لدعوة أهلها، والتقى هناك بعداس غلام نصراني من بني ربيعة. وعندما قدم الغلام العنب، مد الرسول صلى الله عليه وسلم يده الشريفة وقال “بسم الله”. فقال الغلام له: “هذه الكلمة لا يقولها أهل هذه المدينة”. ثم سأله النبي صلى الله عليه وسلم: “من أي بلد أنت؟”، فأجاب الغلام: “من نينوى”، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “من قرية الرجل الصالح يونس بن متى”. فقال الغلام: “وكيف تعرف من هو يونس؟”، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: “ذلك أخي كان نبيا وأنا نبي أيضا .
دعا النبي يونس عليه السلام قومه لعبادة الله تعالى وترك ما بهم من عادات سيئة وظلم وعدوان على الناس، ولكن القرية عصت بالإصرار على عبادة الأوثان والأصنام واتباع عادات الآباء والأجداد .
ولكن لما طال عليهم العهد ، غضب سيدنا يونس عليه السلام وأنذرهم من عذاب الله تعالى ، ولكن لما أصروا تركهم في الضلال والكفر واتجه ناحية الشرق حيث السفن والبحر حتى يسافر ، بعد أن تركهم يونس عليه السلام قذف الله تعالى في قلوبهم حب التوبة والرجوع عن عبادة الأصنام والرجوع لله تعالى، فأخذ القوم يستغيثون ويتضرعون إلى الله تعالى ، لكي يكشف عنهم الغضب وينزل عليهم رحمته، فاستجاب الله تعالى لهم ورفع عنهم العذاب.
فقال الله تعالى : {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ} ولما مضت الأيام الثلاث التي وعد بها يونس عليه السلام قومه ، ولم يصبهم شيء فوجدهم سالمين فغضب .
وكان لا يدر ما أصاب قومه من خوف ورهبة لله تعالى ، وكان جزاء الكاذب القتل ، فخرج هارب خشية القتل من قومه ، حتى وصل لشاطئ البحر وقال القرآن الكريم ، ” إذ ابق إلى الفلك المشحون ” ، الآبق : هو العبد الهارب من سيده ، وفي آية أخرى أشارت لغضبة ، {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا}.
جاء في التفسير أن القرية أمنوا بعد فرار يونس عليه السلام ، فنفعهم الإيمان ، ورفع الله تعالى عنهم العذاب والخزي ، قال العلماء أن مغاضبًا ، بمعنى مغاضبًا من أجل ربه والمؤمن يغضب لله إذ عصى أمر ربه وتركت طاعته، وذهب رأي أخر أن المغاضبة كان المراد بها ضيق صدر يونس عليه السلام .
ثم ذهب سيدنا يونس عليه السلام إلى البحر، واستقل سفينة ليأخذه بعيدا عن قومه. ووجد يونس عليه السلام السفينة ممتلئة، فركبها ومضى بها في البحر. ولكنها توقفت في البحر، فتشاور الركاب مع بعضهم البعض، واتفقوا على الاقتراع، وسقطت القرعة على نبي الله يونس عليه السلام ثلاث مرات، فألقوه في الماء، وجاء الحوت العظيم وابتلعه. وأمر الله تعالى الحوت ألا يأكله واستقر يونس عليه السلام في بطن الحوت، ولكنه بدأ يسبح لله تعالى ونادى في الظلمات قائلا: `لا إله إلا أنت، سبحانك إني كنت من الظالمين`. فتاب عما كان عليه عندما رأى ضيق الدنيا عليه.
أمر الله تعالى الحوت بإلقاء يونس على الساحل، حيث كان نحيفًا وضعيفًا وعاريًا وبحاجة إلى الستر والظل والطعام، وأنزل الله عليه نعمته ورحمته، وذلك عندما نبذوه بالعراء وهو مريض، ونبت له شجرة من يقطين كما ذكرفي سورة الصافات.
نمت الله تعالى شجرة اليقطين له، حيث كان جلده حساسا جدا وأي شيء بسيط ممكن أن يتسبب في أذى له. وشجرة اليقطين لديها أوراق عريضة تحميه من الذباب والحشرات. وقد بقي تحت ظلها حتى استعاد صحته وتعافى .
وكلف الله تعالى سيدنا يونس بالرسالة وأرسله مرة أخرى، وقال تعالى في سورة الصافات: “وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ”، وتختلف الآراء بين العلماء حول ما إذا كانوا هم القوم الأوائل أم قومًا آخرين.
الدروس المستفادة من قصة يونس بن متى عليه السلام:
الدرس الأول: الصبر على المحن هو طريق الدعوة إلى الله تعالى، وطريق الدعوة مليء بالمخاطر والصعوبات، ويجب تحملها وعدم يأس الداعية والصبر على الناس. كان النبي صلى الله عليه وسلم يتصبر ويتحمل صعوبات الدعوة لقومه.
الدرس الثاني: الإخلاص في العبادة لله تعالى يؤدي إلى النجاة من المصائب، ويساعد الله تعالى في الدعوة.
الدرس الثالث : يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، إن الدعاء الذي صلى به النبي يونس عليه السلام في بطن الحوت، وهو “لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين”، هو دعاء ينجي المسلمين من المحن والكوارث، ولا يدعو المسلم بأي دعاء في أي وقت إلا ويستجيب الله له.