اللغة العربية .. نشأتها ومراحل تطورها
اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، وهي إحدى أشهر اللغات في العالم وأكثرها انتشارا. لها أهمية بالغة بين جموع المسلمين حول العالم، حيث لا يمكن الصلاة إلا بها، وهي أيضا من اللغات المهمة في الديانات الأخرى مثل المسيحية التي تستخدمها في شعائرها الرئيسية. يتحدث بها أكثر من 422 مليون شخص، وهناك العديد من الدول غير العربية التي يتحدثون بها مثل تركيا وتشاد والسنغال وإثيوبيا ومالي والأحواز. كما أن لها تأثيرا بالغا على العديد من اللغات الأخرى على مدى العصور، مثل اللغة التركية والفارسية والأردية والماليزية والأمازيغية والإندونيسية وغيرها من اللغات، وهي من ضمن اللغات الست الرسمية في منظمة الأمم المتحدة .
تصنيف اللغة العربية :
اللغة العربية تنتمي إلى اللغات السامية الوسطى وهي جزء من مجموعة اللغات الإفريقية الآسيوية. تحتوي مجموعة اللغات السامية على عدة حضارات، مثل حضارة الهلال الخصيب القديمة مثل الأكادية والكنعانية والآرامية واللغة السهدية في جنوب شبه الجزيرة العربية. بالإضافة إلى اللغات العربية الشمالية القديمة وبعض لغات القرن الإفريقي مثل الأمهرية. اللغة العربية تعتبر أحدث اللغات السامية تاريخيا، ومع ذلك يصنفها البعض كلغة سامية أم تنشأ منها اللغات السامية الأخرى، وذلك بسبب عدم تعرضها للتأثر بشكل كبير حيث كانت مقتصرة على جزيرة العرب، على عكس اللغات الأخرى .
القاب اللغة العربية :
تلقب اللغة العربية بعدة ألقاب لعل أشهرها وأفضلها ” لغة القرآن ” ، وهي سميت بهذا الاسم لأن القرآن الكريم نزل باللغة العربية . أما اللقب الثاني للغة العربية هو ” لغة الضاد ” وقد تم تسميتها بهذا الاسم من قبل العرب حيث أن حرف الضاد لا نجده في أي لغة أخرى غير اللغة العربية ، ولكن الكثير منا يعتقد بأن الضاد المقصودة هنا هي الضاد التي تنطق كدال مفخمة ، ولكن في الحقيقة الضاد العربية القديمة المقصودة هي التي تنطق بمزيج من حرف الظاء واللام ولأن الظاء ينطق ذال مفخخة تم تحويلها لاحقا إلى داخل مفخخة فأصبحت الدال المفخخة هي الضاد الحديثة التي تستخدم حاليا ولكن هذه الضاد نجدها في لغات كثيرة بعكس الضاد العربية القديمة التي تحدث عنها المتنبي في شعره القائل ” وبهم فخر كل من نطق الضاد … وعوذ الجاني وعوث الطريد .
تاريخ اللغة العربية :
اختلف المؤرخون حول أصل اللغة العربية ، فالبعض يعتبرها بأنها أقدم من وجود العرب أنفسهم ، حيث أنهم رجحوا بأنها لغة آدم عليه السلام في الجنة ، وهناك أقاويل أخرى تقول بأن أول من تكلم العربية هم قبيلة يعرب بن قحطان ، واقاويل تقول ايضا بأن سيدنا اسماعيل عليه السلام هو أول من نطق بالعربية ، ولكن لا يوجد أي براهين تثبت أيا من هذه الأقاويل ، حيث أن قبيلة يعرب بن قحطان كان يفترض بأنها تتحدث عربية أخرى لها قواعد مختلفة عن اللغة العربية الأصلية ، وقد تم العثور على أماكن في شمال شبه الجزيرة العربية يوجد عليها كتابات قديمة بعدة لغات متباينة ومختلفة عن اللغة العربية التي وردت في القرآن الكريم أو في الشعر الجاهلي ، ولذلك تم اعتبار لغة القرآن الكريم هي أصل اللغة العربية على الرغم من أن هذه اللغات التي أقدم من لغة القرآن الكريم .
وهناك أيضًا من يرى أن اللغة العربية نشأت في قوم قريش، خاصةً لأن أقدم النصوص المتاحة باللغة العربية هي نصوص القرآن الكريم وسيرة النبي محمد صلىالله عليه وسلم، ولأن أول دعوته كانت باللغة العربية. وهذا الرأي هو الرأي السائد بين معظم اللغويين العرب القدامى .
وفي وجهات نظر أخرى، يعتقدون أن اللهجة العربية تطورت في مملكة كندة في القرن السادس الميلادي بعد اهتمام الملوك بالشعراء، الذين بدأوا يتنافسون فيما بينهم مما أدى إلى توحيد اللهجة الشعرية. وهؤلاء الشعراء هم أقدم من قبيلة قريش. وهناك بعض المستشرقين الذين يؤيدون هذه النظرة وأطلقوا على هذه اللغة في ذلك الوقت اسم اللغة العالية، أي اللغة الشعرية الخاصة باللهجات المحلية، حيث اكتشفوا أنها لغة رفيعة تعكس ثقافة الشاعر أمام الملك. وعلى الرغم من هذه الآراء، كانت الرأي السائد هو اعتبار اللغة العربية لغة قريش، خاصة أن الشعر الجاهلي تم تدوينه بعد الإسلام فعليا، ولا يوجد نسخة أصلية أو قصائد جاهلية تحدد بها التاريخ الدقيق لها .
أقسام اللغة العربية عبر التاريخ :
تم تقسيم اللغة العربية من قبل علماء الآثار إلى قسمين، اللغة العربية الجنوبية القديمة التي تشمل اللغة البئية والقتبانية والحضرمية والمعينية، والقسم الآخر هو اللغة العربية الشمالية القديمة التي تشمل الحسائية والصفائية والحيانية والديدانية والثمودية والتيمائية. كان العرب في الجنوب يستخدمون حرف النون كأداة للتعريف ويضعونه في نهاية الكلمة، أما العرب في الشمال فكانوا يستخدمون حرف الهاء كأداة تعريفية. تميزت العربية الفصحى عن غيرها بإستخدام أداة `ال` للتعريف .
كما تم تصنيف اللغة العربية إلى ثلاثة أصناف رئيسية وهي العربية التقليدية ، والعربية الرسمية ، والعربية المنطوقة بالعامية ، وتعتبر العربية التقليدية هي التي ورد شكلها حرفيا بنصوص القرآن الكريم ولذلك تم تسميتها أيضا بالعربية القرآنية وتستخدم فقط في المؤسسات الدينية وفي التعليم في بعض الأحيان ، أما اللغة الرسمية وهي التي تستخدم في الوطن العربي بالأدب وفي المؤسسات الأخرى الغير دينية ، أما اللغة العامية هي التي يتحدث بها غالبية العرب بلهجتهم الخاصة والتي تختلف منطقة إلى أخرى .
مراحل تطور اللغة العربية :
بعد الفتوحات الإسلامية، انتشرت اللغة العربية بشكل كبير وتأثرت بها العديد من الشعوب، خاصة بعد اعتناق السريان والآشوريين والروم والأمازيغ والأقباط للإسلام. فاللغة العربية هي لغة المصدر التشريعي الإسلامي للقرآن والأحاديث النبوية والصلاة والعبادات الأخرى، وكان لذلك أثر كبير في انتشار اللغة العربية في ذلك الوقت. وأيضا، أصبحت الشعوب غير العربية تتحدث العربية كلغة ثانية بجانب لغاتهم الأم، وذلك بسبب تفوق اللغة العربية في تلك الحقبة، حيث كانت لغة العلم والأدب تحت حكم الخلافة العباسية والأموية. ومع مرور الوقت، أصبحت اللغة العربية هي لغة الشعائر المهيمنة في ذلك الوقت، مثل الشعائر المسيحية في العالم العربي والكنائس الروم الأرثوذكسية والكاثوليكية والسريانية. وفي العصور الوسطى، كتبت الديانة اليهودية العديد من أعمالها الدينية والفكرية باللغة العربية .
وكان للأجانب أيضا دور كبير في تطوير اللغة العربية خلال العصر العباسي والأموي، حيث قاموا بترجمة العلوم إلى لغتهم الأم، مما أدى إلى ظهور مصطلحات وكلمات جديدة غير موجودة في اللغة العربية القديمة. على سبيل المثال، كلمة `بيمارستان` التي اشتقت من اللغة الفارسية. وفي العصور الذهبية، وصلت اللغة العربية إلى أعلى مستوياتها من الازدهار والتطور بفضل ظهور الأدباء والشعراء والعلماء الذين استخدموا اللغة العربية للتعبير عن أفكارهم ومعتقداتهم. وتم تأليف العديد من الكتب والمخطوطات باللغة العربية في جميع المجالات العلمية والثقافية. وخلال العهد الصليبي، تأثرت العديد من اللغات الأجنبية الأخرى مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والألمانية باللغة العربية بسبب التواصل بين العرب والأجانب .
لكن في فترة معينة وتحديدا أثناء الغزو المغولي بقيادة هولاكو خان، تدهورت اللغة العربية إلى أسوأ حالاتها. تعرضت لتراجع كبير بسبب الدمار الهائل الناتج عن هذا الغزو الذي أدى إلى تدمير الثقافة والحضارة العربية. في عصر المماليك، لم يعد العرب مهتمين بتطوير اللغة والعلوم بسبب انشغالهم في محاولة إعادة البناء وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الدمار الذي تسبب فيه هولاكو خان. تراجعت اللغة بشكل كبير بعد نفي غالبية المسلمين من الأندلس وعودة الإسبان إلى بلادهم. وبدأت اللغة في التضاؤل بشكل كبير، خاصة بعد تراجع الاكتشافات العلمية العربية وظهور الحضارة الأوروبية .
أما في فترة الفتوحات العثمانية استطاعت اللغة العربية تثبيت موطئها في الأناضول وبلاد البلقان ، وخاصة بعد اعتناق الكثير من السكان للإسلام ، واصبحت اللغة العربية هي اللغة الرسمية الثانية في عهد الدولة العثمانية ، ولكنها سرعان ما فقدت مكانتها مع بداية القرن السادس عشر فاصبحت لغة الدين الإسلامي فقط في الدولة العثمانية خاصة فيما يتعلق بالعلوم والاداب ، لأن العثمانيون لم يكونوا ذات اهتمامات علمية وثقافية كبيرة مثلما كان في العصر العباسي .
تم تجديد حالة الركود في اللغة العربية لمدة تقارب 400 سنة، وبعد ذلك شهدت بعض التحسن في أواخر القرن التاسع عشر بفضل النهضة الثقافية في بلاد الشام ومصر، مما أدى إلى زيادة عدد المتعلمين والمثقفين. في هذه الفترة، تم التركيز على جمع الحروف العربية ونشر الصحف الحديثة باللغة العربية لأول مرة. تأسست العديد من الجمعيات الأدبية التي ساهمت في إحياء اللغة العربية الفصحى من جديد. من بين الأدباء البارزين في تلك الفترة، يمكن ذكر أحمد شوقي والشيخ ناصيف البازجي وبطرس السبتاني وجبران خليل جبران. ظهرت قواميس ومعاجم عربية حديثة كقاموس محيط المحيط ودائرة المعارف، التي لا تزال بعضها مستخدمة حتى الآن. تأسست الصحافة العربية التي لعبت دورا هاما في إحياء الفكر العربي. لكن للأسف، تركز هذا التحسن فقط في المجال الأدبي، ولم تكن للغة العربية دور بارز في المجال العلمي بعد الحرب الباردة في أواخر القرن العشرين. أصبحت اللغة الإنجليزية هي اللغة المنتشرة في معظم الدول، بما في ذلك الدول العربية، حيث أصبحت اللغة الرئيسية في التعاملات والرسائل التجارية والعلمية .