الدروس المستفادة من سورة القصص
إن ترتيب سورة القصص هي الثامنة والعشرون وفقا للمصحف العثماني ، أما وفقا لنزول القرآن فهي التاسعة والأربعون ، حيث نزلت بعد نزول سورة النمل ، وتسبقها سورة الإسراء ، فتميزت هذه السور الثلاثة بتتابعها في كتاب الله القرآن الكريم ، وافتتحت جميعها بذكر سيدنا موسى عليه السلام ، وربما يكون هذا سبب تتابعها ، وعدد آياتها ثمانية وثمانون آية .
وسورة القصص مكية وفقا لما قاله جمهور التابعين ، وورد فيها آية {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } (القصص:85)،والتي أنزلت على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أثناء هجرته إلى المدينة حتى تصبره على فراقه لوطنه ، وعلى الرغم من ذلك فهي سورة مكية ، لأن المكية تعني ما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم قبل هجرته إلى المدينة ، أما المدنية ما أنزل عليه من آيات بعد وصوله إلى المدينة حتى لو أنزل عليه في مكة المكرمة ، وأخرج الطبراني عن بن عباس رضي الله عنهما أن سورة القصص وآخر سورة الحديد نزلتا في أصحاب النجاشي ، الذين كانوا في المدينة وعاصروا وقعة أحد .
سبب تسمية سورة القصص
تعرف هذه السورة باسم سورة القصص فقط ، في قوله الله تعالى : (فلما جاءه وقص عليه القصص) ، الآية 25 من سورة القصص ، ويقصد بالقصص ما حدث مع سيدنا موسى عليه السلام ، والذي قام بسرده للرجل الصالح الذي التقى به في مصر قبل أن يخرج منها ، وورد لفظ (القصص) مجددا في سورة يوسف ، ولكنها نزلت بعدها .
فضل سورة القصص
لا يوجد حديث صحيح يشير إلى فضل سورة القصص، ولكن قيل إنه عندما زار النبي صلى الله عليه وسلم مكة وجاء إليه حوالي عشرين رجلا من النصارى، ودعاهم للاعتناق الإسلام وتلا عليهم آيات القرآن، انجرفت دموعهم وأجابوا الدعوة وآمنوا بها. ويعتقد أن هذه الآية نزلت فيما يتعلق بهم: `الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون` (القصص: 52).
الدروس المستفادة من سورة القصص
تتألف ترتيب هذه السورة من قصة سيدنا موسى مع فرعون في البداية، وفي النهاية من قصة قارون مع قومه (قوم موسى). تعرض القصة الأولى قوة السلطان والحكم، وكيف كان فرعون جبارا وطاغيا، حيث واجه سيدنا موسى وهو طفل رضيع، بدون مأوى. كان فرعون مرتفعا في الأرض، يستعبد بني إسرائيل، يقتل أولادهم ويستعبد نساءهم، ويضغط على أنفاسهم، ويتعقب حركاتهم، مثل أي طاغية في كل العصور .
بالرغم من القوة والجبروت والحذر التي يتمتع بها فرعون، فإن ذلك لا يجعله مستقلا عن الله عز وجل. فقد منح الله سيدنا موسى، وهو طفل صغير لا حول ولا قوة له، القدرة على المغامرة والدخول في تحدي مع فرعون وجنوده. دخل موسى إلى قصر فرعون وأثر في قلب زوجته، وهو طفل صغير ولا يمتلك أي سلطة. الهدف من قصة سيدنا موسى مع فرعون هو توضيح الفرق بين الأمان والخوف ومواضعهما، وأن الأمان يكون في رعاية الله عز وجل فقط، بغض النظر عن جميع أسباب الأمان الظاهرية المعروفة للناس. هذه هي الحقيقة التي أوضحتها قصة قارون .
قال ابن عاشور : أعتقد أن المسلمين يرغبون في معرفة قصة موسى عليه السلام بالتفصيل، والهدف من ذلك هو استفادتهم من المعرفة النافعة الموجودة في تفاصيل هذه القصة، وذلك لتحليل حالتهم وحالة أعدائهم. فالهدف الأساسي هم المسلمون، ولذلك ذكر الله في بداية القصة: `نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون` (القصص: 3)، أي للمؤمنين.
وفي القصة الثانية، يتم توضيح قيمة المال والعلم، فكان لدى قارون ثروة تجعله أقوى الرجال، ولديه معرفة تجعله مغرورا. وكان يظهر أمام أهله بزينته، ولكن الأتقياء منهم يستهينون بهذه الظاهريات ويسعون لثواب الله عز وجل، وهم على يقين بأنه هو الأبقى لهم. وجعله الله آية عندما غرقت به الأرض، فلم ينفعه ثروته ولا معرفته، تماما كما ألقى الله فرعون في البحر وغرق هو وجنوده .
الهدف من هاتين القصتين : عندما ينتشر الفساد والشر، ويصبح الخير عاجزا، وتنشر الفتنة بالمال واللباس، يتدخل قدرة الله عز وجل لوقف هذا الفساد والشر، وهذا من أهم أهداف هذه السورة المباركة.