الخنساء شاعرة العرب في الجاهلية والإسلام
تماضر بنت عمرو السلمية (575-645) هي الخنساء، صحابية جليلة من أهل نجد، اشتهرت بالشعر والأدب والجمال الفتان، عاشت حتى أسلمت وأعلنت إسلامها، واستشهد أبناؤها الأربعة في معركة القادسية، واشتهرت برثائها لأخويها الذين قتلا قبل الإسلام.
الخنساء في شبابها :
انتشرت شهرة الخنساء بسبب جمالها الفتان، حتى وصفها بعض الشعراء بـ`البقرة الوحشية`، وهو وصف يعبر عن الجمال بين العرب، كما أنها كانت من النساء ذوات الحسب والنسب، حيث كانت تنتمي لعائلة آل شريد، وهم من سادات وأشراف العرب.
عرفت الخنساء بقوة شخصيتها وعقلها الذكي، ولذلك كان الرجال يهابونها. شاهدها دريد بن الصمة يوما وهي تطعم بعيرا لها، فسأل عنها وتعرف أنها تماضر بنت عمرو. وفي الصباح التالي، ذهب إلى منزل والدها ليطلب يدها، ولكنها رفضت وقالت إن أبناء عمومتها يستحقونها أكثر. كانت النساء في عصرها لا يختارن إلا رجلا مثل الخنساء، وبفضل ذكاءها الفائق، وافق والدها على رغبته.
زواجها الغير موفق :
تزوجت من عبد العزى السلمي، وأنجبت منه ابنا يدعى عبد الله. كان عبد العزى مدمنا للمقامرة، ولكن الخنساء أصرت على الحفاظ على بيتها، واعتبر ذلك تعبيرا عن حبها واهتمامها به. ولذلك، زاد عبد العزى استمراره في العناد والتصرف غير السليم. كان يطالبها بالمال ويجعلها تتوسل إلى أخيها لطلب المال لأجله، وفي حالة رفضها، يظهر ضيقه ورغبته في الابتعاد عنها. وكانت تأتي بالمال لإرضائه. وصلت الأمور إلى حد الضيق عليها، فقررت ترك المنزل والعودة إلى بيت والدها والانفصال عنه.
تزوجت الخنساء مرة أخرى من مرداس بن أبي عامر السلمي وأنجبت منه العباس ويزيد ومعاوية وابنة تدعى عمرة. وكان يلقب مرداس بالفيض بسبب كرمه الشديد، ولكنه توفي في إحدى مغامراته بسرعة، تاركًا الخنساء وحيدة مع أولادها.
إسلام الخنساء واستشهاد أولادها:
أعلنت الخنساء إسلامها في العام الثامن من الهجرة حيث جاءت وافدة إلى رسول الله صل الله عليه وسلم ومعها أبنائها الأربعة وبني عمومتها من بني سليم، حضرت حرب القادسية عام 16 هـ، هي وأولادها الأربعة وجعلت تحثهم على الجهاد في سبيل الله وهي التي عانت من فقد الأب والأخ والزوج إلا أن كل شيء يهون في سبيل الله وجعلت تشجعهم قائلة لهم : “يا بني إنكم أسلمتم وهاجرتم مختارين والله الذي لا إله غيره إنكم لبنوا رجل واحد، كما أنكم بنوا امرأة واحدة، ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غيرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا ان الدار الباقية، خير من الدار الفانية”، لما بلغها استشهادهم الأربعة خلال المعركة قالت : “الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم، وأرجوا من ربي أن يجمعني بهم في مستقر ورحمته”.
بكاء الخنساء على أخويها :
لم تتوقف الخنساء عن بكاء أخويها حتى بعد إسلامها، ويروى أن أبناء عمها شكو بكائها إلى الخليفة عمر بن الخطاب فقالوا له : يا أمير المؤمنين هذه الخنساء قد قرحت مآقيها من البكاء في الجاهلية والإسلام فلو نهيتها لرجونا ان تنتهي، فقال لها عمر : اتقي الله وايقني بالموت فقالت الخنساء : أنا أبكي أبي وخيري مضر صخرًا ومعاوية، وإني لموقنة بالموت، قال عمر : أتبكين عليهم وقد صاروا جمرة في النار؟ فقالت : ذاك أشد لبكائي عليهم، فكأن عمر قد رق لكلماتها واشفق عليها فقال لهم : خلوا عجوزكم لا أبا لكم، فكل امرئ يبكي شجوه ونام الخلي عن بكاء الشجي.