التورية في المحسنات البديعية
علم البديع هو فرع من فروع علم البلاغة في اللغة العربية، ويهتم بدراسة المحسنات البديعية التي تجمل معاني الجمل وألفاظها، مما يجعل اللغة العربية تظهر في أجمل صورها كلغة جمال وأدب. وهناك العديد من الفروع والمصطلحات البلاغية في علم البلاغة، بما في ذلك التورية التي يمكن استخدامها لإخفاء المعاني التي قد يخشى المتكلمون من التصريح بها، مع الالتزام بالصدق في الحديث.
معنى التورية
معنى كلمة التورية في المعاجم العربية هو أنها مصدر للفعل ورى، وتعني أخفى. يمكن أن يكون التورية تعني أن يتم إخفاء الحديث وإظهار غيره، وفي الاستخدام الخاص، يعني التورية استخدام كلمة تحتوي على معنيين، أحدهما قريب وواضح في النص وله إشارة تدل عليه، ولكنه ليس المعنى المقصود، بينما المعنى الآخر بعيد ومخفي وهو المعنى المقصود في النص المذكور. مثال على ذلك هو قول الشاعر: `أقول وقد شنوا إلى الحرب غارة.. دعوني فإني آكل العيش بالجبن`، حيث يتم استخدام التورية هنا في كلمة `الجبن`، والتي يمكن أن يكون معناها القريب هو الطعام المعروف وقرينتها `آكل الخبز`، ولكن هذا ليس هو المعنى المقصود، حيث يكون المعنى المراد هو `الخو`.
أقسام التورية
التورية المجردة
في هذه الحالة، يتم التخلص من الكلمات التي لا تلائم المعنى القريب والبعيد للمعنيين، على سبيل المثال “وقالت رح بربك من أمامي فقلت لها بربك انت روحي”، حيث يتم الإشارة إلى الروح في الكلمة “روحي” والفعل المشابه لها هو “رح”، والمعنى القريب هو “اذهبي” والمعنى البعيد هو “نفسي”، ولذلك فإنها تورية مجردة نتيجة لعدم وجود ملائم للمعنيين القريب والبعيد، ويعتقد بعض الناس أن المعنى البعيد يشير إلى الروح في كلمة “روح.
التورية المرشحة
وفيها يتم ذكر المعنى القريب الملائم بعد استيفاء القرينة، وقد عرفت باسم المرشحة لأنها تقوم بتعزيزها بذكر المعنى القريب الذي ليس المقصود به، مثل “كأن للمجاورة اقتسمنا فقلبي جارهم والدمع جاري”، وجاءت التورية هنا في كلمة “جاري”، والمعنى القريب لها هو المجاورة والقرب، والكلمة المقربة لهذا المعنى هي “جارهم”، لكن المعنى البعيد الذي يهدف إليه هو “منسكب.” وتم ذكر المعنى القريب الملائم في مقدمة البيت وهو المجاور.
التورية المبينة
وفي هذه الجملة يتم ذكر معنى بعيد للكلمات، مثل `ذكرت والكأس في كفي لياليكم فالكأس في راحة والقلب في تعب`. والتورية مذكورة هنا في الكلمة `راحة` التي تحمل معاني مختلفة. المعنى القريب هو الاسترخاء، والمعنى البعيد هو راحة اليد. وتم ذكر ما يتوافق مع المعنى البعيد في القول `كفي`.
التورية المهيئة
وتكون هذه التورية في كلمتين لا يمكن الاستغناء عن أحدهما ، ولولا وجودهما لما كان الآخر تورية منه ، مثل “أيها المنكح الثريا سهيلًا عمرك الله كيف يلتقيان .. هي شامية إذا ما استقلت وسهيل إذا استقل يمان” ، وجاء الاسمان هنا في كلمتي “ثريا – سهيل” ، والمعنى القريب لكلمة الثريا هو اسم نجم ودلالته هي كلمة سهيل ، ولكن المعنى البعيد المقصود هو اسم امرأة ، وكذلك كلمة سهيل تشير في معناه البعيد إلى النجم بدلالة وجود الثريا ، ولكن المعنى البعيد المقصود هو اسم رجل ، وبذلك يكون كل من اللفظين قد هيأ للآخر التورية.
التورية المتكلفة
وهي تعبر عن مجرد تلاعب بالألفاظ ، ولا فائدة منها في أداء الأفكار أو التعبير عن المشاعر ، مثل “والنهر يشبه مبردا فلأجل ذا يجلو الصدى” ، وجاء المعنى القريب لكلمة “الصدى” هو تآكل الحديد واصفراره ، ولكن المعنى البعيد هو العطش ، وقد وردت هذه التورية متكلفة بسبب استخدام كلمة “مبردًا” للتمهيد للمعنى القريب ولكن لا يوجد تناسب بين كلمتي النهر والمبرد.