الازدواجية اللغوية في اللغة العربية
اللغة العربية هي أعظم اللغات على الأرض، إذا كانت هي اللغة التي اختارها الخالق عز وجل لتكون لغة القرآن الكريم ولغة سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – لسان الصدق ورحمة العالمين. ومع ذلك، فإن المجتمعات العربية تعاني بشكل كبير من نقص التعليم والتعلم في اللغة العربية، مما أدى إلى ظهور العديد من مشاكل اللغة، بما في ذلك مشكلة الازدواجية اللغوية وانتشار اللهجات العامية .
الازدواجية اللغوية
يعد الازدواج اللغوي (Diglossia) من المشاكل الكبرى التي تواجه المجتمعات العربية، حيث يؤدي إلى تشويه جزء كبير من هوية اللغة العربية بسبب الاختلاط بين اللغة العامية واللغة العربية الفصحى. في البداية، كان استخدام اللغات العامية محدودا للمعاملات اليومية بين الناس في نطاق محدود، ولكنها أصبحت الآن شائعة لدرجة أنها تستخدم في المؤسسات التعليمية، مما يؤثر بشكل سلبي على سلامة اللغة العربية .
ومن الملاحظ أن كافة البلدان العربية أصبحت لا تستخدم اللغة العربية الفصحى ، بل أصبحت تستخدم بعض اللهجات العامية التي تزيد عن لهجة عامية واحدة داخل الدولة الواحدة ، ويُذكر أن الازدواجية اللغوية ليست مقصورة على اللغة العربية فقط ؛ بل إن كافة البلدان الأخرى غير العربية تُعاني أيضًا من ازدواجية اللغة وانتشار بعض اللغات العامية بين المواطنين وعلى سبيل المثال وجود أكثر من لهجة وطريقة تحدث للغة الإنجليزية .
الفرق بين الازدواجية اللغوية والثنائية اللغوية
بعض الأشخاص لديهم ارتباك بين اللغة المزدوجة واللغة الثنائية؛ على الرغم من أن كلاهما له معنى مختلف عن الآخر، على النحو التالي:
الازدواجية اللغوية
تعرف الازدواجية اللغوية على أنها وجود لغة واحدة هي الأساسية داخل الدولة والتي يتحدث بها جميع المواطنين، وفي المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، تعد اللغة العربية الرسمية والأساسية التي يستخدمها جميع أبناء الوطن، وبجانب الشكل الصحيح والأصلي للغة العربية، هناك لهجات عربية أخرى إضافية تعتبر أيضا لغة عربية، ولكنها تختلف تماما عن الشكل اللغوي الصحيح للغة العربية. وهذا ينطبق على جميع البلدان العربية، حيث يمكن أن يكون هناك أكثر من لهجة عامية للغة الواحدة، على سبيل المثال، يمكن أن يكون الأهل في المنطقة الشرقية يتحدثون بلهجة مختلفة إلى حد ما عن الأهل في المنطقة الغربية، وهكذا. وبالتالي، الازدواجية اللغوية تعني وجود لهجات عربية إضافية أو أكثر إلى جانب اللغة العربية الأساسية داخل الدولة .
الثنائية اللغوية
بالنسبة للثنائية اللغوية، فإنها تعني أنه يتحدث أبناء دولة واحدة أكثر من لغة، وعلى سبيل المثال في سنغافورة، يتحدث السكان أكثر من لغة، مثل اللغة الإنجليزية واللغة الماليزية، وبالتالي فإن الدولة تحتوي على ثنائية لغوية، أي أن جزءا من السكان يستخدم إحدى اللغات والجزء الآخر يستخدم لغة أخرى، ولا يوجد تعدد لهجات لنفس اللغة كما هو الحال في الازدواجية اللغوية .
أسباب انتشار الازدواجية اللغوية
هناك عدد كبير من العوامل التي أدت إلى ظهور الازدواجية اللغوية في اللغة العربية، وقد أشار علماء اللغة إلى توضيح هذه الأسباب في النقاط التالية
الاحتلال الاستعماري الأجنبي
لقد شهدت مختلف الدول العربية في فترات مختلفة من تاريخها التعرض إلى الاحتلال الاستعماري وهذا ما أدى إلى حدوث اختلاط بين أبناء الوطن العربي وأبناء بعض الدول غير الناطقة بالعربية مثل الإنجليزية ، والفرنسية ، وهذا ما أدلى بدلوه على سلامة اللغة العربية وانتشار اللهجات العامية المختلفة .
الاهتمام بتعلم اللغات الأجنبية فقط
من الأسف أن الكثير من أولياء الأمور اليوم يولون اهتماما كبيرا بتعليم أبنائهم اللغات الأجنبية مثل الفرنسية والإنجليزية وغيرها، ولا يهتمون بتعلم اللغة العربية. وهذا بالطبع أدى إلى نشوء أجيال لا تتقن العربية ولا تعرف عنها سوى الأسلوب العامي فقط، مما أدى إلى تراجع استخدام اللغة العربية الفصحى بشكل كبير وانتشار الازدواجية اللغوية .
التراث الأدبي والشعبي
كما أن اللغة العامية قد أثرت أيضًا على التراث والأدب ؛ وأدت إلى ظهور ما يُسمى بالأدب الشعبي المعتمد على استخدام النكات والطرائف والمصطلحات العامية المختلفة ، وعلى الرغم أن هذا النوع من الأدب قد نال إعجاب عدد كبير من الأشخاص ؛ إلا أنه قد أثَّر سلبيًا على سلامة المصطلحات اللغوية الفصحى .
خصائص الازدواجية اللغوية
يشير بعض خبراء اللغة إلى بعض الخصائص المتعلقة بمصطلح الازدواجية اللغوية، مثل:
الوظيفة اللغوية
يرى العالم فيرغسون الذي قد تناول دراسة ظاهرة الازدواجية اللغوية بشكل موسع أن الوظيفة اللغوية هي التي قد أدت إلى انتشار ازدواجية اللغة ؛ وعلى سبيل المثال ؛ لا زال هناك حاجة إلى استخدام اللغة الرسمية والفصحى في المحافل الدولية والاحتفالات الرسمية ، في حين أن هناك وظيفة أخرى قد احتلتها اللهجة العامية عندما يرغب الناطقين باللغة في تبادل المعلومات والتهاني وغيرها من المعاملات اليومية بشكل سلس فيما بينهم .
تحظى اللغة الرسمية بالمنزلة الأعلى
كما أن العديد من الباحثين في علم اللغة أيضًا يرون أنه على الرغم من اندثار استخدام اللغة العربية الفصحى بشكل كبير جدًا ؛ إلا أنها لا زالت تحظى باحترام ومكانة كبيرة في نفوس أبناء اللغة وإن كانوا لا يتقنونها ، وبالتالي ؛ فإن هناك نظرة دائمة إلى العربية الفصحى بأنها الأفضل والأهم ، وعلى الرغم أن استخدام اللغة العامية هو الشائع ؛ إلا أنها تأخذ نظرة ومكانة متدنية من حيث التقدير والاحترام في نفوس أبناء الوطن .
تنتشر ازدواجية اللغة عبر الاكتساب
بطبيعة الحال، يورث الأبناء الصفات الأساسية للآباء والأمهات، مثل الجنسية والخصائص الجينية وغيرها، وتعد اللغة من أهم الموروثات الثقافية التي يحصل عليها الأبناء من الآباء. ونظرا لأن استخدام اللهجات العامية والعادية شائع في البلدان العربية، فإن هذه اللهجات تنتشر وتتغلغل في المجتمع ويحصل عليها الأجيال الجديدة من الأجيال السابقة، حتى أصبحت هذه اللهجات هي السائدة في المجتمعات العربية، وبالتالي، فإن صفة الاكتساب تعتبر من أهم خصائص الانعكاس التراكمي للغة .
تتسم الازدواجية اللغة بالثبات
تكمن خطورة الازدواجية اللغوية في أنها ليست مؤقتة ؛ وإنما تكون مستمرة لمئات بل والآلاف من الأعوام ، وبالتالي يكون من الصعب بعد ذلك السيطرة عليها أو إلغائها ، بل إنها تتجذر وتصبح سائدة ، ومن أبرز الأمثلة على ذلك أننا أصبحنا نستخدم بعض المصطلحات التي تنسب إلى اللغة العربية مثل اللهجة العربية السعودية ، اللهجة العربية المصرية ، اللهجة العربية السورية ، واللهجة العربية اللبنانية ، وغيرها .
رغم أن اللغة العامية أصبحت جزءا أساسيا من حياة الناس في البلدان العربية ويتم استخدامها يوميا، إلا أنه يجب الاهتمام بتعليم أصول اللغة العربية الفصحى للأطفال الصغار، حتى لا تندثر اللغة العربية الفصحى التي تعتبر جزءا هاما من الهوية العربية .