تضم العصر العباسي عددًا كبيرًا من أفضل الفنانين والأدباء، ونعرف من خلاله بأفضل شعراء الشعر العربي، مثل أبو نواس والبحتري والأبه البغدادي وغيرهم .
الأبله البغدادي
محمد بن بختيار بن عبد الله البغدادي ، هو شاعر من مواليد بلدة بغداد ، و كان يعرف بكونه شاب ظريف حسن المظهر يعتاد ارتداء زي الجنود ، و قد عرف شعره بالرقة في الأسلوب و حسن المدح ، و قد عرف بذكائه البالغ ، و لذلك لقب بالأبله أي بضد صفته ، ترك الأبله البغدادي إرث أدبي كبير ، و لم يكن متخصص في كتابة الشعر فحسب ، بل أنه نسبت له العديد من التراجم ، فكان من بينها كتاب عماد الدين الأصفهاني و غيره ، و كان من أشهر شعراء العصر العباسي ، و قد توفى هذا الشاعر عن عمر يناهز الثالثة و التسعين عام ، و كان ذلك في عام 579 هجريا .
أجمل أشعار الأبله البغدادي
قصيدة ألا تبا لدنيا
ألا تبا لدنيا نرتجيها
لقد خابت وخاب المجتديها
متى انتبهت وقد رقدت خداعا
فلم تحمل بيقظتها نبيها
سل الأيام ما فعلت بكسرى
وقيصر والصور وساكنيها
أما امتدعتهم للموت طرّا
فلم تدع الحليم ولا السفيها
دنت نحو الدني بسهم خطب
فأصمته ووادهت الوجيها
أما لو بيعت الدنيا بفلس
أنفت لعال أن يشتريها
لقد وأدت بنيها واستباحت
حمى الباني لها والمبتنيها
يقينا قلت ما فيها كأني
حكيت مقالها عنها بفيها
ومما هالنا شمس أهالت
عليها الترب أيدي دافنيها
قضت فتجلت الحور ابتهاجا
وزينت الجنان لتجتليها
ولا والله لم تكتب عليها
سوى الحسنى أنامل كاتبيها
أحالت حالها غير الليالي
وآيتست الأواسي عائديها
فيا أرض افخري ما شئت عجبا
بها وتخايلي عجبا وتيها
فقد سكنتك أعرف ذات خدر
بإسداء العوارف فاعرفيها
فلو قدرت تسير بنات نعش
بنعش كن بعض الحامليها
لقد أودى العفاف غداة أودت
وصار اليأس آية معتفيها
سقى جدثا أقامت فيه خود
مة مثل جود يدي أبيها
قصيدة سقاني الغرام
سقاني الغرام بعينية صرفا
قوي حكى خصره النضو ضعفا
خلت الجوانح من لوعة
يهز اختيالا من التيه عِطفا
إذا قلت قد خف وجدي به
وشف على قدم النأي شمسا
أو أصله وهو لي هاجر
وأهوى هواه وإن كان حَتفا
وأخشى العواذل أن يفطنوا
فأخفي من الوجد ما ليس يخفي
وما ينكرون سوى أنني
عرفت بنجد لنعمان عرفا
وفي ذلك السرب مستأسد
وإن كان في مرطح العين خِشفا
حكي ظبية الرمل لما رنا
بتلك اللواحظ والرمل ردفا
كسفت به الشمس لما كشف
ت راد الضحى عنه رقما وسجفا
أرى الدار بعدهم قد عفَت
وشوقي برمَّته ما تعفّى
لقد خلفتهم بها النافرا
ت لا وضعت لحيا المزنِ خلفا
ولائمة أصبحت في الغِنى
تعز عليّ من الغيظ كفّا
تعدد عندي ذنوب الزمان
وخرق الحوادث ما ليس يرفا
وتذكرني ثروة ثروة
تعدت أديبا ولم تعد جِلفا
تقول إذا حاف فقر فلذ
بمن هو في دفعه عنك أحنى
توكل على جود يحيى الوزير
ولا تطلبن سوى ذاك تكفي
تجد منبت الجود ضاف عليك
وعيص لسماحة عبصا ألفا
صفت لي أخلاقه فاغتدت
أرعن ماء طبعا وأصفى
جزيل المواهب غش الحجى
يغني حياء عن الفحش طرفا
واقسم لو غير تاج الملو
ك مد إلى المبد كفيه كفا
يعاف الدنايا وأطماعها
بنفس حر دينها أن تعفا
لقد رحت للدين يا عونه
وللمعتفين ملاذا وكهفا
ولما قدمت رأيت النّدى
يرف عليك أماما وخلفات
ونصر الإله وتأييده
بؤم جيوشك صفا فصفّا
وقد سدت إذ سدت عن قدرة
مطاعا وقدت تأعاديك عنفا
وصعرت خدا لمن لم يزل
أخا كبريا وأرغت أنفا
وكان عتادك يوم الوغى
حساما صقيلا وحصداء رففا
واسمر يرعد لا خيفة
ومتجرداً يسبق الطكرف طرفا
لقد شفي الشعر من دائه
بعَودك من بعد ما كان أشقى
حلفت بمنطويات طورين
ما نثر البيد سهلا ونعفا
تخف إذا ذكرت مكة
فترمي من السير رساما وخفا
إذا بلغت راكبيها منى
بلغن المنى وتلقين زلفى
بأنك أندى الورى راحة
وأكلف بالمجد منهم وأكفا
فداؤك ذو سنة كلّ ما
أقول تنبه للجود أنفى
فخذها تُخال نسيم الصبَا
مع الصبح رى أو النبت رفينا
يكون لها كلما كررت
وكر الزمَان على الشعر صرفا