اسس الحضارة الإسلامية ووسائلها
بحوث عن الحضارة الإسلامية
تم إنشاء الحضارة الإسلامية الشاملة الواسعة خلال القرنين السابع والثامن الميلاديين، وتحققت الوحدة فيها من خلال سلسلة من الفتوحات مع جيرانها، ولكن هذه الوحدة الأولية تفككت في القرنين التاسع والعاشر، ولكنها عاشت من جديد وتم تنشيطها مرارا على مدار أكثر من ألف عام.
على مر الزمن، شهدت الدول الإسلامية العديد من التحولات والتغييرات، واستضافت واستوعبت الثقافات والشعوب الأخرى، وقامت ببناء المدن الكبرى وإقامة شبكات تجارية واسعة والحفاظ عليها، وفي نفس الوقت، شهدت الإمبراطورية تقدما كبيرا في مجالات الفلسفة والعلوم والقانون والطب والفنون والعمارة والهندسة والتكنولوجيا.
يعتبر الدين الإسلامي العنصر الأساسي للإمبراطورية الإسلامية، وفي بعض النواحي، يمكن اعتبار الدين الإسلامي حركة إصلاحية ناشئة عن اليهودية التوحيدية والمسيحية، وتعكس الحضارة الإسلامية هذا الاندماج الغني.
تعتبر الحضارة الإسلامية مجموعة من القيم والأخلاق والمبادئ والقوانين التي قدمها المجتمع الإسلامي للإنسانية ورفعت من قيمتها، وذلك بناء على أسس ووسائل مدروسة مما جعلها أعرق حضارة في العالم، ولكن قبل شرح أسسها يجب تحديد معنى كلمة الحضارة بدقة؛
معنى كلمة حضارة
الحضارة عبارة جهد يُقدَّم لراحة الإنسان وخدمته في كل نواحي الحياة ، كما أنها التقدم في الثقافة ، وذلك لأن الثقافة هي التألق في الأفكار النظرية كالقانون والاجتماع والسياسة وغيرها ، ومن هنا يستطيع الفرد أن يفكر تفكيرًا صحيحا ، وبالنسبة للمدنية هي التقدم والازدهار في العلوم والرقي في كل نواحيه وأفكاره.
لذلك، ينبغي على الإنسان أن يجمع بين الثقافة والحضارة معا؛ ليتوازن فكره وسلوكه، وتتقدم حياته. ومن هنا، تفضل الدول التي تولي الأولوية للتقدم المادي على حساب الجوانب الأخرى مثل القيم والأخلاق. وبمعنى آخر، تكون الدولة مدنية بدلا من أن تكون حضارية. وبالتالي، التقدم في العصر الحديث يعتبر تقدما مدنيا وحضاريا؛ حيث تهتم هذه الدول بالتقدم المادي فقط، وتهمل التقدم الأخلاقي. أما ديننا، الإسلام، الذي يكرم الإنسان ويعظم من قدره وجسمه، قد أتى بحضارة عظيمة نبيلة تساهم وتشارك في تسهيل حياة الفرد.
وسائل قيام الحضارة الإسلامية
تعد الفرد أساسا لبناء أي مجتمع. إذا كان الفرد صالحا، فإن المجتمع بأكمله يكون صالحا، ويصبح قادرا على حمل راية الحضارة ونقلها للآخرين. لهذا السبب جاء الإسلام بتعاليمه وقيمه ومبادئه التي تصلح هذا الفرد وتجعل حياته هادئة ومستقرة، مما يسمح بوجود الحضارة. وقد أعطى الإسلام للفرد المبادئ التي تصلح كيانه وروحه وعقله وجسده. وقد حارب الإسلام العادات الاجتماعية السيئة والفاسدة والعنصرية، ودعا إلى المساواة والعدل.
ومع إصلاح الفرد يستهدف الإسلام المجتمع المؤلف من الأفراد في خطابه، حاثا إياهم على التلاحم والتعاون والخير والتقوى، وذلك من أجل إعمار هذه الأرض واستغلال مواردها الغنية، وتوظيفها في خدمة الإنسان وسعادته. ولقد كان آباؤنا يتحملون هذه المسؤولية، فقد نقلوا هذه الحضارة ونشروها في جميع أنحاء العالم وقادوه. وهذا هو الأساس الذي تبنى عليه الحضارة الإسلامية، والتي أصبحت واحدة من أفضل حضارات العالم وأبقتها.
أسس قيام الحضارة الإسلامية
ساهمت ما يسمى بالعصور المظلمة بشكل كبير في ظهور الحضارة الإسلامية ، حيث كانت الحضارة الإسلامية بمثابة موجة حملت المعرفة من الشرق ، بما في ذلك الكيمياء والطب وعلم وظائف الأعضاء والتصنيف والعلوم الأخرى والأدب الجميل وغير ذلك الكثير ، كانت الحضارة الإسلامية نورًا في العصور المظلمة ، وفيما يلي توضيح مختصر لأهم الأسس التي ساهمت في نهضة الحضارة الاسلامية:
- الحضارة الإسلامية قامت على أساس المعرفة العلمية، وهي السمة الأساسية التي بنيت عليها. في الوقت الذي لم تهتم فيه الديانات الأخرى بالعلوم، قامت الحضارة الإسلامية بتطوير العلوم بشكل كبير. ويمكن الإشارة إلى أن الحضارة الإسلامية حققت إنجازات عالمية في العديد من المجالات العلمية مثل الطب وعلم العقاقير والكيمياء والعلوم الرياضية وعلم الفلك والجغرافيا والخرائط وعلم الأحياء والفيزياء. وبالتالي، يمكن القول إنها حضارة علمية، لأنها تعتمد على المعرفة وتجعل العلم مقدسا. وأنشأت الحضارة الإسلامية الآلاف من المدارس الدينية والطبية والفلكية، وكذلك المكتبات. وظهر دور العلم والحكمة والبحث والنقاش العلمي وانتشر في جميع أنحاء البلاد الإسلامية.
- كانت لآلاف العلماء المسلمين كتب في مختلف مجالات العلوم والمعرفة الإنسانية، وانتشرت الحركة الفكرية والثقافية، وازداد عدد العلماء والفلاسفة والكتاب وغيرهم في المساجد والمدارس واللجان العامة.
- تجاوزت الحضارة الإسلامية حدود العرق، ولم تكن حضارة الإسلام ثقافة بحد ذاتها، بل هي مزيج من جميع الثقافات، الهندية والصينية والعربية والرومانية والفارسية والتركية والمصرية والبوذية، وغيرها. ومزجت جميع الثقافات لتشكل ثقافة عالمية حقا، حيث استوعبت كل صفات الحضارات الفردية وصنعت منها مزيجا عالميا بين علوم الهنود والإغريق المترجمة إلى اللغة العربية، واستخدمت تقنيات الورق الصينية في الكتابة، واعتمدت الفنون والعمارة البيزنطية لإنشاء العمارة الإسلامية والفنون. وتأثرت الروحانية من الهند على التقاليد الصوفية للإسلام.
- كان الإسلام نظام دولة قبل أن يكون دينًا، حيث كان الجهاد هو الخدمة العسكرية في الإسلام، وهو يهدف لخدمة الإسلام والدفاع عن الأراضي الإسلامية والمسلمين في أي مكان.
- العوامل الدينية كانت أحد العوامل التي ساهمت في نشأة كثير من المراكز الحضرية، حيث كان الدين عاملاً أساسيًا في نشأة مدن مثل كربلاء والنجف والكاظمية والأعظمية وغيرها.
- بالإضافة إلى ما سبق، تعد العوامل السياسية أيضًا شرطًا لقيام الحضارة، حيث يجب أن يتوفر الاستقرار السياسي لكي تنشأ الحضارة، حيث لا يمكن أن تكون مدينة تعاني من الحروب والصراعات السياسية مركزًا للحضارة، ولذلك فإن الاستقرار السياسي يعد شرطًا من شروط نشوء الحضارة.
- يعتبر العامل الاقتصادي أيضًا من أساسيات نشوء الحضارة الإسلامية ومن أهم العوامل التي أدت إلى نشوء مراكز هذه الحضارة.
- كما أن التجارة كانتسهم بشكل أساسي في نهضة الحضارة الإسلامية، إذ كانت مسؤولة عن إقامة مراكز للحضارة حيث كانت المدن التجارية مركزًا لتبادل الثقافة والتأثير الحضاري خلال العمليات التجارية. وبفضل هذه المدن التجارية، تنشأ العديد من المراكز الحضرية التي تعزز التبادل الثقافي والتقدم الحضاري
خصائص الحضارة الإسلامية
تتميز الحضارة الإسلامية بالعديد من الخصائص والمميزات التي تعكس متانة وقوة أسسها، ومن أهم هذه المميزات والصفات التي اتسمت بها الحضارة الإسلامية هي أنها حضارة:
- عقيدة
- وحضارة عالمية
- وإنسانية
- وصالحة لكل زمان ومكان
- ومتطورة، وتؤمن بالعلم
- كما أنها تمزج بين المادة والروح
- وهي حضارة أمانة مطلقة
- وحضارة تتصف بالعدل