تم ذكر مفهوم الاسراف في القرآن الكريم حوالي 23 مرة بمختلف تصريفاته. وبالنظر الدقيق، نجد أن الاسراف يأتي في القرآن بمعنيين. الأول يعني الإفراط في الإنفاق وإضاعة المال وإسرافه، كما في قول الله عز وجل: `ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين`. وكذلك قوله تعالى: `وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين`. أما المعنى الثاني، فهو يشير إلى الظلم والتعدي وتجاوز حدود الله، كما في قوله تعالى: `ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون`. وكذلك قوله: `قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم` .
الفرق بين التبذير والإسراف .
هناك بعض العلماء يرون أن الإسراف والتبذير مترادفان، أي أن كلاهما يعني إضاعة المال، ولكن معظم العلماء يوضحون أن هناك فرقا بينهما كما ذكر العالم الماوردي. يعتبر السرف جهلا بمقدار الحقوق، أما التبذير فهو جهل بمواقع الحقوق، وكلاهما مذموم، ولكن الإسراف أكثر ذما، لأن المسرف يخطئ في الزيادة، والمبذر يخطئ في الجهل.” ومن ذلك يتضح أن الإسراف هو جهل بالمقدار، أي إنفاق في الحلال لكن فوق الاعتدال، أما التبذير فهو جهل بالمواقع، أي إنفاق في الحرام، سواء كان قليلا أم كثيرا .
أسباب الإسراف .
1- النشاة الاولى للفرد : – يمكن ان يكون الانسان قد نشأ في اسرة مسرفة فاعتاد على ذلك لذا فإن الاب و الام مسؤلان بشكل مباشر على تنشأة الابناء تنشئة اسلامية رشيدة .
2- الصحبة : – يتأثر الانسان كثيرًا بالاصحاب فينتهج نهج الرفاق او الاصحاب و يتشبه بسلوكهم سواء عن وعي او دون وعي .
3- التهاون مع النفس : – يمكن ان لا يقوم الشخص بترويض نفسه على شدائد الحياة كفريضة الصيام و الصلاة في جوف الليل و الصدقات فقد قال عز و جل ” قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَاط .
4- السعة بعد الضيق : – يمكن ان يكون الانسان عاش حياة شديدة الضيق و بعدها يتسع عيشة فيتوسع في عيشة بشكل مبالغ فيه حتى يتجاوز حد الاعتدال مما يجعله يدخل في دائرة الاسراف .
5- عدم معرفة الآثار المدمرة للاسراف : – فغالبًا الانسان المسرف لا يستطيع تقدير المخاطر التي تترتب على اسرافه و اقل تلك المخاطر ضياع المال .
6- كثرة المال : – حيث ان كثرة تجميع المال و انشغال الناس بالمال و تكديسه يلهي الناس عن المهم .
اشكال الإسراف .
1- الاسراف في المال : – و الذي يمثل اخطر انواع الاسراف فالانسان يسأل عن اعماله مرة واحدة بينما يسأل عن ماله مرتين فعن أبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال ” لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ : عن عُمرِهِ فيمَ أفناهُ ؟ وعن علمِهِ ماذا عمِلَ بهِ ؟ وعن مالِهِ مِن أينَ اكتسبَهُ ، وفيمَ أنفقَهُ ؟ وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ ؟” , لذا يجب التوسط في الانفاق فقال تعالى ” وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا” .
2- الاسراف على النفس بالمعاصي و الآثام : – قال تعالى “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ” , قال القاسمي ( أي جنوا عليها بالإسراف في المعاصي والكفر لا تيأسوا من مغفرته بفعل سبب يمحو أثر الإسراف ) , لذا تأمل اسرافك في قضاء الوقت امام التلفاز و النظر لما حرم الله و التسكع في الاسواق .
3- الاسراف في الاكل و الشبع المفرط : – قال جل و على ” وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ” , كما قال القرطبي (من الإسراف الأكل بعد الشبع، وكلُّ ذلك محظور. وقال لقمان لابنه: يا بني لا تأكل شبعًا فوق شبع، فإنك أن تنبذه للكلب خير من أن تأكله ) .
4- الإسراف في استخدام المرافق العامة : – حيث يعتبر من اضاعة المال اذ قال الرسول صلى الله عليه و سلم ” إنَّ الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال” و يقصد بإضاعة المال اي صرفه في غير مصارفه الشرعية و تعريضه للتلف و السبب في النهي عنه انه افساد و الله لا يحب المفسدين , من المرافق العامة الماء و هنا قد نهى الرسول صلى الله عليه و سلم عن الاسراف في الوضوء فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال “جاء أعرابِيٌّ إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يسأله عن الوضوء؟ فأراه الوضوء ثلاثًا، ثم قال هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا، فقد أساء، وتعدَّى، وظلم” و غيرها من المرافق العامة .
5- الإسراف في القتل :- يقول الله تعالى: `ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ومن قتل مظلومًا فقد جعلنا لوليه سلطانًا، فلا يسرف في القتل، إنه كان منصورًا` .
6- الإسراف والتباهي في الولائم والحفلات : – فالواجب هنا التزام المنهج الاسلامي و الاعتدال في الصرف و عدم الاسراف في اقامة الولائم في المناسبات .
آثار الإسراف وأضراره .
1- تحريك اسباب الشر والإثم .
2- الانهيار في ساعات المحن، فعدم تدريب المسرف على تحمل الشدائد يجعله غير قادر على تحمل المحن .
3- منع حب الله تعالى، إذ قال تعالى `إنه لا يحب المسرفين` .
يؤدي الإسراف إلى إثارة أحقاد الفقراء والمحتاجين، ويهيئ المناخ الخصب لانتشار الأفكار الملحدة .
5- الإسراف مهلك لقوة المال .
الإسراف هو نوع من الجهل وعدم الحذر من عواقب الأمور، ويمكن أن يدل على الإستخفاف وعدم الحكمة في تحمل المسؤولية .
إذا فسدت أخلاق الشخص الثري ولم يكن لديه رحمة تجاه الفقير والمسكين، فإنه يتخلى عن البر والتعاون مع الآخرين .
علاج الإسراف .
يمكن لعلاج الاسراف اتباع الآتي : –
يتضمن التفكير والتأمل في النتائج السلبية التي يمكن أن تؤثر على الجسم والنفس والقلب والمال، وكذلك على الأفراد والمجتمعات نتيجة الإسراف .
يتضمن الجهد الذاتي للتحكّم في النفس والامتناع عن الإسراف مثل زيادة الفرائض والنوافل، وذلك عن طريق الامتثال لأوامر الشريعة وعدم التهاون بها .
3- دراسة سيرة النبي والاستمرار في التأمل فيها للتقتدي بهديه في حياته العامة والخاصة .
ينبغي الابتعاد عن المسرفين وعدم مخالطتهم، والسعي للتصاحب مع أولئك الذين لديهم همم عالية ونفوس كبيرة .
5- يتضمن الاهتمام الشخصي ببناء شخصية الأفراد في الأسرة والعمل على تعويدهم على الحياة الإسلامية الصحيحة بتوازن وانسجام .
يتمثل العمل في نشر القيم والفضائل الخلقية التي تؤثر على سلوك المستهلك وتميزه عن غيره من الأفراد، وتعد شخصية مسلمة تدفعها قيم وأخلاق وضوابط شرعية إلى الامتناع عن فعل كل ما يخالف تعاليم الإسلام .