قصة ناقة صالح
يتضمن القرآن الكريم قصصًا رائعة يمكننا الاستفادة منها وتعلم الدروس القيمة التي لا يمكن نسيانها أبداً، ومن بين أجمل هذه القصص قصة ناقة النبي صالح عليه السلام التي ذُكرت في عدة سور من القرآن الكريم، بما في ذلك سورة الأعراف وسورة هود، وستتضح التفاصيل والأحداث المتعلقة بهذه القصة في الأسطر التالية من هذه المقالة .
يجب أن نتذكر هذه الآية الكريمة من سورة الأعراف وهي “وإلىٰ ثمود أخاهم صالحا ۚ قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلٰه غيره ۖ قد جاءتكم بينة من ربكم ۖ هٰذه ناقة الله لكم آية ۖ فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم، واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا ۖ فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين، قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا: “يقصد بالآية الكريمة من سورة الأعراف، أنه عندما جاء النبي صالح لقوم ثمود ودعاهم لعبادة الله وحده، وترك الأصنام التي كانوا يعبدونها، وأخبرهم بآيات واضحة من ربهم، ومن ضمن هذه الآيات كانت ناقة الله التي أرسلها الله ليكونوا عليها شاهدين، وأمرهم بتركها تأكل في أرض الله وعدم إيذائها، ولكنهم لم يسمعوا لنبيهم وعتوا عن أمر ربهم وقتلوا الناقة، فأصابهم عذاب أليم، وذكر الله لهم بالنعم التي أنعم بها عليهم وحثهم على الاعتدال في الأرض وعدم الفساد .
من هي قبيلة ثمود
.. أحد القبائل العربية التي لم يتم ذكرها في التاريخ، ولكنها ذكرت في القرآن الكريم وفيما ذكر عن رسول الله (ص) من أحاديث. ظهرت هذه القبيلة بعد اختفاء قبيلة قوم عاد التي كانت موجودة في وادي الأحقاف. كان أهل قبيلة ثمود يملكون بساتين ومزارع ذات ثمار ناضجة، حيث توفرت لديهم جميع مقومات الزراعة مثل الحقول ومياه الآبار والمواشي. بنوا بيوتهم في أحضان الجبال للسكن فيها، ولكنهم نسوا الله ولم يشكروه على نعمه التي أنعم بها عليهم، وعبدوا الأصنام .
نبي الله صالح عليه السلام
في ذلك الوقت الذي ظهرت فيه قبيلة ثمود واستمتعت بنعم الله عز وجل، كان النبي صالح يعيش بين الناس، وكان معروفا بحكمته ورحمته واستحسانه لأخلاقه الحميدة. لذلك، أحبه الناس بشدة وتوقع البعض الذي تعامل معه أنه سيكون له دور ومكانة عالية، وسيصبح زعيم قبيلة ثمود. وقد اختار الله سبحانه وتعالى نبينا صالح عليه السلام ليبعثه إلى قوم قبيلة ثمود ليدعوهم لعبادة الله الواحد الأحد وترك عبادة الأصنام .
موقف نبي الله صالح
كان يدرك أن قبيلة ثمود تعتبر عبادة الأصنام ميراثا من آبائهم وأجدادهم، ولن يتخلوا عنها أبدا، ولكنه تمسك برسالة الله سبحانه وتعالى، وقرر دعوتهم لعبادة الله، ودخل معهم في صراع، فأغلب رجال تلك القبيلة كانوا أقوياء يحاولون تدمير كل من يحاول أن يبعدهم عن عبادة أصنامهم
الصراع بين نبي الله صالح وقومه
لم يقبل قوم ثمود كلام نبي الله صالح، وفي يوم من الأيام ذهبوا إلى صخرة يعبدونها، ويقدمون لها الهدايا ويعتقدون أنها هي سبب رزقهم. فحزن سيدنا صالح حزنا شديدا لما رأى، وذهب إليهم وقال لهم: يا قوم، اعبدوا الله. فسألوه: لماذا نعبده؟ فأجابهم بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقهم ويرزقهم. ولكنهم ردوا عليه بأنهم يعبدون تلك الأوثان لأن الله بعيد عنهم. فطلب منهم سيدنا صالح أن يعبدوا الله لأنه هو الذي خلقهم، وأرسله إليهم ليعبدوه. ثم طلب منهم أن يستغفروا الله: “استغفروا ربكم ثم توبوا إليه، إن ربي قريب مجيب”، ولكن لم يتقبل أحد كلامه، واتهموه بالجنون .
طلب أهل ثمود من النبي صالح صدق دعوته بأن يخرج لهم ناقة عشراء من صخرة، فوافق صالح على شرطهم وسألهم إذا حدث ذلك، هل سيؤمنون بأنه رسول الله، ووعدهم بأن يعرض الناقة عليهم في اليوم التالي في فجر الصباح .
صالح نبي الله التقى بقومه في الموعد المحدد. ماذا حدث بعد ذلك؟ انتظر قومه حتى فجر اليوم التالي وذهبوا إلى الصخرة المقدسة. وقد ذهب سيدنا صالح إلى هناك في وقت مبكر. بدأ أفراد قوم صالح ينظرون بعضهم البعض بشك ويتساءلون إذا كانت الناقة ستخرج حقا من تلك الصخرة الصماء. ومع ذلك، لم يفقد صالح نبي الله الأمل في الله عز وجل، بل تضرع إليه وطلب منه أن يحقق طلبه لكي يعود قومه عن عبادة الأصنام .
رد الله عز وجل على دعاء نبيه صالح بالمعجزة، حيث قام فجأة وذهب نحو الجبل وأشار بأحد أصابعه، وفعلا ظهرت الناقة العشراء من الصخور .
بعد رؤية الناقة، قام بعض قوم نبي الله صالح بالسجود ليشكروا ربهم، وامتازوا بشدة إيمانهم ويقينهم بقدرة الله عز وجل. بينما كان البعض الآخر متعجبا ومذهولا من ما حدث .
بعد مرور عدة، تضع الناقة حملها (الفصيل الصغير)، وكانت هناك ناقة صالح وضعت تلك الناقة فصيلها الصغير، وكانت الناقة وفصيلها رمزا للرحمة والسلام والمودة. وأوصى نبي الله صالح قومه بالناقة وبأن لا يمسوها بسوء، وعاشت الناقة في أحضان الجبال والوديان، تأكل الأعشاب وتشرب الماء .
الصراع بين قبيلة ثمود .. سبق وذكرنا أن بعض قوم ثمود سجدوا لله عندما رأوا الناقة، والبعض الآخر رفض ذلك فزاد الصراع بينهما. كانت الجبهة التي تعبد الأصنام تسود دائما على الجبهة التي تعبد الله تعالى، حيث كانوا يمتلكون المال ويعتقدون أن المال هو مصدر قوتهم. ومن ضمن هذه الجبهة الظالمة، كان هناك تسعة رجال يشتهرون بوحشيتهم وكانوا يحملون كراهية تجاه نبي الله صالح وناقته. في ليلة معينة، اجتمعوا وكالعادة تناولوا الطعام، لكن هذه المرة تجاوزوا الحدود في تناولهم وشربوا الخمر. قاموا بتخطيط مكيدة لنبي الله صالح وناقته، بهدف قتل الناقة وجعل نبي الله صالح ضعيفا ومنهكا بحيث لا يمتلك أدلة تدل على رسالته. وأشار أحدهم إلى وجود شخص قادر على قتل الناقة، وهذا الشخص كان يدعى قيدار، والذي عرف الجميع بقسوة قلبه .
من هو قيدار الشقي
وفي قصة قتل الناقة، عرف فرد من قوم ثمود بحبه للشر وكرهه لناقة صالح، وقدم إليه تسعة رجال كثيرا من المال ليقتل الناقة، ووافق دون تخطيط أو تدبير، وحمل سيفه وذهب ليقتلها. وعندما طلع الفجر، ذهب قيدار إلى المكان الذي تشرب منه الناقة، وكانت تتبعها الفصيلة التي تشرب معها الماء كل يوم ثم تذهب للعب، ولكن الفصيلة الصغيرة امتنعت عن اللعب هذا اليوم لأنها رأت قيدار الشرير بسيفه المخيف. وحاولت الناقة الهرب والابتعاد عنه وعن سيفه الغادر، ولكن سيفه كان أسرع منها وقتلها .
حدث مؤثر بين الناقة وصغيرها بعد أن ضربتها البؤساء، حيث نظرت الناقة إلى صغيرها وتوسلت له أن يتركها وينجو من غدر السيف، ولكن الصغير كان خائفا وظل ينظر إليها، وفجأة جاء تسعة رجال يحملون السكاكين والخناجر وطعنوها بوحشية، وانتشلوا لحم الناقة .
هرب الفصيل الصغير بعد أن رأى تلك المشهد التي زادته خوفا، متجها صوب الجبال، فصعد إحدى قمم الجبال، ومن فوقها بدأ ينظر إلى أمه، ولكن أيديهم لن تتركه، فقد طعنته فسقط الفصيل، وفعل به المجرمون ما فعلوه بأمه .
علم نبي الله صالح بأن الناقة قد قتلت وبأن الله عاقب قوم ثمود. انتهت الجريمة التي ارتكبوها المجرمون، وتحققت رغبتهم. ثم انتهض نبي الله صالح واتبعه بعض الناس الذين سمعوا عن تلك الجريمة، وانتقلوا إلى موقع الناقة، حيث شاهدوا الدماء والصخور على الأرض. قال نبي الله صالح للمجرمين: “تمتعوا في دياركم ثلاثة أيام، حتى يعاقبكم الله على ما فعلتم”. وكان ردهم على ذلك أنهم خططوا لقتل نبي الله صالح، مثلما قتلوا الناقة. ولكنهم في تلك الليلة أصابتهم صاعقة أودت بحياتهم جميعا، وبقي نبي الله صالح ومن آمن به .