سيرة الصّحابيّ التقيّ الورع عتبة بن غزوان
نسبه: عتبة بن غزوان بن جابر بن وهيب المازني، من قبيلة بني مازن بن منصور، وكان حليفا لبني نوفل بن عبد مناف في الجاهلية قبل الإسلام، وكان يصف بأنه رجل ذو طول وجمال وهيبة.
إسلامه وهجرته: سيدنا عتبة بن غزوان كان من أوائل المسلمين، وكان سابع من الأشخاص الذين أسلموا. بايع النبي صلى الله عليه وسلم وجاهد معه ضد المشركين. هاجر إلى المدينة المنورة بعد أمر النبي بالهجرة، وشهد مع النبي جميع المشاهد بما في ذلك غزوة بدر. كان عتبة بن رضوان عليه السلام من الرماة الماهرين في جيش المسلمين وأظهر إخلاصا كبيرا في مسيرته الجهادية مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك بعد وفاته
هاجر في البداية إلى الحبشة حيث النجاشي، ثم عاد من هناك وهاجر إلى المدينة المنورة بأمر من النبي محمد عليه الصلاة والسلام، مع مولاه خبيب والمقداد بن عمرو، ونزل هو ومولاه عند عبد الله بن سلمة العجلاني، حيث آخاهما النبي عليه السلام بينه وبين أبي دجانة.
روايته للحديث الشّريف: كان عتبة بن رضوان رضي الله عنه يعتبر من رواة الحديث الشريف الذي نقله عن النبي عليه الصلاة والسلام. وروى عنه – أي عن عتبة بن رضوان – العديد من رواة الحديث، ومن بينهم الترمذي والنسائي وابن ماجه وقبيصة بن جابر وشويس أبو الرقاد وخالد بن عمير العدوي وغنيم بن قيس المازني، كما روى عنه حفيده عتبة بن إبراهيم بن عتبة بن غزوان. وروى عتبة حديثا في صحيح مسلم
ولايته للمسلمين في مدينة البصرة: عتبة بن غزوان، رضي الله عنه، كان محاربا في جيش المسلمين الذي فتح العراق، وينسب إليه الفضل في فتح مدينة `الأبلة` وتحريرها من الفرس بأمر من عمر بن الخطاب، فأعد عتبة جيشه واستعد للمسيرة، وودعه عمر بن الخطاب بجملة قصيرة تلخص مهمته
انطلق أنت ومن معك حتى تصلوا إلى أقصى بلاد العرب وأدناها، واستمروا برحلتكم ببركة الله ونعمته، فادعوا إلى الله فمن أجاب دعوتكم فهو خير لكم، ومن رفض فعليه دفع الجزية، وإلا فالسيف هو الحل الوحيد، لا تستسلموا للعدو واتقوا الله ربكم.
تقدم جيشه بسرعة، وعندما رأى الفرس (الفارس المسلم) الذين كانوا لديهم أسلحة وجنود ومعدات كثيرة، صاح بصوت عال في المسلمين واستعرض سيفه قائلا: “الله أكبر… صدق وعده”. واجه المسلمون الفرس في عدة معارك وانتصروا عليهم بفضل الله وبتوفيقه، وحرروا أهل مدينة أبلة من سيطرة الفرس وجعلوهم يدخلون في دين الإسلام.
بعد ذلك، أسس المسلمون مدينة “البصرة” بأمر من الخليفة، وعيّن عمر بن الخطاب رضي الله عنه واليًا عليها، وبالتالي كان عتبة هو أول والي على البصرة تحت حكم المسلمين.
زهده في الدّنيا وملكها: قضى عتبة بن غزوان حوالي ستة أشهر في مدينة البصرة، حيث كان يعيش بين الناس بالعدل والإنصاف، ويصلى فيها ويعلمهم دينهم وينصحهم بالآخرة والدنيا، ويسعى للزهد في الدنيا وثرواتها.
خلفَ يومًا على البصرة خليفةً له وذهب لأداء الحجّ ثم ذهب للمدينة المنوّرة يسأل عمر بن الخطّاب أن يعفيه من ولايتها، فرفض عمر أن يعفيه قائلًا: “تضَعُون أماناتكُم فوقَ عُنقي، ثم تتركُونَني وحدي؟ والله لا أعفيِكم منها أبدًا ” وردّه لولايته في البصرة.
كان عتبة من مقاتي الترف والبذخ والتبذير، وكان يخطب لدى المسلمين: `والله لقد رأيتني مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في السابع من السبعة وما كان لنا طعام إلا أوراق الشجر حتى جرحت الأشداق، ولقد رزقت يومًا بردة فشققتها نصفين، فأعطيت نصفها لسعد بن مالك ولبست النصف الآخر`.
وكان كلّما راوده النّاس وحاولوا تغيير نهجهه في الزّهد قال: كلما ضاقت به الأزمان ورأى من قومه وعملهم ما يسيئ إليه، كان يتوجه بالدعاء: `إِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ فِي دُنْيَاكُمْ عَظِيمًا، وَعِنْدَ اللَّهِ صَغِيرًا`، وكان يقول: `غَدًا تَرَوْنَ الْأَمِرَاءَ مِنْ بَعْدِي`
عاش رضي الله عنه فقيرًا زاهدًا وتوفي على هذا الحال.
وفاته: توفي عتبة بن رضوان في طريقه من المدينة المنورة إلى البصرة بعد أن رد عمر بن الخطاب ولايتها عليه، بعد أن دعا ربه ألا يرده إلى البصرة أو الملك، فاستجاب الله لدعائه، وتوفي عتبة بن رضوان عن عمر يناهز 57 عاما في العام 17 هجريا