سيّد القرّاء والمسلمين الصحابي ” أٌبيّ بن كعب “
نسبه وسيرته: أبو المنذر هو الصحابي أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن معاوية بن عمرو بن مالك الخزرجي، وكان عمر بن الخطاب يلقبه بأبي الطفيل ويسميه “سيد المسلمين”. وكان شعر رأسه ولحيته بيضاء، ولم يكن يحنيهما، وكان فقيها وعالما من فقهاء الصحابة ومن كتاب الوحي، واعتبر كأفضل القراء. وقد حدث عن النبي عليه السلام أنه قال: “أقرؤكم أب
علمه الواسع وفقهه: هو كاتب من كتاب القرآن، شهد بيعة العقبة الثانية مع النبي، وكان ممن شهد النبي عليه السلام بالعلم والحكمة وأمر بأن يؤخذ العلم منهم. فعن بعد الله بن عمرو قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خذوا القرآن من أربعة: ابن مسعود، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة”. فكانت تلك شهادة عظيمة في حق أبي بصدقه وسعة علمه
وقد روى أُبيّ بن كعب أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خاطبه يومًا وقال: يا أبا المُنذِر، أتدري أيّ آيةٍ من كتاب الله معك أعظم؟ قال: قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: يا أبا المُنذِر، أتدريّ أيّ آيةٍ من كتاب الله معكَ أعظم؟، قال: قلتُ:” اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ” قال: فضربَ النبيّ عليه السّلام في صدري وقال: والله ليهِنِك العلمُ أبا المُنذر”.
و”ليهنِك العلم” هي صيغة أمر تعني: نسأل الله أن يجعل العلم هُنيئًا لك، ونسأله أن يسهل عليك الحصول على العلم ويثبته في قلب أبي المنذر، رضي الله عنه.
بسبب معرفته الواسعة وحكمته الكبيرة وسرعة حفظه وحسن فهمه ، وكل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم تعليم الوفود والمسلمين حديث القرآن وعلومه وأحكامه ، وتفقيههم في الدين. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستخلفه لإمامة المسلمين في الصلاة إذا غاب عن المدينة المنورة.
وحين نزلت آياتٌ من سورة البيّنة، دعاه النّبيّ عليه السّلام وقال: يا أبت، إن الله أمرني أن أقرأ لك (لم يكن الذين كفروا)، فقال أبي: هل الله سماني لك؟، فقال عليه السلام: نعم، الله سماني لك، فبكى أبي رضي الله عنه وأرضاه
والآية هي: لم يتخلى الكافرون من أهل الكتاب والمشركين عن كفرهم حتى تأتيهم البراهين الدالة على صحة الإسلام
الزّهد: كان رضي الله عنه رجلا بسيطا لا يملك شيئا في هذه الدنيا، وكان زاهدا منقطعا عن الدنيا، وكانت مظهره ومنزلته متواضعة
الورع: كان هو الشخص الذي تحدث مع النبي صلى الله عليه وسلم في حديث فضل الصلاة عليه. وفي إحدى المرات، جاء أبو بن كعب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: “يا رسول الله، إني أصلي عليك كثيرا، فكم من الصلاة عليك تريد؟” فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: “ما شئت، ولكن إذا زدت فهو أفضل لك”. فقال أبو بن كعب: “الربع؟” فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: “ما شئت، ولكن إذا زدت فهو أفضل لك”. ثم قال: “النصف؟” فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: “ما شئت، ولكن إذا زدت فهو أفضل لك”. ثم قال: “الثلثين؟” فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: “ما شئت، ولكن إذا زدت فهو أفضل لك”. ثم قال: “هل أصلي عليك كل صلاتي؟” فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا فعلت ذلك، فستكفي همومك ويغفر الله لك ذنوبك
التّقوى ومقت الدّنيا: بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كان يؤدي صلاة وعبادة بانتظام، وقد قال: “كنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ووجوهنا كانت واحدة، ولكن عندما تفرقنا، تغيرت وجوهنا إلى اليمين والشمال
عندما اتسعت فتوحات المسلمين وزادت رقعة سلطتهم، بدأوا يتناحرون فيما بينهم ويجاملون الولاة والأمراء ويمدحونهم بمدح كاذب ومتملق، فقال: `هلكوا ورب الكعبة، هلكوا وأهلكوا. أنا لا آسى عليهم، ولكني آسى على من يُهلك من المسلمين`
وصيّته: هو صاحب الوصية الحكيمة العصماء التي نصح بها رجل طلب منها، حيث قال: لا تتدخل فيما لا يعنيك، وابتعد عن عدوك، وكن حذرًا من صديقك، ولا تغار على حيّ يعيش إلا بما تغار به على ميت، ولا تطلب شيئًا من شخص لا يبالي بتلبيته لك
وفاته: توفّى عام 30 هجريًا، وقد ضربت المدينة يوم وفاة ريحٌ شديدة فيها غبرة ورمال، وكان النّاس يتدافعون ويموج بعضها في بعض. فقال عُتيّ السعديّ (وكان قدِم المدينة يومها): ما لي أرى النّاس يموج بعضهم في بعض؟ قالوا: أما أنت من أهل البلد؟ فإنّّ اليوم قد مات سيّد المُسلمين أُبيّ بن كعب.