علم النفسعلم وعلماء

متلازمة المؤمن الحقيقي

ما هي متلازمة المؤمن الحقيقي

إذا دعاك شخص ما بالمؤمن الحقيقي، فمن المؤكد أنك ستشعر بالسعادة، ولكن في علم النفس، قد يشير هذا المصطلح إلى نوع من الانتقاد، حيث يقصد به الشخص الذي يؤمن بإيمان راسخ أن معتقداته وأفكاره هي الحقيقة المطلقة.

يمكن للمؤمنين الحقيقيين الإيمان بالأيديولوجيات المتطرفة، سواء في السياسة مثل الشيوعية أو الفاشية، أو بالأصولية الدينية، أو بالطوائف الشخصية.

متلازمة المؤمن الحقيقي هي تعبير غير رسمي في علم النفس، صيغها المعالج الروحاني إم. لامار كين لوصف اضطراب إدراكي واضح يتسم بالاعتقاد بواقعية بعض الأحداث الخارقة للطبيعة، حتى بعد تقديم دليل قاطع على أن تلك الأحداث تم تدبيرها بطريقة احتيالية.

 كان كين نفسه روحانيًا بروتستانتيًا خدع الناس لعدة سنوات وجمع ثروة خلال جلساته لتحضير الأرواح.

في عام 1977 ، أجرى الكاتب الكندي الشهير ألن سبراجيت مقابلة مع كين في محاولة للكشف عن عمليات الابتزاز الدينية، ولكن في الواقع لم يحدث أي تأثير يذكر أمام المعالجين الإيمانيين المحتالين والمدعين بالمعجزات الإنجيلية.

في اللقاء، تبين للكاتب أن كين ليس محتالا بارعا، لكن زبائنه من السهل خداعهم. كما كشف الكاتب، يرى كين أن متلازمة المؤمن الحقيقي هي نوع من الكذب الواعي، وأن هذا الإيمان يقوم على الكذب المقصود بالنفس، ولا يمكن تغيير فكر المؤمن الحقيقي حتى بالمنطق الواضح.

ربما يرى المحتال أو المخادع أن ما يقوله ويؤمن به هو الحق، وأن أي رأي منطقي يخالف هذا الاعتقاد هو كذبة.

الإيمان بهذا النوع يتضمن نوعًا من الخداع للذات، ولكنه لا يتضمن كذب الفرد على نفسه، لأن الاعتراف بأن المرء يعتقد أن ما يعرفه خطأ يتطلب الكذب على الذات، وهذا غير ممكن في حالة المؤمن الحقيقي الذي يعتقد أنه يمتلك الحقيقة المطلقة.

تم صياغة اعترافات المحتال كين في كتاب يسمى `نفسية المافيا`، وفي هذا الكتاب، لم يكشف كين عن نفسه فقط، بل فضح زملاءه المعالجين الروحانيين.

تسبب هذا الكتاب في تهديد حياة كين، الأمر الذي اضطره لمغادرة منزله وتغيير اسمه، وتعرض كين لعدة محاولات لإطلاق النار، وأصبحت نظريته عن المؤمن الحقيقي محل دراسة من قبل المعالجين النفسيين.

ومن أمثلة هؤلاء المؤمنين الحقيقيين اتباع كين وأصحاب نظرية نهاية العالم عام 2012، الذين ما زالوا متمسكين بعقيدتهم، رغم أن الواقع أثبت عدم صحتها.

كتاب المؤمن الحقيقي

استخدم إريك هوفر نفس المصطلح في كتابه `المؤمن الحقيقي` الذي نشر في عام 1951، ووصف فيه الجذور النفسية لهذه الشخصية، وحقق الكتاب شعبية كبيرة وطبع ثلاثة وعشرين طبعة بين عامي 1951 و2002.

قسم هوفر كتابه إلى ثلاثة أجزاء وشرح فيه الحركات الجماهيرية استنادا إلى نظرية المؤمن الحقيقي. في رأي هوفر، تسعى الحركات الجماهيرية دائما إلى الاستسلام الكامل لذاتها المميزة، والفرد في هذه الحركات يعرف بأنه “عضو في قبيلة أو عائلة معينة”، سواء كانت دينية أو سياسية أو قومية. وهذا العضو هو ما يسمى بهوفر بالمؤمن الحقيقي.

ينبغي أن يكون كل جزء في شخصية المؤمن الحقيقي مرتبطًا بالمجتمع الكبير، حتى عندما يكون وحيدًا، فإن المؤمن الحقيقي لا يشعر بالعزلة، ويكون مراقبًا دائمًا، وتكون أهداف وآراء المؤمن الحقيقي في الجماعة غير مهمة.

تعتمد الحركات الجماهيرية دائمًا على الأداء التمثيلي والمسرحي وعلى تصميم مشاهد تجعل المؤمن الحقيقي يشعر بالرهبة من عضويته في الحركة. ومن أمثلة ذلك المسيرات الضخمة التي كان ينظمها النازيون والخطابات الرنانة 

ويقول هوفر إنه على الرغم من أن الحركات الجماهيرية قد تبدو مختلفة جدًا في البداية ، إلا أنها جميعًا مدفوعة بنفس جوانب علم النفس البشري، بكل بساطة ، تكتسب جميع الحركات الجماهيرية أتباعًا من خلال مناشدة مجموعة مشتركة من المشاعر الشخصية والإحباطات والدوافع، وهذا صحيح سواء نتج عن الحركة خير أو شر.

على الرغم من تناقض الحركات السياسية مثل الشيوعيين والاشتراكيين الوطنيين، الذين يعتبرون دائمًا حركات متعارضة بشكل كامل، إلا أن كلا الحركتين تناشدان نفس الدوافع البشرية في الجماهير

اعتقد هوفر أن الشيوعيين والقوميين الروس واليابانيين جميعًا مؤمنون حقيقيون بمجموعاتهم.

في الماضي القديم، كان البابا هو الرجل الأقوى في أوروبا، لأنه كان لديه مؤمنون حقيقيون.

سمات المؤمن الحقيقي في علم النفس

حدد علماء النفس أربع صفات رئيسية للشخص الذي يعاني من متلازمة المؤمن الحقيقي، وتتضمن هذه الصفات:

  • ميول انفصامية تحت ديناميكية

تشير مصطلح `ميول الانفصالية` إلىالميل للانفصال عن الواقع والانجذاب نحو أشياء غير حقيقية، وغالبًا ما يرتبط هذا الميل بتفكير في الخوارق، ولا يعني ذلك بالضرورة أن المصاب بهذه الحالة مريض بمرض عقلي، ولكنه يميل إلى الانفصال عن الواقع بشكل ساذج جدًا.

  • التنافر المعرفر

المعرفي هو حالة من عدم الارتياح التي تحدث داخل العقل نتيجة الاعتقاد بآراء متناقضة أو تعارض المواقف، وهذا أمر طبيعي لدى الشخص المؤمن الحقيقي، حيث يحمل اعتقادا راسخا في شيء قد يتعارض مع العقل، بينما تظهر الحقائق الملموسة أمامه تتعارض مع الاعتقاد الأول، وهذا يجعله يشعر بالتناقض المعرفي.

  • معالجة الجشطالت

معالجة الجشطالت هي قاعدة للإدراك البشري تصف كيف يجمع الإنسان العناصر المتشابهة ويتعرف على الأنماط ويبسط الصور المعقدة عندما يدرك الأشياء.

يتميز الأشخاص الذين يستخدمون هذا النمط الإدراكي بأنهم لا يستخدمون التفكير العميق أو التحليل التفصيلي، ويقبلون أي فكرة بشكل عام دون التركيز على التفاصيل أو التحليل.

  • عقلية بحسب الظروف

يتمثل المفهوم الذي يتبعه هؤلاء الأفراد في أنهم يتخذون قراراتهم استنادا إلى الأحداث التي يشاهدونها أو يواجهونها، ويعتقدون أن هذه الأحداث هي الأكثر احتمالا للحدوث والتكرار، وأنها هي الأكثر مصداقية من غيرها .

مثال على تلك العقلية هو عندما تستمتع بالأخبار وتسمع عدة أخبار عن سرقة السيارات في منطقتك، فتعتقد أن منطقتك هي الأكثر تكرارا لحوادث سرقة السيارات في العالم، وهذا غير صحيح.

وفي عقلية المؤمن الحقيقي كانت النبوءات والخرافات والأحداث الخارقة المرتبطة بحضارة المايا متاحة بكثرة في وسائل الإعلام، مما جعل المؤمنون الحقيقون بتلك الفكرة يؤمنون أن تلك الحضارة بالفعل خارقة للطبيعية، وخاصة أن هؤلاء الأشخاص لديهم ميول انفصالية مما جعل عقلية بحسب الظروف تعمل لديهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى