الشيخ السوداني الصامت ” بشير محمد بشير “
أحيانا يكون الصمت أبلغ الكلام، فليس معنى الصمت هو الضعف بل هو قوة داخلية تجعل صاحبها يتمركز برأيه في أعلى المناصب، فهل سمعت من قبل عن ” الشيخ الصامت” ؟ فمنذ أكثر من 25 عاما أي من ربع قرن في مطلع التسعينات تحديدا توقف الشيخ الصامت ” بشير محمد بشير ” عن الكلام بإرادته ليشكل حالة فردية من نوعها، وقد اتسم بفلسفته الخاصة وشخصيته الحكيمة التي جعلته يقوم بهذا الأمر، حيث يتعامل الشيخ الصامت مع البشر عن طريق الورقة والقلم، حيث يرد على الأسئلة ويحاورهم، وبنفس هذه الطريقة شارك في ندوات ومؤتمرات ولقاءات تليفزيونية، فلم يصم الشيخ الصامت عن الطعام فقط بل صام عن الكلام أيضا بطريقة غريبة، فهو شيخ جليل على درجة رفيعة من التعليم فهو فقيه وعالم وله فكره وقيمه التي يؤمن بها الكثير من أتباعه، فمن هو الشيخ الصامت ؟
من هو الشيخ الصامت ؟
الشيخ السوداني ” بشير محمد بشير ” الذي ولد في عام 1956 بقرية أم سريحة بريفي الرهد بولاية شمال كردفان والتي تعود جذوره لأسرة متدينة وكان جده لأبيه من حفظة القرآن، وقد تخرج الشيخ الصامت في السوربون بفرنسا بدرجة البكالوريوس ثم نال الماجستير في الاقتصاد والعلوم عام 1977 ليقرر بعدها أن يلتحق بواحد من كبار شيوخ الدين في السودان هو الشيخ الراحل عبد الرحيم البرعي والذي تتلمذ على يده في مكان يعرف ب ” الزريبة” في الفترة ما بين 1978 إلى 1996 حيث تشكلت في هذه الفترة تصوراته ومعتقداته في الحياة والتي قرر من خلالها الصمت النهائي.
درس الشيخ الصامت في أم سريحة بالرهد قبل أن يتعلم في السوربون في فرنسا. كما تعلم اللغات الفرنسية والإسبانية والعبرية. كان البحث الذي قدمه للحصول على درجة الماجستير في عام 1977 حول “الاقتصاد والتداعيات الدولية في القرن الواحد والعشرين” يعتبر متقدما بالنسبة لعصره. من خلال بحثه، أشار إلى أن الاقتصاد العالمي سينهار بسبب الصراع بين النظريات الاشتراكية والرأسمالية.
التحول الفكري للشيخ الصامت
عاد الشيخ الصامت من فرنسا إلى السودان والزمه بالبقاء في زريبة البرعي التي عرفت بمدينة العلم والنور، والتي من خلالها استطاعت الشيخ الصامت أن يغير فكره، حيث اتجه إلى العلوم الدينية والمقاصد الصوفية وتباعد عن آثر السوربون الذي بقي بداخله مجرد رافد من روافد الجذور الفكرية، حيث ركز في هذه الفترة على الدراسات القرآنية، وتعمق في دراسة الفكر الديني.
فلم يترك الشيخ الصامت مدينة العلم والنور إلا مرة واحدة فقط بطائرة مروحية لتلقي العلاج من مرض مفاجئ، وأصبح يترنم بقصائد الشيخ البرعي في مدح النبي عليه الصلاة والسلام، ورتل القرآن بصوت عذب حتى توقف عن الكلام في عام 1990 حيث يقول “سيتكلم متى شاء الله له ذلك”، وقان بغسل عوالم السوربون وبدت محطة من محطات حياته وقد ذكر ذلك في إحدى المقابلات له في عام 2010
طقوس الحياة لدى الشيخ الصامت
يشارك الشيخ الصامت في الأفراح والمناسبات الاجتماعية، ويقول عن نفسه أنه يشاهد القنوات الفضائية ويستمع إلى الإذاعات ويقرأ الكتب والصحف والمجلات، حتى أنه يتابع المسلسلات ويختار منها الصالح ويترك الطالح، ويقضي وقته المحبب في الاستماع لتلاوة القرآن وسماع المدائح النبوية، كما قام ببناء مجمع باسمه في مسقط رأسه بأم سريح.
تصريحات الشيخ الصامت حول فلسفته
قال الشيخ الصامت حول فلسفة الصمت: “إن الصمت يبدأ حين ينتهي الكلام.” يروي أن تجربته في الصمت هي سر خاص، وتظل تجربته في الصمت غامضة لأنه مقتنع بأنه إذا أراد الله خيرا للإنسان، سيجعله يبقى صامتا. لقد كتب العديد من المقالات والأبحاث وأجرى العديد من المقابلات التلفزيونية، ومن أبرز هذه المقالات والأبحاث “الطريق في اتجاه واحد: السربون، كركوج، الزريبة: نقاط من مجاهدات الشيخ بشير الصامت”، وهي من تأليف الصحفي والكاتب يحيى العوض ونشرتها دار القوم في الخرطوم وتمت طبعها مرتين.
لديه مقابلة تلفزيونية مبكرة قام بها تلفزيون السودان له في عام 2000 وأجاب فيها على العديد من الأسئلة عن طريق كتابة الإجابات على الورق بعد سماع الأسئلة. في هذه الحلقة، قال `منع اللسان عن الكلام الزائد لأنه يسبب المشاكل والمصاعب. يقولون أن الصمت هو حكمة، إذا كان الصمت يفيد الفرد فكيف بالجميع؟ الصمت يثير ينابيع الحكمة في النفس ويجلب جمالا للقلب.` كما كتب أيضا `حتى قلمي أصابه السرور بنعمة الصمت، ولا يكتب إلا ما يفرح قلوب الحاضرين. وجدت الراحة في الصمت، ويجعلني الحزن سعيدا والسعادة حزينة بالطبع.