تفسير ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم “
{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [الرعد:11]، وكيفما أن الله تبارك وتعالى بكمال عدله وحكمته لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وكيف يستطيع الإنسان تغيير ما بنفسه وهو لا يملك أمره؟.
تفسير الآية:
يقول فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز في تفسير الآية الكريمة {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد:11]: إن هذه الآية العظيمة تشير إلى أن الله تعالى، بكمال عدله وحكمته، لا يغير حال قوم من الخير إلى الشر، أو من الشر إلى الخير، أو من الرخاء إلى الشدة، أو من الشدة إلى الرخاء، إلا إذا قاموا بتغيير أنفسهم. فإذا كانوا على الطريق الصحيح وثبتوا في استقامتهم، يمكن أن يغير الله العقوبات والمحن والصعاب والمحارق والجفاف والجداول والتفرقة وغير ذلك من أنواع العقوبات، كجزاء وعقاب.
قال سبحانه: {وما ربك بظلام للعبيد} [فصلت:46]، ويمهلهم سبحانه ويملي لهم ويستدرجهم، لعلهم يعودون، ثم يأخذون على غفلة كما قال سبحانه: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون} [الأنعام:44]، يعني: يأسون من كل خير، نتعوذ بالله من عذابه ونقمته، وقد يؤجلون إلى يوم القيامة، حينها يكون عذابهم أشد، كما قال سبحانه: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار} [إبراهيم:42]، المعنى أنهم يؤجلون ويمهلون حتى بعد الموت، فيكون ذلك عقوبة أعظم ونقمة أشد.
وقد يكونون في شر وبلاء ومعاص، ثم يتوبون إلى الله ويرجعون إليه ويندمون ويستقيمون على الطاعة، فيغير الله ما بهم من بؤس وفرقة، ومن شدة وفقر إلى رخاء ونعمة، واجتماع كلمة وصلاح حال؛ بأسباب أعمالهم الطيبة، وتوبتهم إلى الله سبحانه وتعالى، وقد جاء في الآية الأخرى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال:53]، فهذه الآية تبين لهم أنهم إذا كانوا في نعمة ورخاء وخير، ثم غيروا بالمعاصي غُير عليهم -ولا حول ولا قوة إلا بالله- وقد يمهلون كما تقدم والعكس كذلك إذا كانوا في سوء ومعاص أو كفر او ضلال، ثم تابوا وندموا واستقاموا على طاعة الله ، غيَّر الله حالهم من الحالة السيئة إلى الحالة الحسنة، وغيَّر تفرقهم إلى اجتماع ووئام، وغير شدتهم إلى نعمة وعافية ورخاء، وغير حالهم من جدب وقحط وقلة مياه ونحو ذلك إلى إنزال الغيث وإنبات الأرض، وغير ذلك من أنواع الخير.
كيف يستطيع الإنسان تغيير ما في نفسه، وهو لا يملك أمره؟
أعطى الله لعباده عقولا، وأعطاهم الأدوات، ووفر لهم الوسائل التي يتحكمون بها في جلب الخير ودفع الشر، ومع ذلك فإنهم لا يخرجون عن إرادته. كما قال تعالى: `لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين` [التكوير: 28-29]. سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقالوا: `إن كل ما نفعله قد كتب علينا ومقدر سلفا، فما هو دورنا في العمل؟` فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم: `اعملوا، فإن كل شيء ميسر لما خلق له.
فمن الواجب الحذر، ويجب على المؤمن أن يتقي الله، ويسعى في سبيل الحق، وأن يظل مستقيما على هذا السبيل، وألا ينحرف عنه إلى الباطل، فإذا انحرف عنه إلى الباطل، فقد يتعرض لغضب الله وقد يغير الله قلبه، ويغير ما لديه من نعمة إلى نقمة وجفاف وفقر وحاجة وأمور أخرى مشابهة، والعكس صحيح، إذا كانوا في حالة العصيان والشرور والانحراف ثم توجهوا إلى الحق وتابوا إلى الله وعادوا إليه، وثبتوا على دينه، فإن الله سيغير حالهم برحمته من الخوف والفقر والاختلافات والتنازعات إلى الأمان والصحة والاستقرار.