تفسير ” تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعا “
تجنب الناس النوم في مواضع المشيع، ويدعون ربهم بالخوف والرجاء، وينفقون مما رزقهم الله. ولا يعلم أحد ما الذي يخفى عليهم من قرة الأعين، والله جزاءهم بحسب أفعالهم.” [سورةالسجدة: 16-17]
فضل الآية:
عن أبي وائل عن معاذ بن جبل قال: كنت مع النبي صل الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يومًا قريبًا منه ونحن نسير فقلت: يا نبي الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، قال: «لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت» ثم قال: «ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصنة جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل» ثم قرأ {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ثم قال: «ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟» فقلت: بلى يا رسول الله، فقال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله» ثم قال: « ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟» فقلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه ثم قال: «كف عليك هذا» فقلت: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، فقال: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال: على مناخيرهم إلا حصائد ألسنتهم».
تفسير الآيات:
{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}: يعني بذلك: قيام الليل وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة، قال مجاهد والحسن يعني بذلك: قيام الليل، وعن أنس وقتادة: هو الصلاة بين العشاءين وعن أنس أيضًا: هو انتظار صلاة العتمة، وقال الضحاك: هو صلاة العشاء في جماعة، وصلاة الغدا في جماعة.{يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا}: أي خوفًا من وبال عقابه، وطمعًا في جزيل ثوابه، { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}: فيجمعون بين فعل القربات اللازمة والمتعدية، ومقدم هؤلاء وسيدهم وفخرهم في الدنيا والآخرة رسول الله صل الله عليه وسلم، وقد قال فيه عبد الله بن رواحة، رضي الله عنه:
وفينــا رسول الله يتلو كتابـــــه إذا انشق معروف من الصبح ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فَقُلُوبنا بـــه موقنـــات أن ما قــــال واقـــــع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عن ابن مسعود رضي الله عنه: “ربنا يتعجب من رجلين، رجل قام من فراشه ومن بين عائلته وجيرانه إلى صلاته، ورجل غزا في سبيل الله ولم يهرب حتى أهرق دمه”. فالله يثني على الرجلين بسبب تضحيتهما وعزمهما على القيام بالخير والدفاع عن الدين
{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}: روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “يقول الله تعالى: لقد أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ذخرا من بله ما أطلعتم عليه”. ثم قرأ {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} {جزاء بما كانوا يعملون}: وروى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله عن الروح الأمين: “يؤتى بحسنات العبد وسيئاته ينقص بعضها من بعض، فإن بقيت حسنة واحدة وسع الله له في الجنة.