آداب اللقاء مع العدو للقتال
أمر الله تعالى المؤمنين بالثبات والصبر أثناء مواجهة الأعداء، وعدم الهروب أو الانكسار أو الجبن، وأن يذكروا الله في تلك الأوقات ولا ينسوه، بل يستعينوا به ويتوكلوا عليه، ويطلبون منه النصر على أعدائهم. ويجب ألا يتنازعوا فيما بينهم، حتى لا يحدث خلاف وتشتت، وهذا يكون سببا لضعفهم وفشلهم. وقد قال الله: `يا أيها الذين آمنوا، عندما تواجهون فئة من الأعداء، فابقوا ثابتين واذكروا الله كثيرا عسى أن تنجحوا. وأطيعوا الله ورسوله ولا تتنازعوا فتخسروا وتذهب قوتكم. واصبروا، إن الله مع الصابرين` (سورة الأنفال: 45-46).
آداب اللقاء مع العدو للقتال:
– عدم تمني لقاء العدو: ورد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف”، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم وقال: “اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزم الأعداء وانصرنا عليهم”، وهذا الحديث مروي في الصحيحين من حديث عبد الله بن أبي أوفى بإسناد مرفوع.
– الثبات عند مواجهة العدو: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا}.
– ذكر الله تعالى كثيرًا: يقول الله تعالى في القرآن الكريم: `يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون`.
– الصمت وعدم التكلم إلا بالذكر: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: `إن الله يحب الصمت عند ثلاث: عند تلاوة القرآن، وعند الزحف، وعند الجنازة`، وفي حديث آخر مرفوع يقول الله تعالى: `إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو مناجز قرنه`: أي لا يشغله ذلك الحال عن ذكري ودعائي واستعانتي. وقال قتادة: يجب أن يذكر العبد الله عندما يشغله شيء آخر، مثل الضرب بالسيوف.
– أن يكون المسلمون على قلب رجل واحد: أمر الله تعالى بترك النزاع حتى لا يتفكك وحدة المسلمين، حيث قال: { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}.
– الصبر عند مواجهة العدو: قال الله تعالى: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
تفسير الآيات:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا}: هذا تعليم من اللّه تعالى لعباده المؤمنين آداب اللقاء وطريق الشجاعة عند مواجهة الأعداء، وعن كعب الأحبار قال: ما من شيء أحب إلى اللّه تعالى من قراءة القرآن والذكر، ولولا ذلك ما أمر الناس بالصلاة والقتال، ألا ترون أنه أمر الناس بالذكر عند القتال فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45]، فأمر تعالى بالثبات عند قتال الأعداء والصبر على مبارزتهم، فلا يفروا ولا ينكلوا ولا يجبنوا، وأن يذكروا اللّه في تلك الحال ولا ينسوه، بل يستعينوا به، ويتوكلوا عليه، ويسألوه النصر على أعدائهم، ولا يتنازعوا فيما بينهم أيضاً فيختلفوا، فيكون سبباً لتخاذلهم وفشلهم.{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}: أي قوتكم وحدتكم وما كنتم فيه من الإقبال {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
يقول ابن كثير: لقد تميز الصحابة رضوان الله عليهم في مجال الشجاعة والانقياد إلى أوامر الله ورسوله، والامتثال للتوجيهات التي وجهها إليهم، وذلك بطريقة لم تشهدها أمم وأجيال سابقة، ولن تشهدها أمم وأجيال لاحقة. بفضل بركة الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته فيما أمرهم به، استطاعوا أن يفتحوا قلوب الناس وأراضيهم في كل اتجاه، سواء في الشرق أو الغرب، في زمن قصير جدا، على الرغم من أن عددهم كان قليلا مقارنة بجيوش الأمم الأخرى. وقد هزموا الجميع حتى انتشرت كلمة الله ودينه على جميع الأديان، وانتشرت الممالك الإسلامية في مختلف أنحاء الأرض في أقل من ثلاثين سنة. رضي الله عنهم وأرضاه.